مجلة الرسالة/العدد 720/نقل الأديب
مجلة الرسالة/العدد 720/نقل الأديب
للأستاذ محمد اسعاف النشاشيبي
920 - لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم
صيد الخاطر لابن الجوزي: بلغني عن بعض زهاد زماننا أنه قدم إليه طعام، فقال: لا آكل، فقيل له: لم؟ قال: لأن نفسي تشتهيه، وأنا منذ سنين ما بلغت نفسي ما تشتهي، فقلت: لقد خفيت طريق الصواب عن هذا من وجهين، وسبب خفائها عدم العلم. أما الوجه الأول فإن النبي (ﷺ) لم يكن على هذا ولا أصحابه، وقد كان (عليه الصلاة السلام) يأكل لحم الدجاج، ويجب الحلوى والعسل. ودخل فرقد السبخي على الحسن وهو يأكل الفالوذج، فقال: يا فرقد، ما تقول في هذا؟ فقال: لا آكله، ولا أحب من أكله. فقال الحسن: لعاب النحل بلباب البر مع سمن البقر هل يعيبه مسلم؟ وجاء رجل إلى الحسن فقال: إن لي جاراً لا يأكل الفالجوذج. فقال: ولم؟ قال: يقول: لا أؤدي شكره. فقال: إن جارك جاهل، وهل يؤدي شكر الماء البارد. وكان سفيان الثوري يحمل في سفره الفالوذج والحمل المشوي، ويقول: إن الدابة إذا أحسن إليها عملت. وما حدث في الزهاد أمور من الفن مسروقة من الرهبانية وأنا خائف من قوله تعالى (لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) والوجه الثاني أنى أخاف على الزاهد أن تكون شهوته انقلبت إلى الترك فصار يشتهي أن لا يتناول، وللنفس في هذا مكر خفي، ورياء دقيق، فإن سلمت من الرياء للخلق كانت الآفة من جهة تعلقها بمثل هذا الفعل وإدلالها في الباطن به، مخاطرة وغلط.
شرح النهج لابن أبي الحديد: جاء فرقد السبخي إلى الحسن، وعلى الحسن مطرف خز، فجعل ينظر إليه، وعلى فرقد ثياب صوف، فقال الحسن: ما بالك تنظر إليّ، وعليَّ ثياب أهل الجنة وعليك ثياب أهل النار؟ إن أحدكم ليجعل الزهد في ثيابه والكبر في صدره فلهو أشد عجباً بصوفه من صاحب المطرف بمطرفه. وقال ابن السماك لأصحاب الصوف: إن كان لباسكم هذا موافقاً لسرائركم فلقد أحببتم أن يطلع الناس عليها، ولئن كان مخالفاً لها لقد هلكتم
في (الكتاب) الكريم العظيم:
(قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق؟).
(هو الذي سخر لكم ما في الأرض جميعاً).
(وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه).
921 - أبو نواس
الموشح للمرزباني: الجمار قال: كنت عند أبي نواس، قال: اسمع أبياتاً حضرت، قلت: هات، فأنشدني:
وملحمة باللوم تحسب أنني ... بالجهل أوثر صحبة الشطار
بكرت عليّ تلومني فأجبتها ... إني لأعرف مذهب الأبرار
فدعي الملام فقد أطعت غوايتي ... وصرفت معرفتي إلى الإنكار
ورأيت إتياني اللذاذة والهوى ... وتعجلا من طيب هذي الدار
أحرى وأحزم من تنظر آجل ... علمي به رجم من الأخبار
ما جاءنا أحد يخبر أنه ... في جنة من مات أو في النار
فلما بلغ إلى هذه البيت قلت له: يا هذا، إن لك أعداء وهم ينتظرون مثل هذه السقطات، فاتق الله في نفسك، ودع الإفراط في المجون، وأكتمها. قال: والله لا أكتمها خوفاً، وإن قضى شيء كان، فنمى الخبر إلى الفضل بن الربيع ثم إلى الرشيد فما كان بعد هذا إلا أسبوع حتى حبس.
922 - . . . لكان خليفة وقتنا أحق باللعن
منهاج السنة النبوية لابن تيمية:
كان (الشيخ عبد المغيث الحربي) ينهي عن ذلك (عن لعن يزيد) وقد قيل: إن الخليفة الناصر ما بلغه نهي الشيخ عبد المغيث قصده وسأله عن ذلك، وعرف عبد المغيث أنه الخليفة، ولم يظهر أنه يعلمه فقال: يا هذا، أنا قصدي كيف ألسنة الناس عن لعن خلفاء المسلمين وولاتهم، وإلا فلو فتحنا هذا الباب لكان خليفة وقتنا أحق باللعن، فإنه يفعل أموراً منكرة أعظم مما فعله يزيد؛ فإن هذا يفعل كذا ويفعل كذا، وجعل يعدد مظالم الخليفة حتى قال له: ادع لنا يا شيخ. وذهب. . .
923 - الناس على دين ملوكهم تاريخ الطبري: كان الوليد بن عبد الملك عند أهل الشام أفضل خلائفهم، بنى المساجد، مسجد دمشق ومسجد المدينة، ووضع النار، وأعطى الناس، وأعطى المجذّمين وقال لا تسألوا الناس. . . وفُتح في ولايته فتوح عظام: فتح موسى بن نصير الأندلس، وفتح قتيبة كاشغر، وفتح محمد بن القاسم الهند. . . وكان الوليد صاحب بناء واتخاذ المصانع والضياع، وكان الناس يلتقون في زمانه فإنما يسأل بعضهم بعضاً عن البناء والمصانع، فولى سليمان فكان صاحب نكاح وطعام فكان الناس يسأل بعضهم بعضاً عن التزويج والجواري، فلما ولى عمر بن عبد العزيز كانوا يلتقون فيقول الرجل للرجل: ما وردك الليلة؟ وكم تحفظ من القرآن؟ ومتى تختم؟ ومتى ختمت؟ وما تصوم من الشهر؟
924 - . . . فعاق اللقاء
نفح الطيب: قال أبو الحسن بن سعيد: ما سمعت ولا وقفت على شيء أبدع من قول الجزار وقد تردد إلى جمال الدين بن يغمور رئيس الديار المصرية فلم يقدر له الاجتماع به:
أسأل الله أن يديم لك الع ... ز ويبقيك ما أردت البقاء
كل يوم أرجو النعيم بلقي ... اك فألقى بالبعد عنك شقاء
علم الدهر أنني أشتكيه ... لك إذ نلتقي فعاق اللقاء
فبعث له بما أصلح حاله من الإحسان، وكتب في حقه إلى ولاة الصعيد كتباً أغنته مدة عن شكوى الزمان. ولم أسمع في وضع الشيء موضعه أحسن من قول المتنبي:
وأصبح شعري منهما في مكانه ... وفي عنق الحسناء يستحسن العقد
ولم أسمع في وضع الشيء غير موضعه أحسن من قول أبي الفرج:
مر مدحي ضائعاً في لؤمه=كضياع السيف في كف الجبان
925 - أنسب العرب
أمالي المرتضى: ابن المزرع قال: قلت لأبي عثمان الجاحظ: من أنسب العرب؟ فقال الذي يقول:
عجلت إلى فضل الخمار فأثرت ... عذبانه بمواضع التقبيل وقال: هذا للبحتري في القصيدة التي أولها: (صب يخاطب مفحمات طلول).
وفي نسيب هذه القصيدة بيت ليس يقصر في الملاحة والرشاقة وأخذن بمجامع القلوب عن البيت الذي فضله به الجاحظ وهو:
أأخيب عندك والصبا لي شافع ... وأرد دونك والشباب رسولي
وفي مديح هذه القصيدة بيت معروف بفرط الحسن وهو:
لا تطلبن له الشبيه فإنه ... قمر التأمل مزنة التأميل
926 - العمل على العادة. . .
العلم الشامخ في تفضيل الحق على الآباء والمشايخ لصالح بن مهدي المقبلي اليمني:
كان بعض الأمراء المغفلين قال له أصحابه: إذا جاءك أحد لأمر فقل: العمل على العادة. فجاءه يوماً إنسان قد ضرب رأسه والدم يسيل منه، فشكا إليه ذلك، فقال: العمل على العادة.
فقال الرجل: لم يكن في رأسي عادة أن يضرب قبل. وكانوا أيضاً عينوا له يوماً من الأسبوع للشكاية هو أمس ذلك اليوم فقال للرجل: يوم الشكاية أمس، فهلا جئتنا أمس؟ فقال الرجل: إنما ضرب رأسي كما ترى اليوم. ونرى أرباب الدولة الظالمة وسائر أعوانهم. . . إذا قيل لهم في شيء مما يأخذون من الأموال وكثير مما يأتون ويذرون: ما وجه هذا؟ قالوا: عادة، فإن عاودتهم سخروا منك، وقالوا وفعلوا بحسبما يقضي الهوى في القضية. . . وكذلك أشياء جرى عليها الناس مما يتعلق بالدين ومما يتعلق بالدنيا إذا سألتهم عنه كان جوابهم الذي لا يراجع فيه إلا أحمق عندهم - قولهم: عادة. . .