مجلة الرسالة/العدد 688/الترجمة والمترجمون
مجلة الرسالة/العدد 688/الترجمة والمترجمون
للأستاذ د. جونسون دافيز
الحرب بطبيعتها أداة تخريب ودمار، ولكن لها فوائد يجب ان توضع في الكفة الأخرى من الميزان. فهي ترغم الناس على ان يشمروا عن سواعد الجد وينبذوا التكاسل والتراخي في نواح كثيرة. وبلادنا (بريطانيا) قد جنت من هذه الحرب فائدة جليلة: هي أنها صارت اقل انعزالا وانكماشا في حدود جزيرتها مما كانت من قبل. ذلك أن كثيرا من الأجانب قد لاذوا بسواحلها ووجدوا فيها معقلا يحميهم من الاضطهاد والعدوان. والإنكليزي العادي، والإنكليزية العادية، باختلاطهما بهؤلاء الأجانب ازداد فهمهما للأمم الأخرى وعطفهما على غير ملتهما من الملل. ومن الدلائل على هذا ذلك العدد الضخم من الكتب التي صدرت خلال الحرب عن الدول والأمم الأجنبية. كما ازداد الاهتمام بالترجمة من اللغات الأجنبية، الالمانية، والبولندية، والفرنسية، والتشيكية، ثم الروسية طبعا. واغلب هذه الكتب بطبيعة الحال قد الفت قبل الحرب، لأنه لم يصل من أوربا التي احتلها الألمان إلا العدد الضئيل من الكتب. ومن هذه كتاب جدير بالذكر هو (صمت البحر آلفه فركور وقد طبع هذا الكتاب لاول مرة في مطابع النشر السرية في فرنسا، بالرغم من فداحة الخطر، ثم هربت منه نسخة إلى الخارج. وقد ظهرت له ترجمة إنجليزية بعنوان (اطفئ النور هذا الكتاب الصغير - فهو في الحق لا يزيد عن قصة قصيرة - يصف موقفا لابد انه تكرر في مئات الألوف من البيوت في جميع أنحاء فرنسا المحتلة، فهو يصف أسرة فرنسية صغيرة، مكونة من رجل هرم وابنة أخيه، ترغم على إيواء ضابط ألماني. وهو موقف يسهل جدا اتخاذه فرصة للدعاية الرخيصة، ولكن ليس من هذا اتفه قدر في هذا الكتاب، فهو كتاب فن، كتاب فن خالص. فالألماني لا يوصم بأنه مجرم أثيم، والفرنسي ليس بطلا. بل الألماني رجل مثقف، طيب بطبيعته، ومأساته موصوفة بعطف بديع، وقد ترك إلى القارئ أن يستنتج ما يريد من النتائج. فهذا الكتاب، على الرغم من ضآلة حجمه من المؤلفات القليلة عن الصراع الحاضر التي يمكن أن تعد أدبا رفيعا.
هذه المسألة، مسألة الترجمة من اللغات الأجنبية، هي في اعتقادي ذات أهمية بالغة في بناء أدب الأمة. فهي هامة في المحل الأول لأننا إذا أردنا أن نعرف شيئا عن أمة ما فخي نعمله هو أن نقرأ كتاب هذه الأمة. ولكن أهميتها ترجع في أغلبها إلى هذه الحقيقة: انه كما ان الأفراد مختلفو الطبائع، كذلك الأمم، على نطاق أوسع، مختلفة الخصائص؛ فالامم، لاختلاف أقطارها ودرجات تعليمها وأنواع ثقافتها وتربيتها، لها وجهات نظر في المشكلات اليومية، ومشكلات الحياة والموت، تختلف إحداها عن الأخرى بعض الشيء. وهكذا تجلب الترجمة دما جديدا إلى أدب الأمة، وكثيرا ما تكون مصدر الهام ذي أثار عميقة.
واليوم انبعث من جديد الاهتمام بالروائيين الروس الأعاظم حتى لم يعد ممكنا العثور على نسخة من روايتي تولستوي العظيمتين (أنا كرنينا) و (الحرب والسلم). وإذا أسعد الحظ امرءا باقتناء نسخة ظل أصحابه يستعيرونها منه بلا انقطاع. ومن حسن الطالع حقا العثور على كتب دستوفسكي أو تشيخوف أو تور جنييف أو غيرهم من كتاب الروس القدماء برغم إن كتبهم يتكرر طبعها.
قرأت مرة في أحد كتب النقد الأدبي أن العمل الأدبي ذا الأثر الأعظم في إنكلترا في هذا القرن هو ترجمة كنستانس كارنت للروائيين الروس الأعاظم. هذا تقرير خطير، وهو يدل على مقدار ديننا لهذه المرأة الملهمة التي وقفت حياتها على ترجمة مؤلفات الآخرين حتى يقراها ويقدرها أبناء وطنها. وقلما ينال المترجم مثل هذا الثناء. ومن الثابت انه لا يكاد يوجد اليوم روائي لم يتأثر تأثرا عميقا بكتابات عظماء الروس. فكم من هؤلاء الذين تأثروا هذا التأثر ودانو للمؤلفين الروس هذا الدين الجليل كانوا يجدون الفراغ والعزيمة والصبر الكافية لتعلم اللغة الروسية الصعبة حتى يستمدوا هذا الإلهام بأنفسهم. كم منهم كان يفعل ذلك لو أن كارنت لم تقم بما قامت به؟ إن فرجينيا وولف هذه الروائية والناقدة البعيدة الصيت قالت في احدى مقالات كتابها النقدي كل دراسة للرواية الإنكليزية الحديثة مهما كانت عامة موجزة يجب ان تذكر التأثير الروسي، فإذا ما ذكر الروس لم يكد المرء يتمالك نفسه من الإفاضة في التحدث عنهم، لأنه من إضاعة الوقت ان يتحدث عن رواية غير روايتهم.) فهل بعد هذا ثناء على الرواية الروسية؟ والمرء حين يقرا الأدب الروسي الحديث تأخذه الدهشة والاستياء إذ يراه مقفرا كل الإقفار من هذه العظمة، من هذا الفهم الشاسع البعيد الذي فهم به الروائيون القدماء الدنيا وأبناء جلدتهم من البشر. ويظهر أن الروس المعاصرين، مع تفوقهم وامتيازهم في فن الرقص التمثيلي والسينما والمسرح، قد أجدبت عقولهم في فن الكتابة. حقا ان روسيا السوفيتية لها كتابها، وكثير منهم قد ترجموا إلى الإنكليزية، ولكن أحدا منهم ليس في عظمة تولستوي أو دستيوفسكي، بل لايقرب من هذه العظمة أقل قرب. من الصعب تعليل هذا، ولكن العلة في نظري قد ذكرتها فرجينيا وولف في مقالة أخرى في نفس الكتاب حين قالت إن الخاصية المميزة للأدب الروسي هي انحصارهم الكاتب الروسي بروح الإنسان. فديتيوفسكي مثلا لا يهتم كثيرا بوصف حجرة أو منزل، بل لا يهتم بالصفات الجسدية لشخصياته، فهو مهتم بأرواحهم، ويوجه كل همه إلى وصف روح كل شخصية وكيف تقلبها واضطرابها. فلعل الأمر أذن هو أن الروح الروسية القلقة قد وجدت في نواح كثيرة ملجأ للراحة والاطمئنان في النظام الجديد، النظام الشيوعي. وبذلك قل اضطرابها وخفقانها عن ذي قبل. أضف إلى هذا أن التقلقل السياسي الذي عانته روسيا في السنين الخمس والعشرين الماضية لابد إنه كان له أثر سيئ على الأدب. لقد قرأت مجلدات عديدة من الأقاصيص القصيرة الروسية الحديثة ولم أجد بها إلا القليل مما يعد ممتازا، وكثير منها دعاية لا أدب.
ولكن لنعد إلى الروائيين الروس القدماء. كم من الناس الذين قرءوا تولستوي ودستوفسكي والآخرين يتذكرون اسم المترجم الذي مكنهم من قراءة هذه الروايات؟ الترجمة فن أبعد ما يكون عن العمل الآلي: هي تتطلب اكثر من مجرد معرفة اللغتين. هي عمل خالق بلا شك، والمترجم يستحق في الأوساط الأدبية من الشهرة أكثر مما يناله اليوم. المترجم لا ينال إلا نصيبا تافها من الجزاء المالي، ولا يكاد ينال شيئا من الثناء أو الذكر، مع أن عمله في الدرجة القصوى من الأهمية، وحتى أعاظم الكتاب لم يعدوا عارا عليهم أن يزاولوا هذا الفن - فما من شك أن الترجمة فن. فالشاعر الإنكليزي المشهور بوب ترجم أوديسة هومير من اللغة اليونانية، وإن كان لابد من الاعتراف أن بوب لم يكن المثل الأعلى للمترجم، إذ أن ترجمته وان كانت في حد ذاتها عملا أدبيا فائقا، فهي تحتوي من بوب على قدر أكبر مما تحتويه من هومير. حتى أن أحد معاصريه هنأه على عمله قائلا: (قصيدة بديعة يا بوب، ولكن ينبغي إلا تسميها هومير) والشاعر الفرنسي بودلير ترجم المؤلفات النثرية للكاتب الأمريكي إدجار ألان بو إلى الفرنسية، وترجماته تعد دررا من النثر الفرنسي بل أن شعره لم ينل في حياته إلا القليل من النجاح، حتى إنه كان يصف نفسه مفتخرا بأنه (مترجم بو). والروائي الفرنسي العظيم ماريل بروست بدأ حياته الأدبية بترجمة بعض مؤلفات رسكن من الإنكليزية. وكلا بودلير وبروست يقدم مثالا رفيعا لأدباء استمدوا إلهاما عظيما من كتابات مؤلفين قاموا بترجمتهم ولورنس بلاد العرب قام بترجمة نثرية للأوديسة، بينما قام الروائي د. هـ. لورنس الذي قد يعد اعظم روائيي إنكلترا في القرن العشرين بترجمة روايات إيطالية عديدة، وإحدى هذه وهي رواية - لمؤلفها جوفاني فيرجا، تستحق من الشهرة أكثر مما لقيت ولورنس نفسه قد وصفها بأنها: (كتاب عظيم مخلد، إحدى أعظم روايات أوربا،). وهناك رجل أخر أسدى إلى الأدب يدا بيضاء بترجمته، وهو سكوت مونكريف الذي ترجم رواية بروست الضخمة إلى الإنكليزية، ولترجمة الإنكليزية في اثني عشر مجلدا، قام هو بترجمة جميعها إلى المجلدين الأخيرين، إذ حال الموت بينه وبين إتمام هذا العمل العظيم. ويقال أنه في زمن ما كانت عادة اغلب الناس في باريس أن يقرءوا رواية بروست لا في الفرنسية الأصلية، بل في الترجمة الإنكليزية. فهل يطمع مترجم في ثناء ابلغ من هذا الثناء؟
إن ترجمة الكتب الأجنبية كان لها على أدبنا الإنكليزي أثار عظيمة بالغة، وأبرز مثل لهذا هو الكتاب المقدس، فللكتاب المقدس في الإنكليزية ما للقرآن الشريف في العربية، هو ليس أساس التفكير الديني فحسب، بل هو قد صار قسما من الأدب، ومثالا للكتابة النثرية الفائقة.
بل إن التأثيرات العظيمة التي تأثر بها الأدب الإنكليزي في مختلف العصور كانت كلها راجعة إلى الترجمة. إليك مثلا الترجمات المختلفة للقران، أول ترجمة للقرآن إلى لغة أجنبية كانت ترجمة لاتينية قام بها في سنة 1141 بطرس رئيس دير كلوني، وعاونه ثلاثة متعلمين مسيحيين وعربي، وظهرت أول ترجمة إنكليزية في سنة 1649، ومن يومها طبعت ترجمات عديدة أخرى اشهرها ترجمات سيلورودويل وبالمر ومرمديوك بكثال، وهذا الأخير هو إنكليزي مسلم، آلف عددا من الروايات والقصص عن الشرق
ولكن الكتاب العربي الذي كان له أبلغ الأثر على أوربا هو آلف ليلة وليلة. وقد ظهرت له ترجمتان إنكليزيتان جيدتان قام بهما إدوارد لين وسير ريتشارد بيرتون، وإن لم تكن هاتان أول ترجمة للكتاب. والمستشرق البريطاني هـ. ا. ر. جب يقول عن أثر هذه الترجمات الأولى لألف ليلة وليلة: (ليس من شطط القول أن نقول إن هذه الترجمة أمدت الكتاب الشعبيين بالهدف الذي طالما نشدوه، وإنه لولا آلف ليلة وليلة لما وجد روبنصن كروزو، بل ربما لم توجد رحلات جلليفر). بل قد قال بعضهم إن دانييل ديفو استمد الهام روبنصن كروزو من قصة حي بن يقظان التي آلفها ابن الطفيل، وكان قد ترجمها إلى اللاتينية المستشرق الإنكليزي القديم بو كوك. ويجب أن نذكر في هذا الصدد أيضا ترجمة فتزجرالد لرباعيات عمر الخيام، وهي إن كانت ترجمة شديدة التصرف فقد كان ملهمها الشاعر والمنجم الفارسي. كما قد زعم البعض إن رسالة الغفران لأبي العلاء المعري كان لها تأثير كبير على دانتي في كتابه (الكوميديا الإلهية). ومهما يكن من شيء فمن المحتمل إن عناصر إسلامية كثيرة توجد في هذا العمل العظيم لدانتي. وعن هذا يقول الأستاذ جب: (إن الاهتمام الذي كانت تتبع به الدراسات العربية في إيطاليا في زمن دانتي لا تجعل هذه النظرية أمرا مستحيل التصديق، وإن لم يكن من المستطاع بعد إثبات هذا إثباتا جازما إلا في الجزئيات. ولكن هذه النظرية نظرية جذابة، وأقل ما يجعلها ذات جاذبية أنها لو صحت لازدادت عبقرية دانتي سموا، إذ تكون قد الفت في وحدة منسجمة رائعة بين التراث المسيحي والصوفي القديم العظيم، وتجارب الإسلام الدينية ذات الغنى الروحي الزاخر.)
أما عن ترجمة المؤلفات الأجنبية إلى اللغة العربية، فنقول إن العرب قاموا بترجمات من اللغة اليونانية تعد من خير الأمثلة التاريخية على الفضل العظيم الذي يسديه المترجم إلى الجنس البشري قاطبة. كثير من المؤلفات الطبية والعلمية الأصيلة التي آلفها عظماء مؤلفي اليونان قد ضاعت، ولكن كثيرا من هذه المؤلفات المفقودة لا تزال موجودة في ترجمتها العربية، وهذا من حسن حظ العالم بأجمعه. ويمكننا أن نذكر من كبار مترجمي العرب أبا يحيى ابن البطريق، وهو من أول من ترجموا من اليونانية، وثابت بن قرة، ولكن أشهرهم جميعا هو بلا شك حنين بن اسحق، الذي كان يلقب بشيخ المترجمين. ومما يدل على علو مكانة الترجمة في العصر العباسي الأول إن حنينا كان يعطى له راتب شهري سخي، وإسن الخليفة المأمون كان يعطيه زنة كتبه المترجمة ذهبا. ومن الترجمات التي أنقذت من الفناء نصا مفقودا كتاب ابن المقفع (كليلة ودمنة)، الذي كان اصله باللغة السنسكريتية، والكتاب العربي مترجم من ترجمة فارسية للكتا السنسكريتي، وكلا الكتابين السنسكريتي والفارسي قد ضاعا، حتى صارت الترجمة العربية أصل جميع الترجمات الموجودة ألان للكتاب في كل لغات الدنيا. ومما يدل على الأثر العظيم الذي كان لهذا الكتاب انه كان أحد المصادر التي استمد منها الشاعر الفرنسي لافونتين قصصه الخرافية عن الحيوان.
ولقد كان للترجمة اثر عظيم في النهضة الحديثة للأدب العربي، ومحمد علي نفسه قد أدرك ضرورة القيام بترجمة الكتب العلمية الفنية من اللغات الأوربية فأسس مدرسة للترجمة وجعل مديرها الكاتب القدير رفاعة الطهطاوي، وقد عرفت فيما بعد بمدرسة الألسن. وقد قام رفاعة نفسه بترجمة عدد كبير من الكتب الجدية من اللغة الفرنسية في التاريخ والجغرافية والفلك والقانون وغيرها من الموضوعات. وكان محمد علي هو الذي بدا إرسال البعوث إلى أوربا، ويقال انه عند رجوع الطلبة إلى مصر كان كل منهم يعطى كتابا في الموضوع الذي درسه ويحبس في القلعة ثلاثة اشهر حتى يترجم الكتاب إلى اللغة التركية. ثم تطبع هذه الكتب وتستعمل في المدارس. فإذا جئنا إلى الأجيال الأخيرة تسارعت إلى أذهاننا أسماء رجال كثيرين خدموا الأدب العربي اجل خدمة بترجماتهم. فمما لاشك فيه إن من اعظم الآثار على الأدب العربي الحديث الأثر الذي تركه المنفلوطي، والجزء الأكبر من مؤلفاته ترجمة أو كتابة ألهمها الأدب الغربي. ولقد بلغ من شعوره بحاجة الأدب العربي إلى دم جديد انه على الرغم من عدم معرفته باللغات الأوربية تكبد مشقة العثور على رجال يعرفونها وطلب إليهم أن يترجموا له الكتب الأوربية ثم يقوم هو بصوغها في قالب عربي حر. حقا أن الكتاب المعاصرين قد أمطروا المنفلوطي بسهام نقدهم المر، وهو نقد لاشك في عدله، وبخاصة مقالة العقاد عن المنفلوطي، فكتابات المنفلوطي بها عيوب ونقائص كثيرة، ولكن على الرغم من هذا كله فإن أياديه على الأدب العربي الحديث يجب ألا يستهان بها. ومن المترجمين المعاصرين يمكننا أن نذكر أحمد حسن الزيات. مترجم (آلام فرتر)، والدكتور محمد عوض محمد، مترجم (فاوست) لجوته، ومحمد السباعي، الذي ترجم إلى العربية كثيرا من روايات ديكنز كما نظم بالعربية رباعيات الخيام، وحافظ إبراهيم الذي ترجم (البؤساء) لهيجو. ويلزمنا أن نذكر أيضا ترجمات احمد الصاوي في (مجلتي) والعمل الذي تقوم به اليوم لجنة التأليف والترجمة. إلا انه لا يزال أمام المترجم العربي كنوز زاخرة، وبخاصة إن القارئ العربي والكاتب العربي في يومنا هذا قد اخذ يزيد اهتمامهما بالقوالب الأدبية الرائجة الآن في الغرب كالرواية والقصة القصيرة.
هذا واحب أن أكرر أن الترجمة ليست عملا آليا بحال، وأنها ليست مجرد وضع كلمة محل كلمة؛ بل هي فن، وهو فن، لا يزال في المهد صبيا. ولقد ظهر حديثا في بلادنا عدة كتب تدور على فن الترجمة. وسأقتبس من أحد هذه الكتب القطعة الآتية التي تبين أهمية هذا الفن: (لاشيء يتحرك بدون ترجمة؛ فالتجربة الإنسانية تتضمنها عبارات ثلاث: العواطف، وطرق التأدية، والفكر. فالعواطف (مثل الخوف الخ. .) لا تتغير طبيعتها، أما الفكر وطرق التأدية فتتغير. فإذا حدث تغيير في الفكر أو طرق التأدية فلن يقدر له الشيوع والانتقال بغير الترجمة، لأنه لكي يشيع يجب أن ينتقل من أمة إلى أمة، أي من لغة إلى لغة.)
إن العالم الحديث يدرك الآن إن الأمم، كالأفراد، يجب إن تتعاون إذا أرادت الظفر بالسعادة والسلام والرخاء. كذلك شأن الأدب. الأدب كالتجارة، يجب أن يكون في حركة مستمرة، يجب أن يكون فيه على الدوام دخل وخرج، أخذ بين الأمم المختلفة. فالذي يقوم بوظيفة المتاجر في هذه المعاملات الحيوية هو المترجم.
(عن مجلة الأدب والفن الإنكليزية)
د. جونسون دافيز