انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 661/أبي. . . .!

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 661/أبي. . . .!

ملاحظات: بتاريخ: 04 - 03 - 1946



للأستاذ أحمد عبد المجيد الغزالي

راحل! يا ضلالَ هذا الوجود ... هو باق في خاطري ونشيدي

ومن الرحلة البعيدة لقيا ... بين روحين فوق دنيا القيود

هامتا بعد فرقة الجسد الفاني ... إلى غير فرقة أو شرود

تنثران الأشواق همساً ونجوى ... وتعيشان في ادّكار العهود

السرار الخفي يسري بسمعي ... سريان الحنين بين العود

يا أبي. . . شاهت الحياة بعيني ... والجديد البهيج غير جديد!

الق لي الحكمة الكبيرة واملأ ... مِسمعي من يقينها المنشود

قد عبرت الحياة من شاطئ دانِ ... إلى شاطئ قريب بعيد

واجتليت الأسرارَ في حلَك الدنيا ... بهاد من فطرة التوحيد

عشقت روحك الرياضة والسَّبْح ... بواد لا ينتهي لحدود

أنت أطلقتها فهامت بسرّ ... أدركته على رماد الشهيد

ما انطلاق الأرواح؟ ما هجعة الجسم؟ وقد قرَّ فوق هذا الصعيد

ما انطفاء الحياةِ حين ُتوّلى؟ ... ما حياة الأرواح فوق اللحود؟

ما اللقاء الكبير في الجدث الضيق؟ ... ما السر بين تلك السدود؟

ما ارتياد المجهول من سبل الغيب؟ ... أنمشي لغاية أم نودى

طالما قلتَ لي تحدثُ عنها ... وتعيد الحديث للمستعيد

كاشفاً عن صفاءٍ حقائق الكون دقتَّ ... وتابّت على اللجوج العنيد

ترسل القولةَ الصريحة لله ... وما عن رضائه من محيد

صادراً عن صفاءِ نفس تسامت ... وتعالت عن الهوى والحقود

عشقت عالم السماء وباعت ... عالمَ الأرض بإرضاء الحميد

عشت لم تدخر سوى العمل الصالح ... لله لا لجاه العبيد!

لهف نفسي، وقد ضمت وليدي ... قائلا: ذاك طارفي وتليدي!

واثباً حوله تناغيه فرحان ... فيهتز هِزَّة الأملود وتغنيه في ضجيج وشدو ... ناسياً عنده وقار الجدود!

من له بعد رحلة لك طالت ... فيناديه صائحاً: يا حفيدي؟!

لكأني به يسائلني الآ - ن وتلك الدموع سؤل الوليد

حين يلقى بنظرة لي حيرى ... ويجيل العينين بين الشهود

دافق الدمع في صراخ كئيب ... ذقت منه مرارة التسهيد

يرسل النظرة الأسيفة ولهى ... تتندّى في طرفه المكدود

موحش شافه حنوُّ عطوفٍ ... ما جفاه في يقظة وهجود

حينما يشتكي تهده شكوا - هـ ليغفو في صدرك المجهود

فإذا نام كنت أحلى رؤاه ... أي حلم يرف فيها سعيد؟!

جلَّ فيك العزاء يا والدي البر ... وآه من يومك المشهود!

شئت أن ترتقي لربك في الفجر ... مع النور هادياً في الصعود!

سمةُ المؤمنين، يسعى سناهم ... بين أيديهم بدار الخلود

وُعَد المتقون جنة عدن ... فتمتع بظلها الممدود

وانهل السَّلسَل النمير رحيقاً ... شعشعوها في حوضها المورود

يا أخي والعزاء منك جميل ... ما لجرح القصيد غير القصيد

مسحت ادمعي دموعك تنثا ... ل عقوداً؛ اكرم بها من عقود

نثروها فوق الضريح وروداً ... فتندى بدمع تلك الورود

يا بن أمي. . . .

للمرحوم أبي القاسم الشابي

خلقت طليقا كطيف النسيم ... وحراً كنور الضحى في سماه

تغرد كالطير أين اندفعت ... وتشدو بما شاء وحي الإله

وتمرح بين ورود الصباح ... وتنعم بالنور أنى تراه

وتمشي كما شئت بين المروج ... وتقطف ورد الربى أنى تراه

كذا صاغك الله يا ابن الوجود ... وإلقتك في الكون هذي الحياء فما لك ترضى بذل القيود ... وتحنى لمن كبلوك الجباه

وتسكت في النفس صوت الحيا ... ة القوى إذا ما تغنى صداه

وتطبق أجفانك الناعسا ... ت عن الفجر والفجر عذب ضياه

وتفتح بالعيش بين الكهوف ... فأين النشيد؟ وأين الأباة؟!

نمشي نشيد السماء الجميل؟ ... أترهب نور السما في فضاه؟!

لا انهض وسر في سبيل الحياة ... فمن نام لم تنتظره الحياه

ولا تخشى مما وراء القلاع ... فما ثم إلا الضحى في صباه

ولا ربيع الوجود النضير ... يطرز بالورد ضافي رداه

ولا أريج زهور الصباح ... ورف الأشعة بين المياه

ولا حمام المروج الأنيق ... يغرد مندفعاً في غناه

إلى النور! فالنور عذب جميل ... إلى النور! فالنور ظل الإله!

شفتاها. .!

للأستاذ أحمد أحمد العجمي

كلما قبَّلتُ فاها ... أسكرتني شفتاها

وهما كأسان من صَهْ - باءَ لا أسلو هواها

صَبَّها باخوسُ في فيـ - ها وكوبيدُ احتساها

فغدا باخوس رباَ ... وكيوبيد إلها

شفتاها غنُوَتا نج ... وى لعشَّاق صباها

اسمعُ الأنغامَ بالأذ ... ن وبالعين أراها

أي لحن ذلك اللح ... ن الذي قبَّل فاها؟!

شفتاها منهل الأش ... واق للصب المشوق

وشعاعان من الشم ... س زهتْ وقتَ الشروق

وهما عاشقةٌ ما ... لت على صدر عشيق

مَن رأي جمرة نارٍ ... فوق قوسٍ من عقيق؟ أو رأي الورد زها واخ ... ضلَّ في كأس رحيق؟

تنهلُ الأنظارُ منها ... رِيَّها وهو صداها!

ويودُّ الثَّغر لو كا ... ن محيَّاها شفاها!

فما ذاك الفم الور ... ديُّ ريُ وعبير

شفتاه من صفاء النَّ ... فس ورح وضمير

وهما من رقة الإح ... ساس شعر وشعور

ومحياها هو الجن ... ةُ والثغر سعير

وهي الحسناء من خفَ ... تها كادت تطى!

أنا أهواها وتهوا ... ني ولن أهوى سواها

شفَّها الوجد ولكن ... شفتاها. . . شفتاها!!