انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 658/في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 658/في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب

مجلة الرسالة - العدد 658
في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب
ملاحظات: بتاريخ: 11 - 02 - 1946



لأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي

- 26 -

ج6 ص210: قال أبو حيان: قال الصاحب بن عباد لأبي واقد الكرابيسي:

يا هذا، ما مذهبك؟ قال مذهبي أن لا أقر على الضيم، ولا أنام على الهون، ولا أعطي صمتي لمن لم يكن ولي نعمتي، ولم تصل عصمته بعصمتي. قال: هذا مذهب حسن، ومن ذا الذي يأتي الضيم طائعاً، ويركب الهون سامعاً؟ ولكن ما نحلتك التي تنصرها؟ قال: نحلتي مطوية في صدري، لا أتقرب بها إلى مخلوق، ولا أنادي عليها في سوق، ولا أعرضها على شاك، ولا أجادل فيها المؤمن. قال فما تقول في القرآن؟ قال: ما أقول في كلام رب العالمين الذي يعجز عنه الخلق إذا أرادوا الاطلاع على غيبه، وبحثوا عن خافي سره وعجائب حكمته، فكيف إذا حاولوا مقابلته بمثله، وليس له مثل مظنون فضلاً عن مثل متيقن. فقال له أبن عباد: صدقت. ولكن أمخلوق أم غير مخلوق؟ فقال: إن كان مخلوقاً كما يزعم خصمك فما يضرك، فقال: يا هذا، أبهذا تناظر في دين الله، وتقوم على عبادة الله؟

قلت: ضبطت (الهون) في (لا أنام على الهون) (ويركب الهون سامعاً) بالفتح وإنما هي بالضم. في الصحاح: الهون بالضم الهوان، وفي الكشاف في تفسير (أيمسكه على هون أم يدسه في التراب): على هون على هوان وذل، وقرئ على هوان. وقال في تفسير (اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق): الهون الهوان الشديد، وإضافة العذاب إليه كقولك: رجل سوء، يريد العراقة في الهوان والتمكن فيه.

و (الهون) بالفتح: السكينة والوقار كما في الصحاح. وفي الكشاف في تفسير (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما): الهون الرفق واللين.

(ولا أعطي صمتي لمن لم يكن ولي نعمتي) هي (ولا أعطي عصمتي) أي قيادي وزمامي. في التاج: قال محمد بن نشوان الحميري في (ضياء الحلوم): أصل العصمة السبب والحبل. وفي اللسان أصل العصمة الحبل وكل ما أمسك شيئاً فقد عصمه.

(إن كان مخلوقاً كما يزعم خصمك) هي (إن كان غير مخلوقكما يزعم خصمك) لأن (القدم) قول خصمه و (الخلق) قول الصاحب ومن تمذهب بمذهبه. وفيه يقول أبو محمد الخازن في إحدى قصائده:

أرى الأقاليم قد ألقت مقالدها ... إليه مستبقات أي إلقاء

فنساس سبقتها منه بأربعة ... أمر ونهي وتثبيت وإمضاء

كذاك (توحيده) ألوى بأربعة ... كفر وجبر وتشبيه وإرجاء

(والمعتزلة - كما في رشح المواقف - لقبوا أنفسهم بأصحاب العدل والتوحيد وذلك لقولهم بوجوب الأصلح ونفي الصفات القديمة يعني أنهم قالوا: يجب على الله ما هو الأصلح لعباده ويجب أيضاً ثواب المطيع فهو لا يخل بما هو واجب عليه أصلاً، وجعلوا هذا عدلاً، وقالوا أيضاً بنفي الصفات الحقيقية القديمة القائمة بذاته تعالى احترازاً عن إثبات قدماء متعددة وجعلوا هذا توحيداً).

في (الفرق بين الفرق): (وكلهم (أي فرق المعتزلة) يزعمون أن كلام الله عز وجل حادث، وأكثرهم يسمون كلامه مخلوقاً).

في (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين): (قالت المعتزلة والخوارج وأكثر الزيدية والمرجئة وكثير من الرافضة إن القرآن كلام الله سبحانه وإنه مخلوق الله لم يكن ثم كان. . . وحكى عن ابن الماجشون أن نصف القرآن مخلوق، ونصفه غير مخلوق، وحكى محمد بن شجاع أن فرقة قالت: إن القرآن هو الخالق، وإن فرقة قالت هو بعضه، وأن فرقة قالت: إن الله بعض القرآن وذهب إلى أنه مسمى فيه، فلما كان اسم الله في القرآن، والاسم هو المسمى كان الله في القرآن).

قلت: روى ياقوت في معجم البلدان عن كتاب لمسعر بن مهلهل في ذكر ما شاهده في بلاد الترك والصين والهند أن (تعرف يالبغراج لهم أسبلة بغير لحى يعملون بالسلاح عملاً حسناً فرساناً ورجالة، ولهم ملك عظيم الشأن يذكر أنه علوي وأنه من ولد يحيى بن زيد، وعنده مصحف مذهب، على ظهره أبيات شعر رثى بها زيد، وهم يعبدون ذلك المصحف.

والزمخشري يقول في ديباجة الكشاف: (الحمد لله الذي أنزل القرآن كلاماً مؤلفاً منظماً، ونزله بحسب المصالح منجماً وجعله بالتحميد مفتتحاً وبالاستعادة مختماً، وأوحاه على قسمين متشابهين ومحكماً، وفصله سوراً آيات، وميز بينهن بفصول وغايات. وما هي إلا صفات مبتدأ مبتدع، وسمات منشأ مخترع. فسبحان من استأثر بالأولية والقدم، ووسم كل شيء سواه بالحدوث عن العدم).

قال السيد الجرجاني في حاشيته: (يروى أنه وقع في أم النسخ (نسخ الكشاف) خلق مكان أنزل ثم غيره المصنف لأن كون القرآن حادثاً أمر شنيع عند الخصم فأراد أن يكتمه أولا ثم أن يظهره بعد سوق مقدمات مسلمة عنده، ومستلزمة للحدوث في نفس الأمر، فإن ذلك أقوى في استدراجه إلى التسليم من حيث لا يشعر به).

وشاعرنا البحتري كان قوله في القرآن يدور مع الدول. . . قال الإمام المرزباني في كتابه (الموشح):

أخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله الكجي قال: قلت للبحتري: ويحك! أتقول في قصيدتك التي مدحت بها أبا سميد (أأفاق صب هوى فأفيقا):

يرمون خالقهم بأقبح فعلهم ... ويحرقون كلامه المخلوقا

أصرت قدرياً معتزلياً؟ فقال لي: كان هذا ديني في أيام الواثق، ثم نزعت عنه في أيام المتوكل. فقلت له: يا أبا عبادة، هذا دين سوء يدور مع الدول. . .

قلت: في تعريفات الجرجاني: القدرية هم الذين يزعمون أن كل عبد خالق لفعله ولا يرون الكفر والمعاصي بتقدير الله.

وفي (شرح المقاصد): اتفقت المعتزلة ومن تابعهم من أهل الزيغ على أن العباد موجدون لأفعالهم مخترعون لها بقدرهم، واجترأ المتأخر ون فسموا العبد خالقاً على الحقيقة.

ج19ص39: وقال ابن شرف القيرواني في وصف وادي عذراء بمدينة برجة من أعمال المُريَّة.

رياض غلائلها سندس ... توشت معاطفها بالزهر

مدامعها فوق خط الربا ... لها نظرة فتنت من نظر

وكل مكان بها جنة ... وكل طريق إليها سفر

وجاء في شرح (سفره وأسفره أضاء، فلعله يريد أن الطريق إليها مشرق، فإن هذا مناسب للشطر قبله وللمدح.

قلت: (المرية) بفتح الميم وكسر الراء مخففة كما ضبط ياقوت، وقد أورد مقطوعة في (معجم البلدان) لابن حداد يقول فيها:

أخفي اشتياقي وما اطويه من أسف ... على المرية والأنفاس تظهره

وصدر البيت الثاني (مدامعها فوق خدي ربا) وعجز البيت الثالث (وكل طريق إليها

سقر) أي وعر صعب.

في النفح: وبمدينة برجة (وهي من أعمال المرية) معدن الرصاص، وهي على واد مبهج يعرف بوادي عذراء، وهو محدق بالأزهار والأشجار، وتسمى برجة بهجة لبهجة منظرها، وفيها يقول أبو الفضل بن شرف القيرواني: (رياض تعشقها سندس)