انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 657/بنلوب. . .!

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 657/بنلوب. . .!

ملاحظات: بتاريخ: 04 - 02 - 1946



أسطورة تمثيلية غنائية

للشاعر عبد الرحمن الخميس

الراوي: اطرحْ قيودَ الحاضر ... واحلمْ بعصرٍ غابرِ

واصنعْ جناحَ توهمٍ وخيالِ ... واعبرْ إلى الماضي ذرى الأجيالِ

طرْ نحو عهدٍ في الزمان سحيق ... واشهدْ (أثيكا) درةَ الإغريق

تلك المدينةَ جلَّ من أنشاها ... انظرْ إليها ودّعتْ مولاها

هرعت يزين جموعها أوديسيوس ... مَلكٌ تخر إذا أرادَ له النفوسْ

لي نداء الحرب والأوطانِ ... متدرعا ببطولة الشجعانِ

هذي أثيكا نسوةً وصغارا ... وقفتْ تودع جيشها الجبارا

اسمع وداعَ الأهل للفرسانِ ... من كل معتنقين يفترقان!

كورس: حاربوا المعتدينْ ... بالسلاح اليقينْ

وارجعوا ظافرينْ ... للحمى. . . والربوعْ

يا شباب الجهادْ ... يا حماة البلاد

اغمروا كل واد ... بالدما. . . والدموعْ

ليس بعد الحروبْ ... غير لقيا الحبيب

وشفاء القلوبْ ... وارتياح الضلوعْ!

حاربوا المعتدينْ ... بالسلاح اليقين

وارجعوا ظافرين ... للحمى. . . والربوع

الراوي: طوى الجيوش عباب ... من الزمانِ رهيبُ

وليس يُسمع عنها ... إذا سألتَ مجيبُ

وكلُّ ما قيلَ حدسٌ ... مما تودُّ القلوبُ

وأدبرتْ سنواتٌ ... ما عاد فيها غريبُ

وزوج أوديسيوسٍ ... جارت عليها الكروب

غام الأسى في سماها ... مسكينةٌ بِنِلوبُ أكلما جنْ ليلٌ ... أوهى قواها النحيبُ؟

وراقَ في ناظريْها ... خيالُه المحبوبُ؟!

يا شوقها إذ تنادي ... هـ والحنايا لهيبُ

في مخدعٍ ليس فيه ... سوى خُطاها دبيبُ

يا حزنها إذ تناجي ... هـ وهو لا يستجيبُ

بنلوب: أوديسيوس حبيبي ... طال الحنين إليكا!

ولم تَعُدْ. . . يا بلائي ... يا ويل روحيَ منكا!

أقمتُ في البُعد محرا ... باً للهوى والوفاءُ

ورحتُ أسجد فيه ... لذكريات هنائي

وليس يرحم مابي ... سوى الدجى والسكونِ

وطيفُكَ الحلو يغري ... بالسهد نورَ عيوني

كفّنتُ من أجل حبي ... باليأس زهر شبابي

وعشتُ أحرق نفسي ... ومهجتي في عذابي

الراوي: وفية أوردتْ صباها ... متالفَ الدمعِ والحنينِ

ودار باليأس حولها العم ... رُ شاكياً فاجعَ الأنينِ

ولم يَعُدْ ذاكرٌ سواها ... لزوجها الفارس الأمينِ

فهذه حولها (أثيكا) ... تضج باللهو والمجونِ

نسيانُ! يا طبّ كلِّ داءٍ! ... أبْعِدْهُ عن قلبها الحزينِ

وَضُمَّهُ مثلما ضمتَ الذي ... ن تاهوا مع السنين

وانفضْهُ من روحها وأغرق ... هـ في دجى سرك الكنينِ

أنتَ الذي تمنحُ الشقيَّي ... نَ كلَّ سلوى في كلِّ حينِ

وتمسحُ الهمَّ بالتأسِّى ... وبالأمانيِ وبالحنينِ!

صغرتَ والله عن أساها! ... وضقتَ عن شوقها الدفين!

نسيانُ! إني أراكَ أوهَى ... من حُبَّها الخالدِ المكينِ!

كم مرة أحرقتْ فؤاداً ... بنظرة غضة الجفونِ يشع من وجهها سني خا ... طفٌ من السحرِ والفتونِ

يضئ يغري القلوبَ بجثو ... لحسنها الرائع الحزينِ

كم راجح العقل تًيَّمَتْهُ ... فَصَيَّرَتْهُ إلى الجنون!

وكم أميرٍ مُدَاهِنٍ عط ... فها لدى قلبها الحصينِ

وطيفُ محبوبها مقيمٌ ... يُقْصِيه عن حرمة العرين

الأمير: وهبتكِ قلبي فلا تنبذيه ... وصونيه. . . إن غرامك فيهْ

ألا ترحمينَ له خفقةً ... تنادي فؤادك كي يحتويهْ

بحسنك يا ربَّتي أنقذيهْ ... وفي قبضةِ اليأسِ لا تتركيهْ

بنلوب: نأيتُ بروحي عن الحب

الأمير:. . . . . . . . . . . . . . . لا ... لقد ظلَم الحبُّ فيكِ الجمالْ

بنلوب: وأوشك يطفئ في ناظري ... بريقَ الشبابِ ونورَ الخيالْ

فما ترتجيه بحبيَ؟

الأمير:. . . . . . . . . . . . . . . . . . إني ... أراه يُنيلُ فؤادي المُحَالْ!

بنلوب: واهمٌ فيما تراهْ ... أنا أحيا لهواهْ

هو زوجي وحبيبي

الأمير:. . . . . . . . . . . . . . . . . . ... حلمٌ طاحت رُؤَاهْ

فخُذِي مني حليلاً ... وأخا عيش سواهْ

وارحمي حسنك أن تُذْ ... وِيهِ أحزانُ الحياةْ

بنلوب: مرحباً بالهم لو غا ... لَ شبابي فيِ نواهْ

حبه كعبة نفسي ... ودمي طولَ الحياة

وشجوني. . . ودموعي ... هي قربان الصلاة

الراوي: تنافسَ الأمراءُ ... في حبها كيف شاءوا

كلٌ غريقُ هواها ... وفي يديها النجاءُ

فليرحم العشاقَ ال ... مُتَيَّمِينَ الرجاءُ

لم يسمعوا صوتَ قلبٍ ... تغلي به البُرَحَاءُ وخيَّروها لتحظى ... بمن ترى وتشاءُ

لكنها والأسى أج ... رى دمعَها والوفاءُ

آلت بأن تنتقي مَنْ ... يكون فيه الكفاءُ

وأرجأت ذاك حتى ... لها يتمّ رجاءُ

تريد تنسجُ بُرْداً ... فليصبرِ الأمَراءُ!

عذرٌ تصير لها من ... هـ عصمةٌ ووقاءُ

تظل تعمل في الْبُرْ ... دِ والظلامُ دعاءُ

وحينما تنثر الفج ... رَ في الأعالي ذكاءُ

تحلُّ ما نسجته ... حتى يحينَ المساءُ

وهكذا ليس للبُرْ ... دِ والنسيج انتهاءُ

مَلَّ انتظارُ المحبي ... ن جمعَهم واستاءوا

مَنْ ذلك الفارسُ الفر ... دُ حوله لألاءُ؟

تفيض من مقلتيه ... عزيمةٌ وَمَضاءُ

يمشي فتعمر دنيا ... هُ فرحةٌ وضياءُ

يزهي بما قد حَباهُ الش ... بابُ والعلياءُ!!

الفارس: كواني لهيبُ الجوى فانطلقتُ ... ألوذ بظلك يا جنَّتي!!

بنلوب: وما أنا فاعلة يا أميري؟

الفارس:. . . . . . . . . . . . . . . . . . ... أعيدي بوصلك لي مهجتي

حرامٌ عليَّ نسيمُ الحياة ... إذ أنتِ لم تصبحي زوجتي

بنلوب: ولكنني لم أتم النسيج

الفارس:. . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وأشعلتِ يا أملي حرقتي

تعاليْ نذوق الهناء

بنلوب:. . . . . . . . . . . . دعوني ... ولا تحرمونيَ من شقوتي

الراوي: أكلما لاح عاشق با ... عدتْهُ مُرْبَدَّةَ الجبينِ؟

وكلما ضاَء بارقٌ أس ... دلتْ عليه من الدجونِ؟ واستعذبتْ وحدة الحزانى ... بلا أنيسٍ. . . ولا خدين!

واستسلمتْ للشجونِ حتى ... لم يبق منها سوى الشجونِ

وشبَّ في يأسِها (تليما ... كُ) صورةً من أبٍ أمينِ

وكلما أبصرْتهُ. . . ثارتْ ... لزوجها موجةُ الحنينِ

نما ولم يَدْرِ ما أبوه ... إلا على صفحةِ الظنونِ

منرفا: تليماك!! يا ولدي!

تليماك:. . . . . . . . . من أرى؟

منرفا:. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... منرفا تَشُقُّ عبابَ الظلامْ

تليماك: وتنفضُ عن مقلتيَّ الكرى؟

منرفا:. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وتسكبُ بين يديكَ السلامْ

تليماك: ومن أين جئتِ؟

منرفا:. . . . . . طويتُ إليكَ ... بساطَ السماءِ وَهوْلَ الجبالْ

تليماك: وماذا تريدين؟

منرفا:. . . . . . . . . . . . إني حملتُ ... لأحزانِ أمك آيَ الزوالْ

أبوك الذي شردتْهُ السنينُ

تليماك:. . . . . . . . . . . . . . . . . . ... أراهُ ولكنْ بعينِ الخيالْ

أما زالَ في حلقاتِ الحياةِ؟

نرفا:. . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وسوفَ يعودُ وفيرَ الشبابْ

تليماك: تباركتِ يا ليلتي!

منرفا:. . . . . . . . . قُل لأمَّ ... ك أوشك يذهب عنها العذابْ

الراوي: وطارت ربة الحكمة عنه وهو مذهول!!

أيكذبها؟ وكيف؟ وإن ما قالته تنزيلُ!

وهبّ إلى حمى بنلوب يطرح باقة البشرى

وزف الصبح أوديسيوس وهو الفرحة الكبرى

كورس: بنلوب يا أوفى النساءُ ... ضاءتْ حواليك السماءُ راح الأسى وأتى الهناءُ ... هذا أليفُ الروح جاءْ!

استقبلي طيرَ السلامْ ... واشتكي له ظلم الغرامْ

وأريه ما جرح الهيامْ ... وأريه ما فعل الوفاء

بنلوب يا أوفى النساء ... . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عبد الرحمن الخميس