مجلة الرسالة/العدد 656/في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب
مجلة الرسالة/العدد 656/في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب
للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي
- 24 -
ج14 ص 84: قال (علي بن عيسى الرّبَعي: أخرج إليََّ عضد الدولة بيده مجلداً بآدم مبطناً بديباج أخضر مذهباً مفصولاً بالذهب بخط أحسنَ، فيه شعر مدبّر وحسن ليس له معنى، فقال لي كيف ترى هذا الشعر؟ فقلت: شعر مدبّر والذي قال خرب البيت، مسود الوجه. ثم يمضي على ذلك زمان ودخلت إليه، فأومأ إلى خادم وقال له: أمض إلى مرقدنا وجئنا بشعرنا، فمضى وجاء بالمجلد بعينه، وهو هو، فأبلست، فقال: كيف تراه؟ وتلجلج لساني وربا في فمي فقلت: حسناً جيداً.
قلت: (بخط حسن أو محسّن).
(فيه شعرُ مدْبِر ليس له معنى) أو (شعرُ مُدْبِرُ)
(فقلت شعر مدبر والذي قاله خرب البيت).
ومدبر متأخر متخلف، والأدبار نقيض الإقبال وأدبر أمر القوم: ولى لفساد كما في اللسان.
ويظهر من خبر رواه أبو البركات الأنباري في (نزهة الالباء في طبقات الأدباء) ص415 أن الربعي كان يستعمل هذا الوصف - أعني مدبرا - لكل ضعيف متأخر في صناعته، قال:
كان (الربعي) مبتلى بقتل الكلاب، فيحكى أنه اجتمع هو وأبو الفتح بن جنى يمشيان في موضع، فاجتازا على باب خربة، فرأى فيها كلباً، فقال لأبن جني: قف على الباب، ودخل فلما رآه الكلب يريد أن يقتله هرب، ولم يقدر ابن جني على منعه، فقال له الربعي: ويلك يا ابن جني! مدبر في النحو، ومدبر في قتل الكلاب. . .
قلت: قول الربعي لأبن جني - وهو يداعبه - مدبر في النحو - طرفة الطرف، ويا ليت أنه قال مدبر في التصريف حتى يجئ كلامه أعجوبة. . .
في يتيمة الدهر للثعالبي:
كان (عضد الدولة) على ما مُكن له في الأرض، وجُعل إليه من أزمة البسط والقبض، وخُص به من رفعة الشأن، وأوتي من سعة السلطان يتفرغ الأدب، ويتشاغل بالكتب، ويؤثر مجالسة الأدباء على منادمة الأمراء، ويقول شعراً كثيراً يخرج منه ما هو من شرط هذا الكتاب من الملح والنكت.
في نزهة الألباء في طبقات الأدباء:
يحكى أن أبا علي (الفارسي) لما صنف كتاب (الإيضاح) لعضد الدولة وأتاه به، قال له عضد الدولة: هذا الذي صنفته يصلح للصبيان، فصنف له (التكملة) بعد ذلك. ولو صدر هذا الكلام من بعض أئمة النحويين لكان كبيراً فكيف من بعض الملوك؟
في وفيات الأعيان:
وهو (عضد الدولة) أول من خوطب بالملك في الإسلام، وأول من خطب له على المنابر ببغداد بعد الخليفة، وكان فاضلاً محباً للفضلاء مشاركاً في عدة فنون.
في شرح النهج لأبن أبي الحديد:
قال بعضهم دخلت على عضد الدولة فوجدت في وجهه ألف عين، وألف فم، وألف أذن. . .
في الإيجاز والإعجاز للثعالبي:
كان عضد الدولة يقول: الدنيا أضيق من أن تسع ملكين.
يقول أبو بكر الخوارزمي في عضد الدولة:
ختمت بك العجم الملوك وراجعت ... بك تاج ملكهم القديم المبهج
لم يفقدوا بك أردشير وإنما ... فقدوا نقيصة دينه المستسمج
وفيه يقول المتنبي:
أروض الناس من ترب وخوف ... وأرض أبي شجاع من أمان
تذم على اللصوص لكل تجر ... وتضمن للصوارم كل جان
إذا طلبت ودائعهم ثقاة ... دُفعن إلى المحاني والرعان
فباتت فوقهن بلا صحاب ... تصيح بمن يمر أما تراني؟!
رقاه كل أبيض مشرفي ... لكل أصم صل أفعوان
حمى أطراف فارس شمَّري ... يحض على التباقي بالتفاني
فلو طرحت قلوب العشق فيها ... لما خافت من الحدق الحسان دان له شرقها ومغربها ... ونفسه تستقل دنياها
تجمعت في فؤاده همم ... ملء فؤاد الزمان إحداها
فإن أتى حظها بأزمنة ... أوسع من ذا الزمان أبداها
في كتاب الفَرقْ بين الفِرَق:
. . . كان أبو شجاع فناخسرو بن بويه قد تأهب لقصد مصر وانتزاعها من أيدي الباطنية (يعني العبيديين) وكتب على أعلامه السود: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد خاتم النبيين، الطائع لله أمير المؤمنين، ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين. فلما أخرج مضاربه للخروج إلى مصر غافصه (فاجأه) الأجل فمضى لسبيله.
في كتاب تجارب الأمم لمسكويه:
وفي سنة 369 دبر عضد الدولة أن يقع بينه وبين الطائع لله وصلة بابنته الكبرى، ففعل ذلك، وعقد العقد بحضرة الطائع لله وبمشهد من أعيان الدولة والقضاة على صداق مائة ألف دينار، وبُنى الأمر فيه على أن يرزق ولداً ذكراً منها فيولي العهد، وتصير الخلافة في بيت بني بويه، ويصير الملك والخلافة مشتملين على الدولة الديلمية. . .!!!
قلت: وهذه الخلافة لم يبق لها قبل أن ينوي القوم سلبها إلا الاسم. قال البيروني في (الآثار الباقية عن القرون الخالية): إن الملك قد انتقل في آخر أيام المستكفي من آل العباس إلى آل بويه، والذي بقي في أيدي العباسيين إنما هو أمر ديني اعتقادي لا ملك دنيوي كما لرأس الجالوت عند اليهود من أمر الرئاسة الدينية من غير ملك ولا دولة، فالقائم من ولد العباس الآن إنما هو رئيس الإسلام. . .
ج12ص92:
تحبب أو تذرع أو تأبى ... فلا والله لا ازداد حبا
أخذت ببعض حبك كل قلبي ... فأن رمت المزيد فهات قلبا
وجاء في شرح (تأبى): كانت في الأصل تقيأ فأصلحناه إلى ما ذكر للمناسبة والألف للطلاق.
قلت: قال ابن خلكان في (وفيات الأعيان): أخبرني بعض الأفاضل بمدينة إربل في سنة (625) قال: كنت ببغداد في سنة (620) بالمدرسة النظامية فقعدت يوماً على بابها إلى جانب أبي الدر (ياقوت بن عبد الله الرومي الملقب مهذب الدين) ونحن نتذاكر الأدب إذ جاء شيخ ضعيف القوى والحال يتوكأ على عصا فجلس قريباً منا، فقال لي أبو الدر: أتعرف هذا؛ فقلت: لا، فقال: هذا مملوك حيص بيص الذي يقول فيه:
تشربشْ أو تقمص أو تقبّا ... فلن تزداد عندي قط حبا
تملك بعض حبك كل قلبي ... فإن ترد الزيادة هات قلبا
فجعلت أنظر إليه، وأفكر فيما كان عليه، وما آل حاله إليه. قلت: (تشربش) لبس ثوباً ذا شرابيش. في التاج: الشربش كجعفر: هدب الثوب جمعه شرابيش.
في (المعرب) للجوا ليقي: القباء قال بعضهم هو فارسي معرب، وقيل: هو عربي، واشتقاقه من القبو وهو الجمع والضم. وفي التاج: قال القاضي المعافى: هو (القباء) من ملابس الأعاجم في الأغلب، ومن قال إنه عربي فأما لما فيه من الاجتماع، وإما لجمعه وضمه إياه عند لبسه ج أقبية، وقبّى الثوب: جعل منه قباء وتقبّاه لبسه.
في الفائق: كعب رحمه الله تعالى: أول من لبس القباء سليمان ابن داود (عليهما السلام) فكان إذا أدخل رأسه الثياب كنصت الشياطين أي حركت أنوفها استهزاء به، يقال: كنص فلان في وجه صاحبه.