انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 656/بعد الحرب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 656/بعد الحرب

ملاحظات: بتاريخ: 28 - 01 - 1946



للأستاذ كمال النجمي

لمن أربع يشجو القلوب دثورها ... تحمل أهلوها وأقوت قصورها

منازل كم باتت بأمن وغبطة ... ونازٍلها غافي العيون قريرها

تحيّفها الموت الوحٍي فأصبحت ... بلاقع تهتاج الدموعَ قبورها

نعم درست من حسنها كل لمحة ... إذا ذكرتها النفس هٍيج ضميرها

ولولا يد للحرب ما غيل أمنها ... ولا باعد السَُمَّار منها سرورها

سلوا: أين أوربا وما شاد أهلها ... وأين مجاليها الفساح ودورها؟

وأين رياض أثَّ منهن كرمها ... وأين دنان طاب فيها عصيرها؟

وأين صباياها الملاح سوافرا؟ ... وهل حبَّب الأقمار إلا سفورها؟

معاهدُ فيها للقلوب منازه ... أضاءت لياليها الحسان بدورها

لسرعان ما جال الردى فأدالها ... كأن لم يكن ريَّ القلوب حبورها

سلوا غائل الأرباع لو يُسأل الردى ... ألم تجن موتاً إذ زهاها غرورها

تملكها زهو القويَّ فأوفضت ... جوارح تغتال اليمام صقورها

فأين ليوث يتقي الدهر بأسها ... إذا ما دأت هز السماك زئيرها

تباهي بها الجرمان حتى تبددت ... حزائق أسرى لا يُعدُّ غفيرها

وما العاشقون الحرب إلا عصابة ... إذا مُكٍّنتْ في الأرض فاضت شرورها

وليس الذي يستبعد الخلق بطشه ... بناج إذا ما غيظ يوماً شعورها

فهل مُبلغ عنا بني مصر عصبة ... حموا أمماً أن تُستباح ثغورها

بأنا وقد كنا لهم خيرُ مسعد ... إذ الحادثات الدهم طمّ نكيرها

نذكٍّرهم والحرب أُخمد وقدها ... بما قطعوا والحرب ذاكٍ سعيرها

بذلنا لهم أمناً ومالاً وأنفساً ... يجل عن الحصر القليل وفيرها

ولما دجا ليل الخطوب وأشرقت ... قناتهمُ أن يُستلان عسيرها

مددنا لهم راح المعونة بَرَّةً ... تعاضدهم حتى انجلى قمطريرها

وإن وردت أجنادهم حوض وقعة ... فنحن لها خلف الخطوط ظهيره منحناهم من قوتنا ونفوسنا ... فهم أمة جازت ونحن جسورها

ولم تنس مصر دورها إذ تقوضت ... وغيل بها ولدانُ مصرَ وحورها

تعاورها (الأعداء) بضعة أشهرٍ ... ولم تك إلا الدهر طولا شهورها

طوائرُ تجتاز السماء مغيرةً ... ألا شد ما راع النفوس مغيرها

إذا زأرت هبَّ الرقود كأنما ... دعاهم إلى يوم القيامة صورها

أصابت رجالاً آمنين وروّعت ... صغاراً وشيخاناً يجل وقورها

إذا قوضت من لندن بعض دورها ... على الرغم مما زاد عنها نسورها

ففي مصر أمثال لذاك عديدة ... إذا أُنصفت لا يُستقل كثيرها

ولما سطا (روميلُ) سطوة ظافر ... وبان من المهواة حيناً شفيرها

وقفنا لهم دون الحوادث وقفة ... تغنت بها أقلامهم وصريرها

وكنا لهم أعوان صدق تحاشدوا ... على المحنة الكبرى فهان خطيرها

صبرنا لها حتى تبلج فجرها ... وأذَّن بالنصر المبين بشيرها

فيا حلفاء النيل أين مواثق ... منمقة ألفاظها وسطورها؟

صدحتهم بها فوق المنابر عذبة ... كما صدحت فوق الغصون طيورها

فكانت حداءً ساقنا عذبُ لحنه ... كقافلة تُحدى فتدأب عيرها

فهل حان تحقيق الذي قد قطعتمُ ... وآن لمصر أن يبين مصيرها؟

ولسنا وإن كنا السِّماحَ ضيافة ... سوى أُسدِ غيلٍ لا تُرام ظهورها

أنلقحها حرباً عواناً إذا انجلت ... عدانا ولم يعد الأباعد خيرها

وكيف يذيق النيل أولها لظى ... أليماً ويغتال الرجاَء أخيرها؟

على أننا نرجو اعتدال أمورنا ... وحق لمصر أن تصح أمورنا

بني مصر إن الأرض خيس ضياغم ... فهل أنتم مثل الضعاف جزورها

حييتم حياة المسنتين لتنصروا ... قضية قوم لا يُضام نصيرها

فها هي ذي أمنية النصر حققت ... وجلجل في سمع الوجود نضيرها

ولا أرىَ إلا أن تهبوا جماعةً ... فما صلحت دار تشظى عشيرها

لنا وطن حر نريد حياته ... كما حي عملاق الدنا وصغيرها وأنفس أحرار إذا سيمت الأذى ... رأى عسلا صابَ المنون غيورها.

وإنا وإن نيأس من الشيب إذ جروا ... لإحراز أسلاب يُذم حقيرها

لفينا شباب يعجب المجد فعلهم ... هم روح مصر في الحياة ونورها

فإيه بني مصر دعتكم بلادكم ... وما غيركم من جور عاد يجيرها

سراعاً صغار النيل لبوا نداءه ... فقد خذل الأوطان ضعفاً كبيرها

وما غيركم ينتاشها من عذابها ... ويطلقها من بعد ما ضاق نيرها

فكونوا لها جيش الخلاص فإنكم ... نفوس زكت حتى أضاء طهورها

بني مصر قد حان التفات لأخوة ... تبيت من البلوى بحرِّ صدورها

إذا العدل لم ينظم بني مصر كلهم ... فأقرب شيء أن يجوع فقيرها

عجبت، وهل في مصر إلا عجائب ... إذا خطرت في نفس حُر تثيرها؟

للصانعين الخبزَ واللبس كسرةٌ ... وخرقةُ جلباب تهاوت ستورها

وللنائمين المترفين نعيمها ... وآكلها موفورةً وحريرها

لهم بُر مصر طامعين وشُهدُها ... وللشعب منها فُومُها وشعيرها

ألا مصلح فينا فيدرأ ديمة ... إذا انبجست أعيا الجهود مطيرها

كمال النجمي