انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 645/في إرشاد الأديب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 645/في إرشاد الأديب

ملاحظات: بتاريخ: 12 - 11 - 1945



إلى معرفة الأديب

للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي

- 16 -

ج 2 ص 227: أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخصيب كان بليغاً مترسلا شاعراً أديباً متقدماً في صناعة البلاغة، وكان بينه وبين ابن المعتز مراسلات وجوابات عجيبة. وهو القائل:

خير الكلام قليلٌ ... على كثير دليلُ

والِعيُّ معنى قصيرٌ ... يحويه لفظ طويل

وللبليغ فضولٌ ... وللعيّ فضول

قلت:

خير الكلام قليلُ ... على كثير دليلٌ

وللبليغ فصولُ ... وللعي فضولُ

فالبيت الأول مقفى، والبيت الثالث مصرع، وليس البيتان بمصمتين.

ج 18 ص 238: ابن التعاويذي:

وعلام أشكو والعهود نقضنها ... بلحاظهن إذا لوين ديوني

هيهات ما للغيد في حب امرئ ... أرب وقد أربى على الخمسين

ومن البلية أن تكون مطالبي ... جدوى بخيل أو وفاء خؤون

ليت الضنين على المحب بوصله ... ألف السماحة عن صلاح الدين

قلت: (وعلام أشكو والدماء مطاحة بلحاظهن) كما روٌى في (الوفيات) في سيرة بطل المسلمين صلاح الدين. وقد يكون الأصل (والدماء مفاحة) وأفاح دمه هراقه كما في (اللسان). وتخلص ابن التعاويذي هو من التخلصات المنكرة وإن لم يبلغ في القبح ما بلغه قول شاعرنا المتنبي:

على الأمير يرى ذلي فيشفع لي ... إلى التي تركتني في الهوى مث قال ابن الأثير - وقد روى البيت في كتابه (المثل السائر): والإضراب عن مثل هذا التخلص خير من ذكره، وما ألقاه في هذه الهواة إلا أبو نؤاس فإنه قال:

سأشكو إلى الفضل بن يحيى بن خالد ... هواك لعل الفضل يجمع بيننا

وفي (معاهد التنصيص) هذا الخبر:

حدثت رابعة البرمكية قالت: كنت يوماً وأنا وصيفة على رأس مولاي الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي وبيدي مذبة أذب بها عنه، إذ استؤذن لمسلم بن الوليد الأنصاري، فأذن له، فلما دخل عليه أعظمه وأكرمه واستنشده، ثم خلع عليه وأجازه وانصرف، فما قلت إنه جاز الستر حتى استؤذن لأبي نؤاس، فامتنع من الإذن له حتى سأله بعض من كان في المجلس أن يأذن له ففعل على تكره منه، فلما دخل سلم عليه، فما علمت ولا أمره بالجلوس ولا رفع إليه رأسه، فلما طال عليه الوقوف قال: معي أبيات أفأنشدها؟ قال: افعل، وهو في غاية التكره والثقل، فأنشد إياها، فلما بلغ إلى قوله (سأشكو البيت) قطب وجهه، وقال: أمسك، عليك لعنة الله! اغرب، قبحك الله! وأمر بإخراجه محروماً فأخرج، والتفت الفضل إلى أنس بن أبي شيخ وقال: ما رأيت مثل هذا الرجل ولا أقل تمييزاً في كلامه منه. فقال أنس: إن اسمه كبير!

فقال: عند من ويلك؟ هل هو إلا عند سقاط مثله وخلق يشاكلونه. . .؟

ج 18 ص 156: قد خدمت سيف الدولة - تجاوز الله عن فرطاته - وأنا ابن تسع عشرة سنة.

وجاء في الشرح: الفرط: الظلم والاعتداء.

قلت: لا يقصد القائل - وهو الحاتمي اللغوي - بهذا الدعاء الظلم والاعتداء. في الأساس: وتقول: اللهم اغفر فرطاتي، ولا تؤاخذني بسقطاتي. وفيه: ولا يخلو أحد من سقطة، وفلان يتتبع السقطات ويعد الفرطات، والكامل من عدت سقطاته. وقد روى التاج هذا القول وقال: السقطة: العثرة والزلة.

ج 6 ص 214: قال (الصاحب بن عباد): ما أفظعني إلا شاب ورد علينا إلى أصبهان بغدادي، فقصدني فأذنت له، وكان عليه مرقعة وفي رجليه نعل طاقٌ، فنظرت إلى حاجبي، فقال له وهو يصعد إلى: اخلع نعلك، فقال: ولم؟ ولعلي أحتاج إليها بعد ساعة، فغلبني الضحك، وقلت: أتراه يريد أن يصفعني. .؟ وجاء في الشرح: يقال: أفظعه الأمر: اشتدت شناعته، وجاوز قدره، وأفظعه الأمر وجده فظيعاً. ويقال: نعل طاق عطف بعضه على بعض، وربما قيل طاق نعل، ومن إضافة الصفة إلى الموصوف قلت: (ما أقطعني) (وفي رجليه نعل مطرقة أو مطارقة) (أتراه يريد).

في التاج: ومن المجاز: قطع خصمه بالحجة. وفي الأساس: بالمحاجة غلبه بكته كأقطعه.

وفي الأساس: ونعل مطرقة ومطارقة: مخصوفة وكل خصفة طراق. وفي النهاية: طارق النعل إذا صيرها طاقا فوق طاق وركب بعضها فوق بعض. وفي حديث عمر: فلبست خفين مطارقين أي مطبقين واحداً فوق الآخر. وروى بعضهم المطرقة بتشديد الراء للتكثير، والأول أشهر.

ج 1 ص 157: الرجوع إلى الحق خير من التمادي عل الباطل.

قلت: (خير من التمادي في الباطل) في الأساس: وتمادي في الأمر: تماد فيه إلى الغاية. وفي اللسان: تمادى فلان في غيه إذا لج فيه وأطال مدى غيه أي غايته. وفي (الكشاف) في تفسير (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين)

فإن قلت: لم اختص بالذكر الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر؟ قلت: اختصاصهما بالذكر كشف عن إفراطهم في الخبث وتماديهم في الدعارة لأن القوم كانوا يهوداً، وإيمان اليهود بالله ليس بإيمان، وكذلك إيمانهم باليوم الآخر لأنهم يعتقدونه على خلاف صفته، فكان قولهم آمنا بالله وباليوم الآخر خبثاً مضاعفاً، وكفراً موجهاً لأن قو لهم هذا لو صدر عنهم لا على وجه النفاق، وعقيدتهم عقيدتهم، فهو كفر لا إيمان، فإذا قالوه على وجه النفاق خديعة للمسلمين واستهزاء بهم، وأروهم أنهم مثلهم في الإيمان الحقيقي كان خبثاً وكفراً إلى كفر.

ج 15 ص 196: وكتب (علي بن يوسف القفطي يعرف بالقاضي الأكرم) إلى القاضي الفاضل رقعة وضمنها البيت المشهور:

نميل إلى جوانبه كأنا ... إذا ملنا نميلٌ على أبينا

قلت: الرواية (نميل على جوانبه) وبعده:

نقلبه لنخبر حالتيه ... فنخبر منهما كرماً ولينا

والبيتان لأبي الجهم العَدوَى يقولهما في معاوية (رضى الله عنه) وقد رواهما ابن قتيبة في (عيون الأخبار) في (باب الحلم والغضب).

ج 1 ص 138: تنسم أعلى السماء. قلت: تسنم أعلى السماء. في التاج: تسنم الشيء تسنما وسنمه تسنيما علاه. وتنسم النسيم إذا تشممه كتنسم العليل والمخزون إياه فيجدان لذلك خفة وفرحاً.

ج 6 ص 15:. . . قد والله زانيته دفعات.

وفي الشرح: في الأصل زينته فأصلحتها إلى زانيته بمعنى نسبته إلى الزنا ويقال أزناه نسبه إلى الزنا.

قلت: الأصل صحيح وياقوت هنا ينقل من الأغاني واللفظة في كتاب أبي الفرج هي كما جاءت في (الإرشاد) في الأصل. وفي (الأغاني) هذا الخبر:

المدائني قال: قال عبد الله بن مسور الباهلي يوماً لأبي النضير وقد تحاورا في شيء: يا ابن اللخناء، أتكلمني ولو اشتريت عبداً بمئتي درهم وأعتقته لكان خيراً منك؟ فقال له أبو النضير: والله لو كنت ولد زنا لكنت خيرا من باهلة كلها. فغضب الباهلي، فقال له بشار: أنت منذ ساعة تزني أمه ولا يغضب، فلما كلمك كلمة واحدة لحقك هذا كله. فقال له: وأمه مثل أمي يا أبا معاذ؟ فضحك ثم قال: والله لو كانت أمك أم الكتاب ما كان بينكما من المصارمة هذا كله.

وقد أورد اللفظة كما قصد هنا الصحاح والأساس واللسان والتاج. وفي كتاب سيبويه ج 2 ص 235: فأما خطأته فإنما أردت سميته مخطئاً كما أنك حيث قلت فسقته وزنيته أي سميته بالزنا والفسق كما تقول: حييته أي استقبلته بحياك الله.

ج 14 ص 107: فدخلت عليه وهو جالس على كرسي ملوكي وعليه بغدادية مشهورة وعلى رأسه بطيخية.

وجاء في الشرح. يريد ثيابا بغدادية، والبطيخية قلنسوة على شكل البطيخة.

قلت: (بطيخية) في المصباح: قال ابن السكيت في باب ما هو مكسور الأول. وتقول هو البطيخ، والعامة تفتح الأول، وهو غلط لفقد فعيل بالفتح.

ج 13 ص 36: وله (لعلي بن حسن الباخرزي):

يروقك بشرا وهو جذلان مثلما ... تخاف شباه وهو غضبان محنق كذا السيف في أطرافه الموت كامن ... وفي متنه ضوء يروق ورونق

قلت: (وهو غضبان محنق) في الأساس: مالك مغيظا محنقاً. وفي السيرة لابن هشام وديوان الحماسة:

هل يسمعن النضر إن ناديته ... أم كيف يسمع ميت لا ينطق

أمحمدٌ ولأنت ضنء نجيبة ... في قومها والفحل فحل معرِقِ

ما كان ضرك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنَق

فالنظر أقرب من أسرت قرابة ... وأحقهم إن كان عتق يعتق

ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ... لله أرحام هناك تُشقق!

وهذه الأبيات من مقطوعة مصنوعة أوردها محمد بن إسحاق في (السيرة) وقال: (وَقالت قُتَيْلة بنت الحارث أخت النضر ابن الحارث تبكيه) وقد استجادها حبيب - وإنها والله لجيدة - فاختارها في (حماسته).

وابن اسحق هذا هو الذي يقول فيه ابن معين - كما جاء في ميزا الاعتدال ونقد الرجال -: (ما لابن اسحق عندي ذنب إلا ما قد حشا في السيرة من الأشياء المنكرة والأشعار المكذوبة) وجاء في الميزان: (قال أبو بكر بن الخطيب: روى أن ابن اسحق كان يدفع إلى شعراء وقته أخبار المغازي ويسألهم أن يقولوا فيها الأشعار ليلحقها بها) وقد ندد محمد بن سلاّم الجمحي في (طبقات الشعراء) بابن اسحق ونقل طعنه فيه السيوطي في (المزهر).

والنضر بن الحارث أسر في بدر وقتله على بن أبي طالب (رضى الله عنه) صَبرا عند رسول الله () بالصفراء وقيل بالأٌثيل. (وكان بن الحارث من شياطين قريش وممن كان يؤذي رسول الله وينصب له العداوة، وكان قد قدم الحيرة وتعلم أحاديث ملوك الفرس وأحاديث رستم واسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله () مجلساً فذكر فيه بالله وحذر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله خلفه في مجلسه إذا قام، ثم قال: أنا (والله) يا معشر قريش أحسن حديثاً منه، فهلم إلى، فأنا أحدثكم أحسن من حديثه ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسفنديار).

قال ابن هشام راوي خبر النضر:

(فيقال (والله اعلم) إن رسول () لما بلغه هذا الشعر قال: لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه).

قلت: إن الذي قيل هو من الأباطيل، فما عملت قتيلة في أخيها شعرا، ولم يقل النبي ما عزى إليه، وما كان النضر المحتشد المجتهد في هدم ذاك البناء الإسلامي الإنساني العربي حقيقياً بأن يمن ذلك الباني عليه.