انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 644/معلومات جغرافية عن:

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 644/معلومات جغرافية عن:

ملاحظات: بتاريخ: 05 - 11 - 1945



الحبشة

للأستاذ عمر رشدي

الإمبراطورية الحبشية القديمة:

تحتل الإمبراطورية الحبشية، فضلا عن الجزء الذي تحتله من حوض النيل، أودية الهواش والأدمو والجوبا وخور الجاش وخور بركة؛ وحوض النيل قوي الصلة ببلاد الحبشة القديمة التي يسكنها الشعب الحبشي والتي تقع في الجزء الشمالي والشمالي الغربي من الهضبة، وهذا الجزء الذي يرتكز على أعالي النيل الأزرق والسوباط والعطبرة هو النواة التي تكونت حولها الإمبراطورية الحبشية القديمة وتبلغ مساحته400 , 000 كيلو متر مربع. ومثل معظم الأقطار الجبلية الأخرى تقسم الظاهرات التضاريسية هذا الجزء إلى وحدات سياسية مستقلة أمثال تيجري وجوجام وشوا وامهرا، وهذه هي الممالك الأربع الحبشية الرئيسية ويحكم كل منها رأس، وليس من السهل توحيد هذه الأقطار تحت سيادة ملك واحد كشأن الأقطار الجبلية عموما.

الحروب والرفيق وأثرهما في اختلاط الشعوب:

هذا القطر الجبلي قد أصبح إلى حد ما ملجأ للعناصر المختلفة، ولذلك نجد به صفات ثقافية وجنسية متعددة. وعلى الرغم من أن بلاداً جبلية كالحبشة تساعد على أن تحتفظ الوحدات الجنسية المختلفة بميزاتها الثقافية وصفاتها الجنسية، فان هناك عوامل خاصة دعت إلى الاختلاط والامتزاج من أهمها الحروب الكثيرة وتجارة الرقيق التي كانت منتشرة في الحبشة إلى وقت قريب جداً على نطاق واسع حتى أن الفرد لم يكن يحسب لدينه حسابا بقدر ما يحسب له إذا ما كان رقيقاً أو حراً. لهذا نجد الصفات الجنسية الخليطة بين الزنجية والقوقازية هي الصفات الغالبة في الحبشة إذا تمثل نحواً من 70 % من السكان، وهناك حوالي 15 % من السكان من الزنوج الصرف كقبائل ال شنجلة (بمعنى العبيد) التي توجد في الجزء الجنوبي والجنوبي الغربي من الحبشة. هذا بالإضافة إلى الجماعات النيلوتية الموجودة في غمبيلا من الأتراك ثم هناك حوالي 15 % من السك التي تغلب فيهم الصفات الجنسية القوقازية، وهذه توجد في الجنوب والشرق والشمالي الشرقي. والصفات الجنسية الغالبة هي القامة المتوسطة والشعر المجعد واللون الأسمر القاتم والشفاه المعتدلة.

الهجرة السامية:

الهجرة السامية التي صبغت البلاد الحبشية بالصبغة السامية التي تتصف بها هضبة الآن، قد دخلت البلاد قبل الميلاد بعدة قرون (حوالي القرن الخامس) فقد سمع أهل اليمن عن بلاد الحبشة وما فيها من خير وفير، وساعدهم تشابه بيئة الحبشة ببيئة بلادهم على عبور البحر الأحمر إليها واستيطان الجزء الشمالي منها، وكانت هذه القبائل التي هاجرت من بلاد العرب الجنوبية تعرف باسم (حبشات) ولذلك أطلق على هذا الجزء الشمالي من الحبشة اسمها، ومن ثم عمر العرب هذه التسمية فأطلقوها على البلاد كلها الواقعة بين خطي عرض 4، 15 شمالا.

اللغة الحبشية:

كانت الجماعات اليمنية التي هاجرت إلى هذه البلاد لا تتكلم بلهجة واحدة بل بلهجات متعددة، وكانت اللغة التي تتكلم بها تعرف باسم (الغيز) التي لا تزال لغة المعابد هناك، ولغة الغيز لا تستعمل الآن ولكن لهجات إقليم تيجري قريبة منها. أما اللغة السائدة الآن فهي اللغة الأمهرية وهي لغة سامية اختلطت بها بعض الألفاظ الحامية وتكتب بحروف تشبه الحروف اليمنية التي تكتب بها لغة اليمن والتي هي لغة حمير، واللغة الأمهرية هي لغة التعامل والتخاطب، ولا يزال هناك شعب الأمهرة الذي يحتل الجزء الواقع في شرق بحيرة تانا وإلى الجنوب الشرقي منها وعاصمتهم أديس أبابا.

الديانة الحبشية:

كما أن بلاد الحبشة كانت ملتقى العناصر المختلفة من حامية وسامية فهي كذلك البقعة التي اجتمعت فيها شتى الديانات من مسيحية ويهودية وإسلامية فضلا عن الوثنية. وقد كان الدين السائد فيها هو الدين اليهودي الذي جاء من اليمن التي كان يسودها هذا الدين قبل انتشار الإسلام، ولا يزال إلى الآن في الحبشة جماعات تدين بالدين اليهودي وتعرف باسم (الغلاشة) ويسكنون إقليم سيمين الجبلي، وإذا نظرنا إلى بيئتهم الجبلية المنعزلة استطعنا أن نفسر بقاءهم إلى وقتنا هذا بعيدين عن المؤثرات المسيحية التي سادت معظم تلك البلاد. ومن بين العشرة ملايين نسمة التي يتكون منها الشعب الحبشي نجد نحوا من ثلاثة ملايين يدينون بالمسيحية التي أدخلها المبشرون إلى البلاد في القرن الرابع الميلادي وأصبحت دين الأسرة الحاكمة الرسمي سنة 350م عندما اعتنقها الملك (عزانا)، أما البقية الباقية من السكان فكثرتها تدين بالإسلام ولا يقل معتنقوه عن خمسة ملايين نسمة.

وعلى الرغم من ظهور الإسلام ونفوذه في الحبشة وقربه منها فقد ظلت الحبشة ملجأ للدين المسيحي وسط الوثنيين والمسلمين واليهود، فتاريخ المسيحية هناك عبارة عن سلسلة متصلة الحلقات من الكفاح لتثبيت قدمها ومقاومة انتشار الإسلام. وفي الواقع يصطبغ هؤلاء المسيحيون بالوثنية القديمة أكثر منها بالمسيحية، ويتمثل هذا في بعض عاداتهم مثل تعدد الزوجات، واكل اللحم النيئ، ومع أن مسيحيتهم سطحية فإننا نجد حوالي ربع سكانهم من الرهبان، والديانة السائدة في الحبشة هي الديانة الأرثوذكسية.

الصلات بين اليمن والحبشة:

كانت هذه الصلات قوية في أوائل العهد المسيحي وفي القرن السابق له مباشرة، والدماء الحبشية متأثرة تأثرا كبيرا بدماء سكان بلاد اليمن القدماء. ومما يدل على وجود هذه العلاقة بين الأحباش والساميين تلك الأسطورة الحبشية القديمة التي تتصل عناصرها بقصة من قصص الكتاب المقدس والقرآن الكريم وهي قصة ملكة سبأ وسليمان، فالأسطورة الحبشية تتحدث عن تنين عظيم كان يحكم البلاد قرونا طويلة وكان على جانب عظيم من البشاعة والشراهة إذ كان يفترس يومياً عددا كبيرا من الأبقار والثيران والماعز والظان إلى جانب ما يقدم إليه من العذارى حتى ضاق السكان به ذرعا فلجأ إلى شخص اشتهر بالقوة ليقتل التنين ويتولى الملك ففعل، وأنجب ابنة هي التي عرفت في التاريخ باسم ملكة سبأ، ودخلت في حرم سليمان وقد وضعت ولدا أطلقت عليه أسم سليا بن سليمان هو المعروف في التاريخ الحبشي باسم (منليك الأول) الذي أسس الأسرة السليمانية التي جلست على عرش الحبشة من سنة 95 ق. م إلى سنة 1855م.

شعوب الحبشة: يتكون مكان الحبشة من شعوب مختلفة، لا تختلف فيما بينها في الجنس فحسب، وإنما تختلف أيضاً في اللغة وفي الشكل وفي العادات وفي الدين. ويطلق خطأ على كتلة هذه الشعوب اسم (الأحباش) فهؤلاء لا يمثلون في الواقع إلا جزءا من هذه الشعوب يبلغ ثلث عدد سكان الحبشة الذي يتراوح بين 8 , 12 مليون نسمة على أرجح التقديرات. ويحتل الأحباش مقاطعتي تيجري والأمهرة وشمال مقاطعة جوجام وجزءا من وسط مقاطعة شوا، وتشمل هذه المقاطعات أكثر من ثلث مساحة الإقليم. ويتكون الجزء الأكبر من بقية السكان من فروع مختلفة من شعب الجلا العظيم الذي أخذ يغزو الإقليم منذ بدء القرن السادس عشر الميلادي واحتل جزاء كبيرا منه.

وتنتشر على طول الحافة الشرقية تلك القبائل المسلمة المعروفة باسم الدناقل والإيشا والصوماليين، وأخيراً توجد في الجنوب الشرقي قبائل أوغادن. وتعيش على هامش هذه القبائل الرئيسية السابقة وفي ثناياها أخلاط غريبة من الشعوب التي تميزها صفات خاصة، ولعل أكثر هذه الشعوب غرابة هي الغلاشة اليهودية التي تحتل خاصة منطقة جبال سيمين شمال بحيرة تانا، ثم الجوارج التي تعيش في المنطقة التي تحمل هذا الاسم في جنوب شرقي أديس أبابا.

الأحباس:

الأحباش شعب محارب وهم على استعداد دائم للحرب، إذا يحمل كل رجل منهم بندقية باستمرار. وهم شعب فخور باستقلاله الذي تمتع به قرونا طويلة، فخور بدينه الذي احتفظ به خلال ألف وخمسمائة عام، فقد ظلت الحبشة أربعة عشر قرنا، وهي أرض المسيحية في وسط هذه البحار من الوثنية. ومن صفاتهم المعيبة غلظتهم وقسوتهم الشديدة وسيما على الحيوان. ويحيط بالحاكم أو الرئيس أعداد كبيرة من الجند، وهؤلاء في العادة كسالى ولا نفع لهم. ولا تعني الطبقات الفقيرة بالأخلاق، فالخمور منتشرة والأمراض الخبيثة تفتك بهم فضلا عن أمراض الجذام والعمى، ولعل ذلك يرجع إلى كثرة الذباب الذي ينقل جراثيم هذه الأمراض، وإذا شعر الحبشي بالمرض يدب في جسمه أيقن بأن نهايته قد دنت وفقد كل أمل في الشفاه.

الجالا:

مجموعة الجالا هي أكثر المجموعات الجنسية عددا في الحبشة وهي تسكن مساحات واسعة قد انتشروا عليها عندما لجئوا إلى هذه البلاد في أوائل القرن السادس عشر الميلادي. ويبدو مع ذلك أنهم جنس مميز حامي الأصل قد تفرع الآن إلى فروع مختلفة على الرغم من أنهم يتكلمون لغة واحدة وأنهم قد جاءوا - حسب ما يعتقدون - (عبر المياه) أي عبر البحر الأحمر أو ما هو أكثر احتمالا عبر بحيرات أفريقيا الاستوائية الكبرى، ولكن هذه المسألة لم تبحث بحثا وافيا. وهناك رأى يقول إنهم قد جاءوا من بلاد العرب في زمن بعيد مضى مخترقين أفريقية الشرقية البريطانية ومهاجرين إلى الجنوب الغربي إلى البحيرات الكبرى ومن هناك يمموا شطر الحبشة شمالا مخترقين بورانا وعندما جاءوا من الهضبة الوسطى استقروا في المناطق الجنوبية والغربية وبعضهم استقر على الحدود الشرقية بين الحبشة وصحراء آثار.

والجلا رعاة يحبون الحرب وفيهم صفاتها، وقد خضعوا أخيرا للإمبراطور منليك وذلك لكثرة ما أمده به الفرنسيون من الأسلحة ومن ذلك الحين لم تجد هذه القبائل وسيلة لإشباع هذه الطبيعة في نفسها إلا في مقاتلة بعضها البعض الآخر، أو في شن الغارات على جيرانها، ولكنهم مع ذلك لا يحتكون مع الأوربيين أو مع غيرهم من الأجانب. والجلا عموما أكثر سوادا من الأحباش وأقل تقدما. وكلما بعدنا عن العاصمة بدت وحشيتهم التي تتمثل فتشاهد في هيأتهم وعاداتهم خصوصا بين الجماعات الوثنية. وتجد في إقليم جيلي أقذر جماعة رأتها العين من الجلا، فالسواد يغشي وجوههم وملابسهم وماشيتهم أيضا، ويتخذون بيوتا أكواخا حقيرة محاطة بزريبة صغيرة حيث تساق إليها الماشية ليلا لحمايتها. ورائحة هذا المكان وقذارته لا يمكن أن توصف، ويبدو أن الشمس تعمل كمطهر لهذا الأمكنة، ولهذا السبب على ما يظن لا تصيبهم الأمراض على قدر ما يحيط بهم من الأوساخ والأقذار. وجماعات الجلا التي تسكن أقليم شوا أقل توحشا، فان تدينهم بالمسيحية جعلهم يفقدون العادات الوثنية القديمة، كما أن اقترابهم من أديس أبابا جعلهم يتصلون بالأحباش الغازين بطريق الزواج والاختلاط.

والجلا يلبسون ملابس بسيطة فيضع الرجال قطعة من الجلد على أكتافهم أو يلتفون بقطعة من القماش القطنية، أما النساء فيلبسن رداء من الجلد مكوناً من قطعتين إحداهما أشبه (بالجونلة) والأخرى توضع على الأكتاف، ويحلون بالأساور والعقود والخواتم المصنوعة من النحاس أو الحديد أو العاج. ويظهر أنهم يأكلون أي شيء تقع عليه أيديهم، ويعتمدون في غذائهم على ما يصيدونه من الحيوانات البحرية، ويستعملون في صيدهم للأسماك قوارب عجيبة لا تطفو فوق الماء بل تغطس تحته وبذلك يظل السمك طازجاً.

وللجلا طريقة عجيبة في جمع هدايا الزواج، فعندما يرغب شاب في الزواج يقوم والده بتوزيع بعض الهدايا كالماعز بين أقاربه لينال رضاهم، وتأخذ المسألة هذا النحو عندما تكون العروس المنتخبة لم تزل في المهد صبية، وعندما تبلغ الثلاثة عشرة أو الرابعة عشرة يحدد يوم الزفاف ويذهب والد العروس إلى أصدقائه جميعاً لينتقي الهدايا، ثم يعود إلى بيته ويصف للخادم هذه الحيوانات التي انتقاها ثم يكلفه بالذهاب لجمعها، ويندر أن يخطئ الخادم في معرفة هذه الحيوانات فان ذاكرتهم قوية جداً. وعندما يتسلمها الأب يرسلها مع الفتاة كنوع من الصداق، وهو يعلم تماما عند انتقائه لهذه الهدايا أنه سيجيء اليوم الذي يجمع فيه هؤلاء الأصدقاء هدايا لبناتهم ولذلك يختار هذه الهدايا بحذر. وإذا ما هربت امرأة من منزل زوجها وأنجبت من رجل آخر مولوداً ذكراً فان لزوجها الحق في أن يعتبر هذا الولد ابناً له وكثيراً ما يحدث ذلك.

بعض عادات الأحباش:

هناك عادات كثيرة للأحباش تجعلهم يختلفون تماما عن معظم شعوب أفريقيا، فعلى الرغم من أنهم يدينون بالديانة التي أدخلها اليهود الأول إلا أن كرههم لليهود ظاهرة تستحق النظر، ولعل ذلك الكره ناشئ عن تلك الحروب التي استمرت خلال الفترة بين القرنين الرابع والعاشر بين هؤلاء الذين تحولوا حديثا إلى الدين المسيحي وبين هؤلاء الذين ظلوا يهودا. ومن عادات المهاجرين الأول من الأحباش عادة قطع اللحم وأكله من الحيوان وهو حي، ويصف لنا (بردس) حادثتان من هذا النوع أولاهما: أن جنودا قادوا بقرة إلى مكان خال حيث أوثقوها وقطعوا منها قطعة من اللحم ثم وضعوا على الجرح بعض الطين، وأما الثانية فقد كانت في وليمة حيث أحضرت فيها بقرة حية أخذ الضيوف يقطعون من لحمها ويأكلون إلى أن ماتت بعد وقت ليس بالقصير، ولكن أهل البلاد الآن ينفون حدوث مثل ذلك.

والأحباش لا يدخنون على الرغم من أن الدخان ينمو بطبيعته هناك، وقد كان الإمبراطور (يوحنا) يعاقب الذين يدخنون بقطع شفاههم، ولعل هذا المنع جاء نتيجة لاعتقادهم بأن هذه العادة هي عادة إسلامية، ولكل منهم زوجة واحدة لفترة ما ثم يعقبها زوجات أخر واحدة فواحدة. والطلاق هناك سهل وكثير، وإذ ما طلقت المرأة مراراً رغب الرجال في الزواج منها لكثرة ما تملكه. وللمرأة الحق في تطليق زوجها بنفس السهولة التي يطلق بها الرجل المرأة. والنساء هناك لا يشتغلن بعمل ما فلا يحملن الماء ولا يغسلن ولا يصلحن من ملابس أزواجهن ولا يطهين. ونساء الطبقة العليا لا يخرجن إلا نادرا وإذا خرجن خرجن محجبات على ظهور البغال ويصحبهن حارس يسير إلى جوارهن.

عمر رشدي

ليسانسييه في العلوم الجغرافية