انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 640/في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 640/في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب

مجلة الرسالة - العدد 640
في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب
ملاحظات: بتاريخ: 08 - 10 - 1945



للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي

- 12 -

  • ج 16 ص 198:

وإذا بلوتُ طباعه ... فالماء يشرب وهو عَذْب

وقصارى وصفي أنه ... فيما أحب كما أحبْ

قلت: (فالماء يشرب وهو عذب) ليكون الضرب مرفلاً، لأن الضرب في البيت الثاني لا يجئ بالسكون - إن فرض أن (أحب وأحب) ماضيان - إلا من الصحيح، فيختلف الضربان. والفعلان إنما هما هنا مضارعان: (فيما أحب كم أحب) فالشاعر يصف حال صاحبه كما يراها هو، ولا يقصد ما يشاكل معنى القائل (كأنك قد خلقت كما تشاء).

و (قصارى) في البيت هي (قصار) لأجل الوزن، واللفظتان بمعنى واحد، ومثلهما (قصرك وقصيراك). وقد جاءت (قصار) في كلام مأثور مشهور مظلم النسبة.

قال الزمخشري في شرح مقاماته: ومن توقيعات عبد الله بن ظاهر فيما سمعته من أبي: (غرك عزك، فصار قصار ذلك ذلك، فأخش فاحش فعلك، فلعلك بهذا تهدأ).

وقال ابن خلكان في الوفيات: كتب إلى عضد الدولة أبو منصور أفتكين التركي متولي دمشق كتاباً مضمونه أن الشام قد صفا وصار في يدي، وزال عنه حكم صاحب مصر، وأن قويتني بالأموال والعدد حاربت القوم في مستقرهم. فكتب عضد الدولة جوابه هذه الكلمات وهي متشابه في الخط لا تقرأ إلا بعد الشكل والنقط والضبط وهي (غرك الخ) ولقد أبدع فيها كل الإبداع.

وفي (التاج): وروي عن علي (رضي الله عنه) أنه كتب إلى معاوية: (غرك الخ) وهي رسالة تصحيفية غريبة في بابها.

  • ج 1 ص 46: وأطوف على مصنف فيهم يشفي العليل، ويداوي لوعة الغليل.

قلت: عندي أن الأصل: (يشفي العليل، ويروي الغليل) أو يروي غلة الغليل.

والغليل العطشان، والغليل حرارة العطش مثل الغلة. في اللسان: الغل والغلة والغلل والغليل كله شدة العطش قل أو كثر. رجل مغلول وغليل ومغتل بين الغلة.

  • ج 1 ص 48:. . . والإخباريين.

قلت: والإخباريين في التاج: والأخباري المؤرخ نسب اللفظ الأخبار كالأنصاري والأنماطي وشبههما.

  • ج 12 ص 77:

وذاك آخر عهد من أخيك إذا ... ما المرء ضمَّنَهُ اللحدَ الخناشير

(الواحد خنشير والجمع الخناشير، ويقال الخناشرة وهم اللذين يتبعون الجنازة.

قلت: الخناسير بالسين. في التاج في (خسر وخنسر): الحناسير ضعاف الناس وصغارها، قال شيخنا: ووقع في شعر حريث بن جبلة العذري: (وذاك آخر عهد البيت) قال أبو حاتم: الخناسير الذين يشيعون الجنازة، ونقله البغدادي في شرح شواهد المغنى.

وفي اللسان: خناسر الناس صغارهم والخنسر اللئيم. ولم يذكر في (خشر) إلا الخاشرة والخشار: السفلة من الناس.

وبيت (الخناسير) هو في أبيات رواها ياقوت في (الإرشاد) وروى الحريري ستة منها في (الدرة) وذكرا قصة لها:

قال عبيد بن شرية: مررت ذات يوم بقوم يدفنون ميتاً لهم، فلما انتهيت إليهم اغرورقت عيناي بالدموع فتمثلت بقول الشاعر:

وبينما المرء في الأحياء مغتبط ... إذا صار في الرمسن تعفوه الأعاصير

يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحي مسرور

فقال لي رجل: أتعرف من يقول هذا الشعر؟ قلت: لا.

قال: إن قائله هذا الذي دفناه الساعة، وأنت الغريب الذي يبكي عليه، ولست تعرفه. وهذا الذي سار عن قبره هو أمس الناس رحماً به وأسرهم بموته. . .

  • ج 1 ص 48: وكنت مع ذلك أقول للنفس مماطلاً وللهمة مناضلاً: رب غيث غب البارقة، ومغيث تحت الخافقة.

وجاء في الشرح: الخافقة واحد الخوافق، وخوافق السماء: مهب الرياح الأربع.

قلت: الخافقة هنا هي الرايات أو الأعلام. في الأساس: وخفق العلم، وأعلامه تخفق وتختفق. وفي اللسان: وتسمى الأعلام الخوافق والخافقات. والمغيث هنا هو المغيث وقت القتال.

والبارقة السحابة ذات برق، والبارقة السيوف على التشبيه بها لبياضها. وفي حديث عمار (رضي الله عنه) الجنة تحت البارقة أي تحت السيوف.

  • ج 1 ص 192: قال (جرير بن أحمد بن أبي دؤاد):

كان إبراهيم (بن العباس الصولي) أصدق الناس لأبي فعتب عليّ أبنه أبي الوليد في شيء، فقال فيه أحسن قول: ذمه فمدح أباه. وما أحسن هذا من جهة جرير!:

عفت مساو تبدت منك واضحةً ... على محاسن نقاها أبوك لكا

لئن تقدمت أبناء الكرام به ... فقد تقدم آباء الكرام بكا

قلت (ذمه ومدح آباه) أي جمع بين الأمرين.

و (عفت مساوئ تبدت منك، واضحة) برفع واضحة وإن جاز نصبها. وقد خفف مساوئ وقدر.

و (نقاها) هي (آبقاها) وعجز البيت الثاني هو (لقد تقدم آباء اللئام بكا) وهنا النكتة، وهنا الذم البليغ.

والقاضي أحمد بن آبي دؤاد هو الذي يقول حبيب فيه:

لقد أنست مساوئ كل دهر ... محاسن أحمد بن آبي دؤاد

ولما ذكر الصفدي في كتابه (الغيث الذي أنسجم في شرح لامية العجم) (الذين رزقوا السعادة في أشياء لم يأتي بعدهم من نالها) قال في أحمد: (القاضي أحمد بن أبي دؤاد في المروءة وحسن التقاضي).

وقال ابن خلكان في سيرته في كتابه: (كان معروف بالمروءة والعصبية) يعني العصبية العربية.

  • ج 14 ص 217:. . . فألب الأولياء على أبن عباد حتى كثر الشغب، وعظم الخطب. . .

قلت: (الشغب) بالتسكين لأجل الخطب. والمجانسة بين القرائن في السجع مطلوبة. والفتح لغة وليس بخطأ كما قال الحريري في (الدرة) وليس هو من كلام العامة كما ذكر أبن الأثير في النهاية.

  • ج 3 ص 131:. . . فقال (أبو العلاء) لي (للتبريزي) قم وكلمه، فقلت: حتى أتمم السياق فقال: قم وأنتظر لك.

وجاء في الشرح: السياق في الأصل: السيق:

قلت: في (الصبح المنبي عن حيثية المتنبي): (حتى أتمم السبق وأنا أنتظرك) وضبط اللفظة - كما جاءت في الصبح - الفضلاء الذين جمعوا وحققوا كتاب (تعريف القدماء بأبي العلاء) وقالوا في الشرح: السبق بالتحريك يراد به الدرس وهذه الكلمة لم ترد في المعاجم بهذا المعنى، وشاعت في الفارسية بمعنى الدرس نقلاً عن العربية

  • ج 13 ص 285: كان (علي بن عبد الله بن وصيف الناشئ) شيخاً طويلاً جسماً، عظيم الحلقة، عريض الألواح، موفر القوة، جهوري الصوت، عمر نيفا وتسعين سنة لم تضطرم أسنانه، ولا قلع سناً منها ولا من أضراسه. وكان يعمل الصفر ويخرمه، وله فيه صنعة. ومن عمله قنديل بالمشهد بمقابر قريش مربع غاية في حسنه.

وجاء في الشرح: (لم تضطرم) في الأصل تضطرب.

قلت: (الاضطرام) الاشتعال، و (الاضطراب) التحريك والاختلال، وهذا أقرب إلى المراد. وربما كان الأصل (لم تنفض أسنانه) ونفضت الثنية أو السن: تحركت واضطرت.

كان الناشئ ذا هزل ومجون في المناظرات وغيرها ومن مجونه - كما روى ياقوت - (حكايته المشهورة مع الأشعري الذي ناظره فصفعه فقال (الأشعري) ما هذا يا أبا الحسنين؟ فقال: هذا فعل الله بك، فلم تغضب مني؟ فقال: ما فعله غيرك، وهذا سوء أدب وخارج عن المناظرة. فقال: ناقضت. إن أقمت على مذهبك فهو من فعل الله، وإن انتقلت فخذ العوض. فانقطع المجلس بالضحك وصارت نادرة).

(قال عبيد الله الفقير إليه تعالى مؤلف هذا الكتاب: لو كان الأشعري ماهراً لقام إليه وصفعه أشد من تلك ثم يقول له: صدقت. تلك من فعل الله بي، وهذه من فعل الله بك فتصير النادرة عليه لا له).

-