مجلة الرسالة/العدد 631/عم يتساءلون؟
مجلة الرسالة/العدد 631/عم يتساءلون؟
للأستاذ أحمد رمزي
مشاكل العالم الجديد - حواجز اللون
في برقية من لندرة خبر سار يتلخص في أن بعض الجمعيات وجهت نداء قويا يدعو لإزالة حواجز اللون في المستعمرات، وفي ذلك بشرى للأمم المهيضة الجانب، المغلوبة على أمرها
وإنا معاشر المصريين، كأمة عربية، مهما قيل في أنسابها وأحسابها - نفرح ونتهلل لهذا النبأ إن صدق ما يدعون - نفرح لأننا من أنصار الحرية، ومن عشاق المساواة بين الأجناس، ونتهلل لأننا من دعاة الحق، ومن العاملين على نصرة الأمم المضطهدة، ورفع الحيف والظلم عنها
فنحن نعضد هذه الحركة، ونعدها من بشائر الدنيا القادمة، ونرى في نجاحها دعامة من دعائم إنشاء العالم الجديد، وندعو لها بالنجاح، ونصادق كل من يقول بها، ويكافح من أجلها، ويدعو بقلمه ولسانه إليها
لقد قرأنا الكثير مما كتب عن الشعوب الملونة، وضرورة إخضاعها لسلطان الأمم المتمدينة، وخلصنا بنتيجة هي أن تقسيم العالم وشعوبه إلى أبيض واسود وأسمر، وإقامة الحواجز بينها، وحرمان الإنسانية من مجهود بعض الشعوب، إنما هو من عمل الإنسان وحده، ولا شأن للقوانين الطبيعية فيه
وإن النظريات التي تدعو إلى وضع فريق من البشر، في وضع لا يليق بالإنسان، مقضي عليها بالفشل، لأنها من بقايا عصور قد انتهت. . .
ولا محل لها في العالم الجديد، الذي قيل عنه لنا، إنه يسير نحو الديمقراطية والتفاهم والتعاون، وإن الإنسانية تتقدم فيه نحو التساوي في إعطاء الفرص، للفرد وللجماعة بل وللشعوب، بدون نظر إلى جنس أو لون أو دين - فلا فضل لمسيحي على مسلم، ولا مزية لأوروبي على أسود
فهل سيقدر النجاح لهذه الدعوة الصالحة؟
هذا ما ستظهره الأيام في المستقبل، وإن شك الكثيرون في ذلك، وجاهروا بأن ظروف العالم وما يحيط بنا من دلائل، تجعل الشك أقوى من الأمل، ولكن المؤمنين بالمساواة يقولون بأن الظروف السائدة ليست بدائمة ولا هي أبدية، بل كل ما عليها يتحرك ويتطور: حتى إذا سلمنا بضعف أنصار الفكرة وقلتهم، وإذا تطرق الشك إلى قلوبنا وقلنا إن الملأ قد يجاهرون ويتظاهرون بما ليس في قلوبهم؛ فإن الفكرة في حد ذاتها سامية، ولها من حيويتها ومنطقها وقوة تأثيرها ما يجعلها من ألزم ضرورات هذا العصر، بل تحمل وحدها ما يهيئ لها النجاح. . .
ولقد دعا الإسلام إليها، وكانت إحدى دعائم القوى التي قام عليها، حينما كانت المثل العليا للإسلام ظاهرة واضحة ملموسة، لا يطمسها جمود رجال الدين وتشاغلهم بأمور الدنيا.
ولقد عجبت كيف يمر هذا الخبر على المسلمين فلا يتحرك منهم عالم أو كاتب أو مجاهد، فيقول فيه قولا يتفق مع تقاليد السلف الصالح وحميتهم - ومصر التي ورثت الشافعي وحملت أرضها طائفة من علماء الدين، كانت عزائمهم تهز الدنيا؟ لم لا نتكلم بما أنزل الله؟
أما نحن، فواجبنا فرض كفاية علينا أن نعطي فكرة سهلة، تثير في النفس رغبة الاستزادة في المعرفة والسعي وراء الحقيقة، وغايتنا أن نضع المتناقضات ملموسة أمام نظر القارئ الواعي، ولذلك نتساءل:
هل صحيح أن بعض الحكومات تفرض على ذوي اللون قيودا لا يحتملها الأوربي، فتضع فريقا من بني آدم في موضع المنبوذين؟
أحق ما يقال من أن في القارة الأفريقية ملايين من الناس محرومون من حق الملكية الفردي والإجماعي في أراضي بلادهم، وبعد مضي قرن ونصف على إعلان حقوق الإنسان؟
أصحيح أن حريات السكان الوطنيين ومساكنهم ومعابدهم لا يحميها القانون العام في بعض المستعمرات، فيحرمهم الحماية التي يتمتع بها بقية السكان؟
إذا كان هذا من المبالغة في القول كما يدعون، فهل الحرية الشخصية وما يتبعها من حرية التملك والعبادة والتعليم والثقافة وتعاطي المهن وحق الانتقال، أمور معترف بها للجميع في القوانين المعمول بها للبيض والسود والسمر على السواء؟ أم هناك تفاوت في المعاملة؟
هذه أسئلة عارضة يزيد من أهميتها ما أذيع أخيرا من أن في القارة الأفريقية مساحات شاسعة من الأراضي، منها ما هو خاضع للدول الأنجلوسكسونية، وما هو مملوك لدول أخرى، وأن المعاملة السيئة التي يلقاها سكان المستعمرات الأفريقية، أو التي تحت الانتداب لدى هذه الدول الأخرى، أثارت اشمئزاز رجال الاستعمار الأنجلوسكسوني وسخطهم، فهل هذا صحيح؟
إننا نتساءل عن هذا، وبقدر ما تزداد رغبتنا في التأكد، بقدر ما تنكشف لنا بعض الحقائق الكونية، وإلا فما هي هذه الحواجز التي تتحدث عن إزالتها تلك الجمعيات المحبة للخير والإنسانية؟
أيتها الشعوب الغالية التي سكرت بخمر انتصاراتها: اعلمي أن السلم العالمي لن يتحقق لغير العدالة، ولا عدالة مع بقاء حواجز اللون، وإلا فقد ذهبت سدى أرواح ثلاثين مليونا من ضحايا الحرب العالمية الثانية، أو كجزية أولى للحرب العالمية الثالثة!
أحمد رمزي
المراجع
1 -
2 -
3 -