مجلة الرسالة/العدد 631/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 631/البريد الأدبي
حول ترجمة كتاب:
نقل الأستاذ محمود محمود للعربية كتاب (وسائل وغايات) لألدوس هكسلي، وهو اختيار موفق وجهد مشكور، فالكتاب من أجل كتب الفكر والمؤلف في طليعة مفكري هذا العصر. ولكني لا أريد هنا أن أتكلم عن الكتاب نفسه ولا عن مؤلفه، وإنما يدعوني للكتابة أمر هام يتعلق بمبدأ من مبادئ الترجمة حقيق بالعناية والرعاية، خصوصا ونحن بصدد نهضة الترجمة آخذة بأسباب التعضيد والقوة والانتشار أعني بهذا المبدأ روح الأمانة التي ينبغي أن يأخذ المترجم بها نفسه متوخيا الدقة البالغة في نقل روح المؤلف وأفكاره كي يحسن التعريف بالمؤلف وكتابه ويعطي القارئ حقه من الثقافة والاحترام. هذا مبدأ هام لا يجوز أن يغيب لحظة واحدة عن انتباه المترجمين، فليس المترجم مطلق الحرية في التصرف فيما يترجم. حقا هو حر فيما يختار من المؤلفين والكتب كيفما تراءى له وجه الحق والفائدة، فإذا اختار فلا معدي له عن أداء الأمانة لأهلها وإلا صار عمله افتئاتا وتشويها وعبثا بالمؤلف والقارئ على السواء. خطر لي أن أقول هذا عندما قرأت ما كتبه الأستاذ محمود محمود في مقدمة كتابه إذ يقول: (. . . وقد عرضناه على القارئ العربي مسهبين حينا وموجزين أحيانا. وقد أوجزت بصفة خاصة في الفصول الأخيرة من الكتاب التي بحث فيها هكسلي المعتقدات والأخلاق لأنه كان فيها هداما أكثر منه منشئا). فعلمت محزونا إنه أباح لنفسه أن يوجز وأن يسهب، وأن يوجز بصفة خاصة في الفصول الأخيرة من الكتاب لأن المؤلف - على حد قوله - كان فيها هداما. عجبت أيما عجب وساءلت نفسي مغيظا محنقا إذا كان المؤلف هداما فكيف يتحايل المترجم لتقديمه للقراء منشئا أو شيئا بين المنشئ والهدام؟ إذا أراد الرجل أن يعلن نفسه للعالم هداما فكيف تدارى أنت صفته وتقدمه في صورة أخرى؟ هذا كما قلت عبث، وفيه روح استعلاء توهم المترجم بأن له حق الوصاية على القراء، فمتى يحق لجمهور القراء - وقراء مثل هذا الكتاب من المثقفين عادة - أن يطلعوا على الحقائق كما هي! وختام يعاملون معاملة الأغرار؟!
ويزيدني أسفا أن مؤلف الكتاب يقول في نهاية الفصل الأول (. . . ولذا فقد بدا لي من الضروري أن أختم كتابي هذا الذي أقترح فيه علاجا عمليا لأمراض المجتمع ببحث ف المبادئ الأساسية والمعتقدات. فالفصول الثلاثة الأخيرة قد تكون أكثر فصول الكتاب خطرا، بل إنها من ناحية عملية بحتة قد تكون أهم ما فيه). فترى من ذلك أن المترجم قد استباح التصرف في أخطر فصول الكتاب بحكم المؤلف نفسه، وأن ترجمته لم تعد بمغنية عن الأصل بحال، وأن تعبه يوشك أن يكون مجهودا قليل الثمر.
فماذا يقول بعد ذلك؟
كلمة واحدة. فأما ترجمة صادقة، أو لا ترجمة على الإطلاق. وليمحق عهد الوصاية إلى الأبد.
نجيب محفوظ
الترتيب التاريخي للزوميات المعري
كتب إلينا من بيروت الدكتور عمر فروخ رسالة مطولة حول هذا الموضوع يقول فيها:
طالعت المقالات التي كتبها الدكتور عبد الوهاب عزام عن لزوميات المعري وعن ترتيبها التاريخي في مجلة الرسالة الغراء، ولقد لفت نظري أمران.
أولهما - أن الدكتور عزام قال في آخر المقال الثالث: (هذا ما بدا لي في تاريخ اللزوميات وترتيبها، فمن بدا له ما يؤيد رأيي أو ينقضه، فليتفضل مشكورا بالإدلاء برأيه والإبانة عن حجته) ومعنى ذلك إنه أول من فعل ذلك
وثاني الأمرين - أنني وجدت شبها عظيما بل تطابقا بين الأسس التي اتخذها الدكتور عبد الوهاب عزام لترتيب اللزوميات وبين الأسس التي كنت قد استخرجتها ثم جعلتها أساسا لكتابي (حكيم المعرة) الذي صدر في بيروت في فبراير من عام 1944 أي منذ عام ونصف عام، وذلك لمناسبة مرور ألف عام على ولادة أبي العلاء المعري (363 - 1363 هـ)
في هذا الكتاب عنيت عناية بالغة بوضع أسس لترتيب اللزوميات، إذ أنني كنت أحاول حل قضية معقدة، هي ما ينسيه بعض الكتبة المتأدبين الذين يتعرضون لمعالجة الموضوعات الثقافية من التناقض إلى حكيم المعرة. وبعد تدبر هذه القضية بدا لي أن ذلك راجع إلى ترتيب اللزوميات على حروف الروى ليس الترتيب التاريخي لها مما بسطته في موضعه، وليس هذا موضعه. ولقد كانت دراستي كلها مبنية على هذه الفكرة الأساسية.
ثم ذكر الدكتور فروخ طريقته في ترتيب اللزوميات ترتيبا تاريخيا. . .
وخرج من ذلك إلى أن الدكتور عزام قد اطلع على كتابه الذي نشره منذ عام ونصف واستفاد من طريقته ونتيجته، ثم لم يشر إلى ذلك في بحثه، والقارئ المنصف لا يرى في ذلك التشابه مظنة للاختلاس أو الاقتباس، إذ ليس من البعيد أن يقع كاتبان في موضوع واحد على نتائج متشابهة إذا كان البحث قائما على الاستنباط والاستنتاج من نصوص واحدة. وترتيب اللزوميات ترتيبا تاريخيا يقتضي النظر في تتبع حوادث التاريخ وتحقيق أقوال الناظم، فلابد أن تتقارب النتائج ما دام النظر سليما، والبحث قويما، والغاية واحدة
عمر فروخ
حول (أصداء بعيدة)
قرأت في (الرسالة) كلمة عنيفة وجهها إلي صديقي الكاتب الأديب الأستاذ ثروت أباظة لمناسبة صدور ديواني الجديد (أصداء بعيدة)؛ ولست أدري ما الذي دفع صاحبنا إلى كتابة ما كتب ولا أود أن أقول (من الذي)، فأنا أثق في نزاهته واستقامة فطرته الأدبية
وفي ديواني مقال طويل عن فني في الهجاء وبراعتي في ذلك الفن، واستقامة الفكرة والتعبير بين يدي، وسهولة النظم وعذوبة العبارة مما أوشك أن يذهب بشعري كله مذهب السهل الممتنع
أتدري - أيها القارئ الكريم - من الذي كتب ذلك التمجيد؟ إنه ثروت أباظة بعينه. . .
قال صاحبنا: إن في الديوان إسفافا وسقوطا. . . ثم أخذ القارئ ليضرب له مثلا، مثلا على الإسفاف والسقوط. . . فماذا صنع، وعلى أي شيء وقع؟ وقع على الأبيات الآتية، وهي من قصيدة في الهجرة المحمدية:
فتح القفر روحه للصديق ... ين فأمسى باديه كالبستان
أُّيما ذرة من الرمل غنت ... ولكادت تهم بالطيران
حدثت أختها وفيها دبيب ... وهي نشوى بمقدم نشوان
وأول ما ألاحظه عليه أنه روى البيت الأخير خطأ فقال (بمقدم النسوان)، ولعل له غرضا في إيراده على تلك الصورة!
وثانيا: رواها وصمت. . . فلم يبين لنا مواضع الإسفاف الذي ادعاه، وإني أشكره أن هيأ لي فرصة بيان معنى هذه الأبيات
أقول: إن القفر الجديب تلقى الصديقين المهاجرين تلقي الشوق، ففتح لهما روحه، ونسمت عليهما منه نسمات لا تهب إلا من أعطر الرياض وأندى البساتين، فهما إذن في بستان معطار وليسا في بطائح ولا قفار. . . والرمل. . . إنه ابتهج بهذا المقدم السعيد، حتى لكأن ذرات الرمال أمست تغني فرحا بالضيفين العظيمين، واستولى على تلك الذرات شعور الفرح والغبطة، فكادت تطير!!
وتحدث الرمل، معجبا، مزهوا، بأن يكون موطئ قدم ذلك النبي العبقري وصاحبه، وأخذته نشوة بذلك المقدم النشوان!
أفهمت يا صاحبي ثروت ما وراء هذه الأبيات من معنى ضخم وخيال واسع؟!
وينصحني أخيرا بالتروي ليبرر ما كتب، ولعله لا يعلم أنني معجب غاية الإعجاب بموهبتي في سرعة النظم، وقد نص معالي والده الشاعر دسوقي باشا على إعجابه بهذه الموهبة في المقدمة القيمة التي كتبها لهذا الديوان عني كما شاركه هذا الإعجاب معالي الدكتور هيكل باشا، الذي تفضل فسطر هذا الإعجاب في تقديم لفني وشاعريتي إلى جمهور القارئين بالعربية في مصر وفي غير مصر كما يقول معاليه
هذه كلمة هادئة أرجو أن تنال من ضميره النزيه قبولا
(مصيف أبي قبر)
العوضي الوكيل