انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 62/على هامش اللزوميات

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 62/على هامش اللزوميات

ملاحظات: بتاريخ: 10 - 09 - 1934



إلى المعري

// لعل موتاً يريح الجسم من نصب ... إن العناء بهذا العيش مقترنُ

(المعري)

للشاعر التونسي محمد الحليوي

أبا العلاء، أحقّاً أنتَ في دَعةٍ ... من الُخطوب، وفي سِلمْ منَ الكُرب

هل في رُقاَدِك في بيتٍ تُقيم به ... على الغضاضة، ما أغْنَى عن النَّصب

وهل طريق الرّدى زهراءُ مونقَةٌ ... أم حفَّها الله بالوْيلات والحَرَب

وكيف كأسُ الرَّدى هل في ثمالتها ... خَمْرٌ، وهل شربها أشهى منَ الضَّرَب

وما رأيتَ وراء القَبْر من عمهٍ ... حارت عقُول الورى في سِره العَجَبِ

أبا العلاءِ، لقد حاولتَ مُجْتهداً ... فكَّ الرُّموز، وكشفَ السرَّ عن كَثَبِ

فما رأيتَ سوى طخياَء حالكةٍ ... وكنتَ تنظر خلف الباب من ثقب

واليومَ ها أنتَ لا بابٌ ولا حجبٌ ... فقل لنا مَا وراَء الباب والُحُجبِ

ما علة الكون. . . ما سرُّ الوجود، وما ... في هذه الأرض من صدقٍ ومن كذب

ما غايةُ الحيّ من دنيا يُقيم بها ... وما يُراد بها من عَيْشه اللَّجب

والموتُ ما هو. . . هل جسر نمرُّ به ... أم هُوَّ غايتنا من كلَّ ذا التَّعب!

هيَ الحقيقة تحكي ربةً ملكتْ ... عرش الأُلْمبِ على الأرْباَبِ والرسُلِ

وجرّبتْ سحرَهاَ في الأرْض فافتَتَنَتْ ... به الخليقةُ من فَسْلٍ ومن بَطل

خلفَ النّقاب بَدَتْ هَيْفَاَء ساحرةً ... تبادل الصبَّ أفناناً من الغزل

أهلُ الصَّبابة في الأشواقِ ما برحوا ... يَسْتَشْهدون ولا يحظَوْنَ بالقبَل

كم من قتيلٍ قَضى في حُبَّ ربّته ... وكم رماه الهوى بالحادث الَجلَلِ

لكنَّ رَّبتَهُ ظْمأى إلى دمه ... لا ترْتَوي الدهرَ من علٍ ومن نَهل

أبا العلاءِ، لقد راعتك نَضْرَتها ... فهمتَ مفتتناً في حبّها الأزلي

وعشتَ رهنَ العمى والحبس في شظفٍ ... تنهى لها كلَّ ما تأتيه من وقد مضيتَ وما أدْخلتَ هيكلَها ... ولا أحَلَّتْكَ يوماً قنةَ الجبل

وكَيْفَ! وهي التي في الدهر ما رفعتْ ... عنها النّقاب، ولم تُسْفرْ إلى رجل

كلٌّ مشوقٌ وكلٌ آملٌ ظفراً ... بوصل لَيْلَى، وكلٌّ خائبُ الأمل

يا ليتَ شِعْرِيَ هل تُخفي غلالتُها ... ملاحةً، أم حِمَى ليلى على دَخَل

أبا العلاء، وهل أجدَتْك موجدةٌ ... على الحياةِ وتجديفٌ على القدر

الكونُ ما زال مثل العَهْدِ مشكلةً ... وسرهُُ مُضمَرٌ في مُغْمَرِ العُصُر

والدهر يمشي. . فلا شكْواك تُوقفه ... ولا سبابك يثنيه عن الوطن

يمشي لِطِيِته والحيّ يتبعه ... يأتي على الكُرْه أو يأتي على قدَر

رحاهُ لا تنتهي في الدّهر ضجّتْها ... ولا تدورُ الرَّحى إلاّ على البشر

وما عَلِمْنا على التحقيق من خَبرٍ ... سوى القُصور على الإتيان بالخبَر

نمشي على الدَّرب في جَهْلٍ وفي عمةٍ ... والليل في حلك والدَّربُ في خطر

ما تطلعُ الشمس مصباحاً لترشدَنا ... كلا، ولكنّها رمْز على الَحَقر

والبدرُ يضحك في عليائه أبداً ... وكيف لا. . وهو يَلْقانا على سَخَر

وذا الفضاءُ كتابٌ نُصْبَ أعيُننا ... يُتْلَى فيلْقي علينا خالد العِبَر

يقول في كلِّ سطر من صحائفه: ... (أفٍ لكم ما لكم في الكَوْن من خطر)

ما أنتمُ في قضاء الله من أحدٍ ... سوى هباء على الأكَوْان منتَثَر

سَوْأي لكم يا هباءٌ هل ضجيجكُمُ ... ولعنةُ الأرض تثني الدَّهر عنْ سفر!

(تونس)

محمد الحليوي