انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 617/حنة غريب!!

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 617/حَنةُ غريب!!

ملاحظات: بتاريخ: 30 - 04 - 1945



للأديب محي الدين صابر

مضى الَرَّكبُ، يا قلبي، فأين حبائبي ... وأينَ مجالاتي؛ وأين مذاهبي؟

وأين الرَّبيعُ الحلُو؟ قد مات في يدي ... وصوَّح إلاّ صورةً في رغائبي

وأين العِشيَّات الرِّطابُ؟ عَبْرَننِي ... كما تعبرُ الصحراَء، غنوةُ راكب!

وأين غدي؟ إنِّي دفعتُ خيالَهُ ... على جدولٍ في منهل الغيب ساكبٍ!

ويومي؟ لقد كفَّنْتُه. . . في دمُوعه ... بوادٍ حزينِ الظلِّ سَأمانَ شاحب!

وعشتُ فضاءٌ ناعساً خلف ربوةٍ ... على سفحِها المحرومِ، أغفتْ ركائبي

ملالُ طريدٍ. . . أو سآمةُ مُدْلجٍ ... ويأسُ شَقّيٍ. . . أَو تثاؤب شارب!

فيا موكبَ الأحزانِ عطلتَ فرْحِتي ... وشرَّدْتَ أنغامي وأْضرعْتَ جانبي!

وأطلقتني في اللَّيل؛ كاللَّيل ذاهلاً ... حنيفاً. . . كأنِّي فيه دمعةُ راهب!

وأفردتْني كالنَّجْم حَيْرانَ ساهِراً ... كأني على دنياكَ. . . لَفْتَةُ هارب!

وأظمأَتِني حتى من الوهمِ. . . في دمي ... وكان كثيراً، كالحياةِ، مَشَاربي. . .

وأفقرتَنِي حتى المنَى. . . ما تزورني ... وكانت يدُ الأقدار تُسْنِى مَطالبي!

وأشقيتني يا ذلَّ روحي، على الذُّرى ... وضيعةَ أيَّامي؛ بوادي المصائب

تمرُّ بيَ الذكرى؛ فأجثو كأنني ... ضميرُ نبّيٍ. . . أوْ ضراعةُ تائبِ

فتنثر أفراحي، على حَرِّ مهجتي ... كما تنثرُ الأشواقَ دمْعةُ عاتب

أُحدِّثها كالطِّفْل حين تهزُّهُ. . . ... طرافةُ لهٍو، أو مجانةُ صاحب!

وأبكي كما يبكي الغريبُ قد الْتَقَى ... بسامره - بعد النوى - والحبائب!

واعذرُ دمعٍ. . . دمعةٌ كُرِّمتْ بها ... محاريبُ اشواقٍ - خلتْ - وملاعب!

أحسُّ حياتي في التراب صريعةً ... تساقَطُ من روحي، كأنفاس لاغب

وأغمضُ عَيْني أستعيدُ مباهجي ... وأخدعُ حِسِّي في الليالي الذَّواهب

لياليَ أشباهٌ حياتي. . . على الهوى ... فيومي ندىُّ الأُفْق. . . رطب الجوانب

وليلىَ أنغام، وخمرٌ وفتنةً ... وسُمَّار صدقٍ. . كالأماني الكواذب!

فعُدْنَ كأنَّ الكأسَ دمعٌ شربتُه ... وأنَّ صدى الألحان صرخةُ ناد على مهجتي، ماضٍ عدتْني ظلالُه ... وضار حصيداً بين فأسٍ وحاطب

حنينٌ كدَفْق الموج يسري بخاطري ... فمن نازعٍ منه عنيفٍ، وسارب!

وأصبحتُ كالطير الغريب مفزَّعاً ... على فننٍ باكي العشيَّات، ناحبِ

فيا منهلاً عذباً وردتُ على الصبا ... أنيقاً كوجهِ الرَّوض تحت السحائب!

سلامٌ على عهدي بواديكَ إنه ... هو الزَّاد، في عهد النوى. . . والنوائب

ويا غربتي نوحي عليَّ وطرِّبيِ ... كرجفةِ غابٍ في السَّوافي الحواصب

وهبِّي على عمري، وسوقي زمانهُ ... وذَرّيهِ في أفق، على السفح غارب

فلا خير في عُمْريْن، ذكرهما أسىً فمن بين مجهول، وآخرَ ذاهبِ

وحسبُك أن تأسى على ما عَرَفْتَهُ ... وتجْزَعَ من مُستحدث في العواقب