انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 611/في طريق الحياة. .

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 611/في طريق الحياة. .

ملاحظات: بتاريخ: 19 - 03 - 1945



للأستاذ عبد القادر القط

في طريقٍ مِن لَقي الأنضاء والصرعى صُواهْ

وفضاءِ لم تعانق أرضَه يوماً سَماه.

مُقَرعاً ترتجع الأبصارُ حسرَى عن مَداه.

أضرب الأرضَ طليحاً تحت أعباء الحياة

وشبابٍ لم يمتَّع بالشباب.

اغتدى في زحمة الأطماع مشدوه الرّجاءْ.

وأَرودُ الودَّ في دنيا من الود خلاء.

مفردَ القلب وللقلب حنينٌ واشتهَاء.

ظامئ الروح وللنبع بأسماعي غناء.

من وراء الغيب من خلف الحجاب.

اغتدى في مهمه الدنيا ومالي من رفيق.

غيرَ روح سادر النجوى وقلبٍ لا يفيق.

كلما أوغلتُ في القفر تراءت لي بروق.

وامضاتٌ بأمانيَّ كأطياف الشروق.

بعد ليلٍ مدلهْمٍ وضباب.

طالما أدركتُ أن البرق خلاّبٌ جَهام.

ورأيتُ القطرَ محبوساً بأطباق الغمام.

غير أني كلما راودَ أجفاني المنام.

قذفت بي ظامئاتٌ من رِغابي للأمام.

ولقد ينجي من اليأس السراب.

أتخطَّى الصخر لا عزماً ولكني أسير.

وعلى السائر أن يمضي وإن شقَّ العبور.

لم أعد أسأل ما الجدوّى ولا أين المص ما سؤالي؟ وفؤادُ القفر مسلوبُ الضمير.

ليس يصغي لسؤلٍ أو جواب.

في طريقي كم تراءت لي جنانٌ وادعات.

مثقَلاتُ الدَّوح بالأثمار شتى ناضجات.

يرفُل الظلُّ بها في مسرحٍ جَمِّ الشيات.

ويميس النهرُ في أعطافها رحبَ الجهات.

بين أفوافٍ وألفافٍ وغاب.

كم رأت عيني وكم قد حَنَّ للروضات قلبي.

فتركتُ الدربَ مهجوراً وخلتُ الروضَ دربي.

وهفتْ للعشب أقدامي وقال الجهدُ: حَسْبي.

ورفعتُ الكفَّ لله أقضْي حقَّ ربي.

من ثناء وصلاة ومتاب.

وإذا بالروض قد حفَّتْ به جندٌ عُتاه.

لم يبالوا حرمة الحمد ولا قدسَ الصلاه.

صاح منهم صائحٌ: ردُوّا عن الروض الجناه.

أَغريبٌ مِلكُنا المحبوبُ من بعض مُناه؟!

أشهروا البيض وهزوا للحراب!

فهوتْ من حضرةِ الَّربّ إلى الأرض يدايْ.

وتلاشَى حَمْدِيَ المبتورُ وانجابتْ رؤُاي.

قلتُ: هذي الحربُ يا قوم أُعدَّتْ لسواي.

أنا منكم. طال في البيد ثوائي وسُراي.

كيف تلقون أخاكم كالذئاب!

قد صحبت الليلَ والليلُ على البيد رهيب.

ونهاراً للحصى من قيظه العاتي وجيب.

منحتني البيد بَلواها وأخفَتْ ما يطيب.

من روُاء الفجر في الشرق ومن سحر الغروب.

لم أَنَلْ منها سوى قبض التراب.

يا صحابي روضكُم ريانُ ممتدُّ الظلال.

لن تضيقَ اليومَ بي سرحاتُه الفيح الطوال.

فدعوني يلتئِمْ جرحي ولي بَعْدُ ارتحال.

لن أقيم الدهرَ فيه وبجنبيَّ ملال.

يخزُ القلبَ إلى هذي الشعاب.

يا صحابي! أيها الواغل لسنا من صحابك.

اسْعَ في قفرك ما شئتَ وهوِّمْ في شعابك.

نحن من أصلاب مجدٍ، امض لسنا من ترابك.

وإذا ما مسَّك الضرُّ فكفكِفْ من رغابك.

واترك الدنيا لأرباب الرغاب.

قلتُ يا أقداميَ الحسرىَ إلى درَبك عودي.

وتأسّيْ يا لهاتي من خيالي بالوعود.

واصبري للظمأ القاتل يغتال نشيدي.

فغداً في روضتي العذراء يحلو لي ورودي.

وأرويِّكِ من الشُّهد المذاب.

روضتي العذارء في الربوة لم يُطمَث ثراها.

خلف هذي القفرة الجرداء قد طاب جَناها.

ضلَّ عنها الناسُ واستخفى عن الناس شذاها.

قلبي العامُر بالإيمان يوماً سيراها.

وسيلقاها وإن طالَ الغيابْ.

عبد القادر القط