انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 60/أعيان القرن الرابع عشر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 60/أعيان القرن الرابع عشر

ملاحظات: بتاريخ: 27 - 08 - 1934


13 - أعيان القرن الرابع عشر

أحمد باشا تيمور

بقلم حسن عبد الوهاب

والده المرحوم إسماعيل باشا بن محمد كاشف تيمور بن إسماعيل، تقلب في الوظائف الكبيرة إلى أن كان رئيساً للديوان الخديوي في عهد المغفور له إسماعيل باشا.

جده محمد كاشف تيمور كان ضابطاً في جيش محمد علي وساعده على إبادة دولة المماليك وترقى حتى كان والياً على الحجاز وتوفي سنة 1262 هـ (1847م)

مولده

ولد في 22 شعبان سنة 1288 هـ 1871م وقد تلقى دروسه الأولية على مدرسين خصوصيين، ثم تلقى اللغة العربية على المرحوم العلامة الشيخ رضوان محمد العالم الشهير في علمي القراءات والرسم

ودرس اللغة الفرنسية بمدرسة كليبر وعلى الأستاذ عبيد بك حتى نبغ فيها مع نبوغه في اللغتين التركية والفارسية.

وتلقى علم المنطق وعلوماً أخرى على الأستاذ الكبير الشيخ حسن الطويل، ثم تلقى علم اللغة على اللغوي الثقة الشنقيطي الكبير، فحضر عليه شرح المعلقات وغيره، فكان يذهب إليه الفقيد في منزله ويتلقى الدرس عليه وهو جالس، فكان حينما يشعر بألم ويبدل رجلاً بأخرى يقول له لا تتألم يا أحمد فقد كنا نقطع بالراحلة شهوراً وراء البحث والاستقصاء عن مسألة علمية.

وظل مثابراً على الدرس ومجالسة العلماء والأخذ عنهم حتى أصبح الحجة في اللغة بعد الشنقيطي في عصره والوحيد بعده.

ناديه بسراي درب السعادة

يرى السائر الآن في شارع درب سعادة بجوار مسجد آسنبغا فضاء كبيراً هو سراي تيمور، وقد كانت منتدى يؤمه شيوخ الأدب واللغة في القاهرة للبحث والمناقشة في المواد العلمية والأدبية، أمثال المرحومين الشيخ أحمد مفتاح والعلامة الشيخ طاهر الجزائري الحجة الثقة في المؤلفات العربية، والمرحوم الشيخ محمد عبده، ويحيى أفندي الأفغاني وأصدقاؤه الأجلاء السيد رافع والسيد محمد الببلاوي والشيخ حسن منصور والشيخ محمد شاكر أطال الله بقاءهم، وغيرهم كثيرون ممن يضيق المقام عن سرد أسمائهم، وقصارى القول أن تلك الدار كانت كعبة العلماء والأدباء في مصر والأقطار العربية، وما كتبه في الصحف والمجلات من مباحث علمية وتنقيب عن حضارة العرب بأسلوب شيق وتمحيص للحقائق أكبر دليل على ماله من أدب ونظر سديد فيما يعانيه من الأبحاث. وقد جمع خزانة كتب هي مفخرة مصر بل والشرق.

الخزانة التيمورية

بدأ في تكوين خزانته سنة 1319هـ (1901م) وقد كان لديه نواة صغيرة لها من جمعه أيضاً، وظل طوال تلك السنين ينقب عن النوادر من المخطوطات القيمة ويشتريها بأغلى الأثمان حتى اجتمعت لديه نوادر يندر وجود مثلها في خزائن أخرى، بل انفردت بتحف كثيرة.

ويبلغ عدد كتبها 15000 كتاب في نحو 20000 مجلد غالبها خط، جميعها مجلدة تجليداً متقناً، واستنسخ في عهده الأخير مجموعة صالحة من مكاتب أوروبا بالفوتوغرافيا. وبها القليل من المؤلفات الفرنسية والإنجليزية مما له علاقة بحضارة العرب أو تاريخ مصر ونشرات المجمع العلمي الفرنسي.

وتمتاز هذه المكتبة بوفرة كتبها الخطية وخاصة في التاريخ واللغة، ولعل القارئ يعجب إذا أكدت له أن هذا العدد من الكتب قد اطلع عليه رحمه الله وعلق عليه ملاحظات له ما بين وفاة مؤلف، أو بيان ذيول وضعت على الكتاب، أو الإشارة إلى قوة المؤلف والاعتماد عليه في النقل. هذا ما يتعلق بالكتب المطبوعة.

أما الكتب الخطية وهي أكبر قسم فيها، فقد استنفدت منه مجهوداً لا يقدر عليه أشخاص. ومن يطلع على جميع الكتب الخطية يجدها مبتدأة بترجمة المؤلف ومنمرة، ثم فهارس بالتراجم الواردة فيه، والموضوعات المهمة، وآخر بأسماء البلدان والأماكن. وبيان الكتب الواردة فيه، ومن حبه للعلم ومساعدته على نشره لم يبخل على من أراد طبع بعض هذه الكتب بالترخيص له بطبع فهارسه، وهذا مشاهد في كتاب الطالع السعيد للأدفوي المطبوع سنة 1914 فانه محلى بالفهارس التي أشرت إليها، وكما حصل أخيراً من إعطائه مفتاح الخزانة، وهو مجموعة الفهارس التي وضعها لكتاب الخزانة للبغدادي إلى المطبعة السلفية لدرجها في الطبعة الجديدة، وفعلاً طبعتها، وأمثال هذا كثير.

ومن اللطيف في هذه المكتبة تدقيقه رحمه الله في انتقاء كتبها، فإذا اطلع مطلع على نسختين من كتاب فلا بد وأن يكون هناك فرق بينهما، وكأن تكون هذه كتبت في عصر المؤلف أو قرئت عليه، والأخرى طبعة بمصر أو أوربا أو الهند.

أما المجاميع الخطية فقد وضع لها فهارس بمشتملاتها، وكل هذا المجهود بخطه.

وكثيراً ما أعار المكاتب والمستشرقين أو استنسخ لهم لحسابه هدية منه، كما أنه أعار دار الكتب الملكية بعض نفائس خزانته لتصوير نسخ منها مثل الأجزاء التي كانت تنقصها من كتاب عيون التواريخ لابن شاكر الكتبي، وما لديه منه بخط المؤلف. وأخيراً أعارها الجزأين الأول والسابع من كتاب الضوء اللامع للسخاوي، وتاريخ ابن الفرات الذي استنسخه من فينا بالفوتوغرافيا، وسمح للدار بتصوير الفهارس التي وضعها لكل جزء في أوله، وعدد أجزائه سبعة عشر جزءاً.

أما النفائس التي امتازت بها المكتبة فكثيرة ولا تسعها تلك العجالة، ومن مميزات تلك المكتبة النادرة وجود تواقيع مئات من أكابر العلماء في القرن السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر الهجري، وقد حصرها جميعها، وبعد وفاته رحمه الله أهديت مكتبته إلى دار الكتب المصرية، فأفردت لها مكاناً خاصاً بها.

مقالاته ومؤلفاته

كان رحمه الله دقيقاً في البحث والتمحيص، وقد نشر مقالات كثيرة في المؤيد والضياء والمقتطف والمقطم والأهرام والهلال والهندسة والزهراء والهداية الاسلامية، وكلها في حضارة العرب وتحقيقات تاريخية.

فمن مقالاته الممتعة (الخلافة والسلطنة) نشرت في المقطم سنة 1922 ومنها (المهندسون الإسلاميون) نشرت تباعاً في السنة الثانية 1922 والثالثة 1923 من مجلة الهندسة، وأيضاً خص تلك المجلة بفصول قيمة من كتابه (التصوير عند العرب) نشر منها (التصوير على الجدران) في العدد الأول والعدد الثاني من السنة الثامنة يناير وفبراير سنة 1928 (التماثيل المتحركة والمصوتة) في العددين 3و4 مارس وأبريل سنة 1928 - وسبق أن نشر بمجلة الهلال الغراء مقالات عن التصوير عند العرب.

وقد انفردت مجلة الزهراء بنشر قسم كبير من مقالاته نذكر منها: بئر الثنيتين - حول تصحيح القاموس - شعر يزيد - دار ابن لقمان بالمنصورة - انتشار المذاهب الأربعة - الكرات العربية الأرضية والفلكية - الكتابات الدقيقة، غرائب أخرى في الكتابة - لقب الطواشي - الطربوش وتاريخه - وصف ساعة المدرسة المستنصرية - المشتهى وتحقيق موضعه بالروضة.

ومن مقالاته التي كان يوافينا بها أخيراً (الآثار النبوية) خص بها مجلة الهداية الإسلامية ونشر منها تسع مقالات في الأعداد محرم، وربيع ثاني، وجمادى الأولى، وجمادى الآخرة، ورجب وشعبان، ورمضان، وشوال، وذي القعدة سنة 1348 وظهر المقال العاشر في عدد الحجة بعد وفاته رحمه الله، تكلم فيه عن الآثار النبوية في الأقطار الإسلامية بإسهاب لم يسبق، وتحقيق وتمحيص نادر، وباقي هذا البحث معد للنشر أيضاً.

وكلها مباحث تدل على سعة الاطلاع والتعمق في البحث، بل هي خلاصة معلوماته وعصارة أفكاره، وآثار تنقيبه في خلال السنين الماضية.

والحق أنها رسائل فريدة وليست بمقالات، وذلك لغزارة مادتها ودقة مباحثها التي لم تطرق من قبل.

مؤلفاته

هذه المؤلفات قسمان: ما نشر وما لم ينشر. أما ما نشر فهو:

1 - تصحيح لسان العرب نشر القسم الأول منه سنة 1334هـ.

2 - القسم الثاني من تصحيح لسان العرب نشر سنة 1343هـ.

3 - تصحيح القاموس طبع سنة 1343هـ.

4 - نظرة تاريخية في حدوث المذاهب الأربعة وانتشارها طبعت سنة 1344.

5 - قبر الإمام السيوطي وتحقيق موضعه مزين بالصور طبع سنة 1346.

6 - اليزيدية ومنشأ نحلتهم طبع سنة 1347.

7 - تاريخ العلم العثماني مزين بالصور. طبع سنة 1347 أما مؤلفاته التي لم تطبع فهي:

1 - الأمثال العامية: وقد رأيتها بعيني تملأ مجلدات كبيرة وكلها معدة للطبع صرف في جمعها زهرة شبابه، حتى أنه رغم جمعها بنفسه أعد جوائز لمن يأتي بمثل لم يدونه.

2 - التصوير عند العرب: اطلعت على قسم كبير منه وجميعه معد للنشر، ومن يطلع على ما نشر منه في مجلة الهندسة يعلم مقدار حاجتنا إلى مثل هذا المؤلف بعد أن رأينا ما ظهر من مؤلفات الغرب في هذا الباب وجلها اقتصر على ما عثر عليه من التصوير الفارسي وكلها لا تسمن ولا تغني من جوع بجانب هذا السفر القيم العديم المثال.

3 - معجم تيمور في العامية المصرية: وهو بمثابة إصلاح للأخطاء الدخيلة على العربية فيذكر الكلمة وأصلها الصحيح، وبيان التحريف الذي طرأ عليها ومنشأه. وقد اطلعت على قسم كبير منه فإذا هو مجهود مضن لا يستطيع المضي فيه إلا من أوتي بسطة في العلم مثل تيمور رحمه الله، وقد نشر منه قطعاً في مجلة المجمع العلمي بدمشق، ونقلت البلاغ الغراء قطعتين منه في العددين المؤرخين 25 و 26 مايو سنة 1926.

4 - السفن الإسلامية وأسماؤها.

5 - شرح التبرّي من معرّة المعرّي.

وهو كتاب لطيف جمع فيه أسماء الكلب بمناسبة ما قرأه في ترجمة الإمام أبي العلاء المعري من أنه دخل على أبي القاسم المرتضى فعثر برجل فقال من هذا الكلب فقال له أبو العلاء الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسماً.

6 - ولديه أيضاً مجموعة كبيرة من الوفيات منذ العصر الذي يلي العلامة الجبرتي إلى عصرنا هذا، ويكاد يكون منفرداً بها أيضاً.

هذا قليل من كثير، ولديه أشياء لم يطلع عليها أحد ومقالات لم أشر إليها في عجالتي هذه.

أعماله ومآثره

كان عضواً في مجلس الشيوخ منذ تكوينه حتى أوائل دورة العام الذي توفى فيه واستقال لانحراف صحته.

وكان عضواً بلجنة حفظ الآثار العربية. والمجمع العلمي العربي بدمشق. والمجلس الأعلى لدار الكتب الملكية، ومن مؤسسي جمعية الشبان المسلمين وجمعية الهداية الإسلامية، ومن مؤسسي جمعية نشر الكتب العلمية، وفي سنة 1924 أهدى إلى المجمع العلمي بدمشق مجموعة من الموازين (الصنج) الزجاجية مع قسم كبير من الكتب.

وأهدى إلى دار الآثار العربية خنجراً مرصعاً بالأحجار الكريمة وسيفاً كان لجده تيمور كاشف وأهدى إلى جمعية الشبان المسلمين كتباً قيمة وأيضاً منح جمعية الهداية الإسلامية في شهر أبريل سنة 1930 120 كتاباً.

ولو لم يكن من مآثره إلا مكتبته النادرة لكفى.

أخلاقه

كان رحمه الله مثلاً عالياً في الأخلاق. حلو المعاشرة هادئاً حليماً، على دين متين ولهجة صادقة، وسمت حسن، وعقل وافر ووقار، محباً للخير لا يصل إلى الشر مطلقاً.

وقد كان محسناً متواضعاً لا يحب الظهور ولا المباهاة، وانظر إلى تواضعه الملموس في مقدمة كتابه تصحيح لسان العرب وهو أكبر كتاب في اللغة حيث يقول:

(ولسنا في ذلك بمدعين عصمة أو متبجحين بفضل)

وما أجمل تواضعه حينما يصف لنا مقالاته (التصوير على الجدران) و (التماثيل المتحركة) بأنهما من رسالة التصوير عند العرب، يمين الله أن المقال الواحد منهما حري بأن يكون رسالة وافية فما بالك بكتاب ضخم يصفه لنا برسالة.

وكان مثلاً عالياً في التقوى والغيرة على الإسلام والمحافظة على العوائد القومية.

خاتمته

لقد كانت حياته حافلة بجلائل الأعمال قضى معظمها في البحث والتنقيب والذود عن الإسلام، وجمع نفائس الكتب، حتى نكب بوفاة نجله المرحوم محمد بك تيمور في أوائل سنة 1921 فكانت صدمة قوية لم يقو على كفاحها، فأثرت في صحته، ومن ذلك الحين أصبح يميل إلى العزلة.

ومع أن مصيبته بفقد نجله هذا من أكبر المصائب فإنها لم تنته عن المثابرة على الكتابة والبحث، غير أن نوبات المرض كانت تنتابه بين آونة وأخرى، وخاصة في أعوامه الأخيرة وهو لم يرحم نفسه ولم يشفق عليها.

وفاته

في الساعة الرابعة من صبيحة يوم السبت 27 ذي القعدة سنة 1348 - 26 أبريل سنة 1930 انتقل إلى رحمة الله تعالى فانطوى ذلك العلم الخفاق، واندك ذلك الركن الركين، وكان لنعيه رنة حزن وأسف جزعت لها القلوب وفاضت بالبكاء العيون إنا لله وإنا إليه راجعون. ودفن وقت الغروب بمقبرة عائلته المجاورة لقبر سيدنا الإمام الشافعي، رحمه الله وطيب ثرى تربته.

حسن عبد الوهاب