انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 594/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 594/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 594
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 20 - 11 - 1944



نظرية الفصل وماذا يريد القائلون بها؟!

لا أريد بهذا المقال أن ألتقي مع المتلاحمين في معركة (وحدة الوجود)

فحسب هذا الميدان من فيه، وما أنا محاول كذلك فتح (جبهة ثانية) بعد

أن انسحب الدكتور زكي محتمياً بما قاله عن ظروف حرية الرأي في

مصر، وهو احتماء غير كريم. . .

إنما هي كلمة هادئة إلى هؤلاء الذين نادوا وينادون بنظرية عجيبة، يذوبون هياماٍ بإشاعتها، ويلبسونها قفازاً في أيديهم، يلفون به في كل معركة، عندما يعوزهم الدليل والبرهان. . .

ففصل العلم عن الدين غرام أنهك داؤه قلوب قوم أولعوا به، إذ وجدوا فيه رفعاً لالتزامات، لا تستطيع أعصابهم احتمال الوقوف عند سدها القائم لصد النزوات، ورد الهفوات - هذا الميزان العلمي، لضبط الفضيلة العلمية، ووقاية العقل من الشطط، وتحرير الحقيقة. . .

وقد كان لهذه النظرية والقول بها مذاق في أفواه الأقدمين، حين كانت الأديان طقوساً منعزلة عن الحياة الاجتماعية والسياسية والعقلية والثقافية، وكل ما له صلة بحياة الناس العملية الواقعية وإن مستها فإنما تمسها وتتصل بها اتصالا رفيقاً لا يدخل في صميم نظمها وتنظيمها، ووضع أسسها، وتفصيل برامجها، والإفتاء في كل ما له صلة به بكل جلاء ووضوح. .!

كان لهذه النظرية مكان في هذا الماضي التاريخي، حين كانت الأديان على نحو ما ذكرنا، وحين كانت تعني بالمسائل الروحية التعبدية في مجموع ما فيها من وسائل، وقد يسوغ أيضاً أن يبقى هذا المكان أو أن يمتد هذا التاريخ في غير بلاد الشرق المسلمة، وفي غير مصر الإسلامية، بعد أن جاء الإسلام منذ 1363 سنة نظاماً عاماً، شاملاً كاملاً، تناول الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، ونظم شؤون الناس جميعها، معنياً بالروح، عنايته بالجسم والعقل، وعنايته بكل النواحي الإنسانية الأُخرى، بما لا يدع مجالا لمنكر أو طالب حقيقة، وآيات القرآن ناطقة بهذه الحقائق، وسنوفيها حقها في موضعها من الكلام فما بالنا إذن نبعد عن فهم حقيقة الإسلام، ونحصره في زاوية ضيقة محدودة من آفاق الحياة؟! أنها ليست دعوى تعصب، ولكنها الحقيقة يؤيدها التاريخ والواقع

فعلى القائلين بنظرية الفصل أن يتريثوا، وإن يقترفوا بتاريخهم، ويتبصروا مقدار ما في هذا الخطأ الشائع من جناية على الحياة العقلية الشرقية، والحقائق الإنسانية

كنا نريد أن يكون المتزعمون للحركة الفكرية عندنا قوميين أحراراً، يصدرون في آرائهم عن باعث القومية الحرة، ونقول القومية الحرة، حتى يكون رأياً بعيداً عن التحيز أو التعصب، وبعيداً كذلك عن الالتماس في الفكرة الغربية. بتهالك المستسلم الذي نسى نفسه وجهل تاريخه وماضيه فذهب حاضره ومستقبله هباء

يا قوم. . . إننا أمة ذات مجد وذات تاريخ، فأين نحن في حاضرنا من مكاننا المرموق؟! إننا لا ندعوكم إلى تعصب في العلم أو تعسف فيه، ولا نطالبكم بتزييف التاريخ أو الممالأة فيه، ولكننا ننبه إلى تفهم الحقائق التي بين أيديكم، والسيطرة على مفاخر الكنوز من تاريخكم، وهي كلمة أولى إن اتسع لها صدر الرسالة، وما نظنه ضائفاً، فسنتبعها بالكلمة المقصودة من المقال وهي بيان كيف أن الإسلام جاء نظاماً شاملاً كاملاً تناول كل مظاهر الحياة وعناصرها، وكيف أنه لم يفرق ولم يفصل بين أية ناحية من نواحيها، بل جعل منها جميعاً مزاجاً واحداً متماسكاً، أقام عليه أسس الحضارة الإنسانيةالفاضلة، التي سعد في ظلها الناس جميعاً - ثم نعرض لموقفه من العلم - والعلم التجريبي خاصة

ومودعنا بهذا كله عدد آت إن تفضلت الرسالة الغراء.

أحمد. . . الحجاجي

إلى أستاذي البشبيشي

تفضلتم بتنبيهي إلى صحة كلمة (الربى) في بيت (شوقي) لأن أصلها الربى. وتسهيلها جائز. فأشكر لكم هذا التنبيه. وأذكر أنها وردت في مقالي في مجال نقدي لكثرة الاضطرار إلى التسهيل والترخيم. . . الخ مما لا يضطر إليه إلا المبتدئون.

تلميذكم

سيد قطب إلى سعادة عبد العزيز فهمي باشا

إذا وجد في الأمة مكابر واحد ينكر عليك أنك كنت المحامي الأول والقاضي النزيه الأول، فقد لا يوجد فيها من يجرؤ على إنكار أنك كنت ثالث رجلين حملوا كلمة مصر يجابهون بها مغتصب حقها ومستعبد أهلها يطالبونه بالاستقلال.

وليس بين عقلاء مصر من لم يكبر فيك تجنبك ديماجوجية زعامة الشعب وتهويشها

كان كل موقف من مواقفك هذه خليقاً بأن يرفعك إلى مصاف العظماء، وكان الأخلق بها متجمعة أن تسير بك في سبيل. المجد الخالد، ولكن أنت همتك الشماء إلا توقل مرتفعات المجد وبلوغ قمة الخلود

لقد أصبحت من الخالدين، لا يوم اصطفوك، لأن تكون في زمرة أعضاء المجمع الخالدين، بل يوم طرحت على زملائك رجال المجمع اللغوي اقتراحك (الحروف اللاتينية لكتابة العربية) فهذا الاقتراح في ذاته، بغض النظر عن خطئه وصوابه، بطريقة عرضه، وبالأسلوب الذي صيغ فيه، وبصدقك الصادق، وجرأتك العالية، وحججك الدامغة، قد نزع القناع الشفاف عن نفسية العبقري. هي عبقريتك الفريدة، فصرت في الخالدين

حبيب الزحلاوي

إلى الأستاذ العقاد

تبارك الرزاق في تقسيم الأرزاق

أيها الأستاذ الكبير. إن ذلك الرجل الذي رفع إصبعه إلى السماء وصاح:

(أأنت موجود؟ أهذا عدل في قسمة الأرزاق) (في مقالك في الرسالة بعنوان (تبارك رزاق البرية)، وأن أبا العلاء المعري الذي قال: (إذا كان لا يحظى. . . فتزندقا) - وإن ابن الراوندي الذي قال: (كم عاقل. . . العالم التحرير زنديقاً) - وغيرهم من الشعراء، وغير الشعراء ممن قالوا مثل هذا - أن هؤلاء يا أستاذ، يريدون أن يلقوا المسؤولية في ظلم الحظوظ لهم على الرزاق أو على القضاء والقدر. وكأنهم في الوقت نفسه يبتغون (وهم لا يدرون) أن يبرروا نظام المجتمع العسوف الغابن الجائر، وإن يبرئوا منظمي المجتمع من فساد نظامه ليس المسؤول عن ذلك الغبن في تقسيم الأرزاق، لا الرزاق ولا القدر. بل المسؤول هو جنس الناس أنفسهم، الذين سنوا قوانين مجتمعهم ناقصة وفاسدة وغير منصفة

أن تلك الألوف التي يبددها المسرفون ليست (بدل مفقود) كما تقول، وإلا جاز أن يكون (اتيس) التيوس صاحب الملايين، لأن الذكاء النابغ يثمن بالملايين. وإنما هي ثمن عدل بيع بخساً أو ثمن ظلم اشترى رخيصاً. فما كانت الألوف في زمن من الأزمان، أو مكان من الأمكنة تنال بالبله أو بالخساسة أو بالسخف أو بالكسل المطلق. وإنما كان ولا يزال كل قرش ينال بتعب في عمل معادل له. فإذا كان معك عشرات الألوف من الجنيهات فهناك ألوف من العمال حصلوها بتعب معادل لها، وإذا كان عندك مليون جنيه، فلا يعقل أنك بذلت تعباً يساوي مليون جنيه، فهي من جني تعب غيرك

فأولئك الكسالى والأخساء والبله، الذين يملكون الألوف والملايين لم يملكوها بدل ذكاء فقدوه، ولا بدل نباهة أو عبقرية فقدوها، ولا بدل عمل كسلوا عنه. وإنما نالوها متجمعة من حاصل أتعاب الذين تعبوا في تحصيلها - وأنت تعلم ذلك جيداً. وتعلم أن ذلك ليس من قسمة الرزاق ولا من قضاء القدر. وإلا فلا جزاء للبشر لا خيراً ولا شراً إذ لا مسؤولية عليهم. إنما هو من فساد نظام البشر

والذين يتذمرون من عدم العدل في تقسيم الأرزاق يعزونه إلى عدم التساوي في المواهب والعقول والأخلاق، حيث لا مبرر للتذمر أو الشكوى، لأن هذا قضاء الرزاق ولا حيلة لهم فيه

وإذن ففساد نظام الكون ليس (في تباين موازين الجزاء) بل في أن ذلك النظام يمنح من لا موهبة له ولا علم ولا ذكاء ولا عمل ويمنع الموهوب والذكي والعامل الصالح

على أن الفقرة التي ختم بها الأستاذ مقاله كفرت عن حملته على المتذمرين من عدم العدل في قسمة الأرزاق.

نقولا الحداد

الدكتور زكي والشيخ الدجوي

في بعض أعداد (الرسالة) الأخيرة، افتخر الدكتور زكي أنه القائل (المجد كالمال، فيه حرام وحلال).

والذي نذكره أن الدكتور زكي نسب هذه القولة إلى أستاذه الشيخ يوسف الدجوي عضو جماعة كبار العلماء، وقد كتب يذكر شيخه بها في بعض رسائله التي كان يرسلها في صحيفة (المساء) من مقامه في باريس عام 1930.

وقال الدكتور يومئذ أن الشيخ الدجوي نصحه بهذه (الحكمة) إبان صدور كتابه (الأخلاق عند الغزالي) حين أخذ جماعة من الناس يصاولونه ويناجزونه.

ولما كنا نعرف في الدكتور الحقائق التاريخية، فإننا نرجو أن يجلو لنا وجه الحقيقة حتى لا نقع في الاضطراب بين الأقوال وأصحاب الأقوال!

(الرمل)

منصور جاب الله

حول فرقة التمثيل

لو جرى النقد المسرحي على النمط الذي أرانا إياه الأستاذ حبيب زحلاوي في العدد الفائت من هذه المجلة، لوجب علينا إلا نعبأ بالنقد وإن نطلب الهداية لأصحابه، وأن نعقد (الفصول والغايات) في تبيان ماهية النقد وأصوله وأهدافه!!

سقطت رواية (يوليوس قيصر) التي أخرجتها بوصفي مديراً فنياً للفرقة المصرية، ونجحت رواية (مرتفعات ويذرنج) ومخرجها زميل لي. . . والسبب في هذا - كما يزعم الناقد - أنني قدمت عن توخي التجويد فني بعد أن وصلت إلى أعلى مراتبه، في حين أن زميلي دائم التوفر على التحسين والإتقان. كذا؟؟

بهذا جرى زعم الأستاذ زحلاوي، وهو زعم له ما وراءه، له أن يثير النفرة وبين زميل لي في الفن نجاهد معاً على تحقيق غرض واحد.

أما أن يعمد الناقد إلى تبيان كيف ولماذا لم تنجح الرواية الأولى، ونجحت الثانية، وأين مواطن الضعف في هذه، وأين مراتب التجويد في تلك، وما السبيل إلى تلافي وجوه النقص والوهن، وكيف نزيد في توخي الإتقان، فكل هذا أمر مطوي في سريرة الناقد لم يفصح عنه، وأؤكد أنه لو قدر على الإفصاح عنه لما تردد، لأنني اعهده متلمساً كل عيب يسهب ويفيض في كل أمر يكتب فيه!!

ولكنني أؤكد أن الأستاذ زحلاوي، لا يقدر على هذا، وإذا جرى قلمه بشيء منه، فكما تجري مطرقة الحداد في يدي اليسرى.

أسائل الأستاذ زحلاوي ماذا أفاد الناس من نقده وأنا في مقدمتهم؟ وبماذا ننعت نقدا لا يفيد المنقود ولا القارئ؟؟

ليعفني القارئ من الجواب، ومن أيراد النعت اللائق بذلك النقد، وللقارئ أن يقول فيهما ما يشاء، ولكنني أقول إن هذه الظاهرة العجيبة في النقد المسرحي - وهي ظاهرة نطالعها في أكثر ما يكتب عن المسرح - حدت بالوزارة إلى إنشاء (قسم النقد والبحوث الفنية) بمعهد فن التمثيل العربي الذي أتشرف بالعمل فيه.

فهل يجد الأستاذ زحلاوي من الشجاعة الأدبية ما يحث خطاه إلينا؟ أنني أدعوه دعوة صادقة مخلصة، فنحن ما عشنا طلاب علم، وإنما العلم من عند الله يؤتيه من يشاء.

زكي طليمات