انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 58/العلوم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 58/العلوم

ملاحظات: بتاريخ: 13 - 08 - 1934



بلوتو

السيار التاسع

للأستاذ مصطفى محمود حافظ

في العدد (56) من مجلة الرسالة مقال ذكر به أن الكواكب السيارة ثمانية، وأنها - مرتبة حسب قربها من الشمس - (عطارد، الزهرة، الأرض، المريخ، المشتري، زحل، أورانوس، نبتون). وقد كان هذا القول صحيحاً حتى شهر مارس سنة 1930، فكان مدار (نبتون) يحدد نهاية المجموعة الشمسية التي تنتمي إليها كرتنا الأرضية، ثم اتسعت هذه المجموعة باكتشاف سيار تاسع هو (بلوتو) وإلى القارئ قصة هذا الكشف.

الفرق بين النجم والسيار:

في المقال المشار إليه سابقاً نظريتان من النظريات التي وضعت في تفسير كيفية تكوين السيارات حول الشمس، ولعل أقرب هاتين النظريتين إلى الصحة هي أحدثهما، وهي نظرية المد التي يؤيدها الآن كثير من العلماء تأييداً رياضياً، منهم العالم الإنجليزي المشهور (سير جيمز جينز)، فشمسنا الحالية ومعها كل ما انفصل منها على شكل كواكب وذرات متحطمة وإشعاع كانت في الماضي السحيق تكون نجماً هائلاً، اقترب منه نجم ثان - ربما كان أكبر منه - فجذب إليه جزءاً من الأول على شكل السيجار ومن هذا السيجار انفصلت الكواكب السيارة. ولعل ترتيب السيارات بحجومها الحالية يؤيد هذه النظرية، فأضخمها في الوسط وأصغرها في الطرفين. وهذه المجموعة الشمسية تسبح كلها في الفضاء تفصلها ملايين ملايين الأميال عن أقرب نجم إليها. فإذا نظر الإنسان وهو على الأرض إلى القبة السماوي رأى بعينه المجردة آلافا من هذه النجوم، وقد يكون الوقت ملائماً لأن يرى سياراً أو أكثر. ويمكنه أن يميز السيار عن النجم بشدة لمعانه وعدم تألقه وتغييره لمكانه النسبي بين النجوم الثوابت على مر الشهور والأعوام (ومن هنا نشأت تسميته بالسيار أو التائه) وكذلك يميز السيار بظهوره على شكل قرص صغير في عدسة التلسكوب، على حين أن النجوم لا يمكن أن تظهر أكثر من نقطة، ولكن ذلك لا يساعدن دائما على الكشف عن السيارات، فعطارد لا يبعد عن أمه الشمس إلا قليلا، فتصعب رؤيته بالعين المجردة إلا في البقعة المنبسطة قبيل شروق الشمس أو بعيد غروبها، وأورانوس ونبتون لا تراهما العين المجردة لبعدهما عن الشمس والأرض بعداً يجعل الزاوية التي يحدثها قطر كل منهما عند العين لا تمكنها من الرؤية، وهذا هو السبب في عدم معرفة العرب القدماء لها قبل اختراع التلسكوب.

وكلما ابتعد السيار عن الشمس صعب كشفه وتمييزه عن النجوم، وقد كشف (هر شل) عن اورانوس (أب زحل آله الزرع) عفواً في سنة 1781 هو يوجه منظاره إلى جزء من السماء، وقد ظنه في أول الأمر (مُذَنبا) وكشف (جال) عن نبتون (آله البحر) في سنة 1846 بعد بحوث (ليفرييه) الرياضية.

البحث عن سيار تائه:

وفي أوائل القرن الحالي كان الأستاذ (برسيفال لول) يقول بوجوب وجود سيار آخر تابع لمجموعتنا الشمسية أبعد من نبتون، وقد جاء هذا القول نتيجة لبحوثه الرياضية في مدارات السيارات المعروفة في ذلك الوقت، وعدم اتفاق المدار الرياضي مع المدار المشاهد. فانطلق الفلكيون هواة ومحترفين يبحثون عن ذلك السيار التائه، ولعل لولا التعاون الدائم بين فروع المعرفة العام في الوصول إلى الحق لما تمكن أحد إلى الآن من الكشف عن هذا السيار، فان محاول الكشف عنه كان عليه أن ينظر إلى جزء من السماء في وقت معين من كل ليلة ويطيل النظر إلى آلاف النقط اللوامع التي يراها، ويحاول أن يجد أيها يغير موضعه على مر الليالي، وبذلك يميز السيار عن النجم الثابت، فهذه النجوم (الثوابت) وإن كانت في حركة مستمرة إلا أن بعدها السحيق يخفي عنها هذه الحركة ولا يظهرها إلى على مر الأجيال الطويلة، وذلك كما يلاحظه الإنسان أن القطار السريع البعيد يدب دبيبا.

وعملية ملاحظة حركة السيارات هذه عملية شاقة تحتاج إلى صبر كثيرة ودقة وأمانة في التقدير، فان إطالة النظر إلى عدسة التلسكوب تثقب شبكية العين وتجعلها ترى ما ليس له وجود، ولكن تضافر نواحي المعرفة للوصل إلى الحق هو الذي مكن العلماء من الوصول إلى السيار التاسع، وذلك باستخدام الكمرا في تصوير السماء بدلا من الملاحظة والتخطيط، فأغلب تلسكوبات العالم الآن مجهزة بآلات فوتوغرافية تمكن الفلكي من تصوير أي جزء من السماء بكل دقة وأمانة، كما أنها تزيد من قدرته على الملاحظة، فالجسم الضعيف النور قد لا يؤثر في العين باستمرار النظر إلى موضعه، ولكنه يؤثر في اللوح الحساس باستمرار تعريضه إليه عدة ساعات، وأحياناً عدة ليال، وذلك بادرة التلسكوب إدارة تعادل حركة الأرض، فيصبح اللوح دائماً في مواجهة الجزء المارد تصويره.

الكشف عن بلوتو:

قلنا إن الأستاذ (برسيفال لول) كان قد تنبأ في أوائل القرن الحالي بوجود تابع تاسع لمجموعتنا الشمسية، وقد تكمن فلكيو مرصد (لول) في (أريزونا) من الكشف عن هذا السيار، وبذلك أصبحت التوابع المعروفة لشمسنا تسعة إذا استثنينا مئات التوابع الصغرى التي تقع بين مداري المريخ والمشتري، والتي قد تكون بقايا سيار منفجر أو متحطم ابتدأ البحث عن هذا السيار الجديد بأن عرضت الألواح الفوتوغرافية إلى أجزاء السماء المشتبه فيها مدة من الزمن تكفي لانطباع أثار كل ما في السماء على الألواح، وتكررت هذه العملية في الليالي المتتالية، ثم امتحنت الألواح المختلفة فلوحظ أن جميع النقط اللامعة لم تغير مواضعها بالنسبة لبعضها البعض، إلا نقطة واحدة جعلت تسبح بين مواضع النجوم الثابتة، فكانت هي السيار المنشود مادامت جميع السيارات المعروفة بعيدة عن الموضع المصور، وبهذه الطريقة تم الكشف عن السيار التاسع، فان الفلكي الشاب مستر (كليد تمباو) لاحظ بامتحان لوحين أخذا في 2 مارس سنة 1930، 5 مارس سنة 1930 أن نقطة لامعة قد غيرت موضعها تغييراً محسوساً.

وبذلك يكون هو أول من كشف عن (التائه) التائه. وكان بعده عن الأرض في ذلك الوقت 4000 مليون ميل، أي أن الضوء المنعكس عن سطحه يصل إلى الأرض بعد خمس ساعات ونصف ساعة من وقت انعكاسه، وقد سمى بلوتو (آله العالم السفلي)، وهو الاسم الذي أطلقته عليه فتاة كان سنها 11 عاماً تدعى (فينيتا). وهي ابنة أخي الأستاذ (مادن) أستاذ العلوم في كلية (ايتون) ولا يعرف الآن كل شيء عن هذا السيار، وذلك لبعد المسافة التي تفصلنا عنه، ولكن مداره حول الشمس قد عرف بدارسة الألواح الفوتوغرافية التي يظهر فيها من وقت لآخر، ويعتقد أنه يعادل الأرض حجماً، ولكنه أكبر منها كتلة، فمادته أكثر كثافة من مادة الأرض.

ولا يمكن أن يقال الآن إن بلوتو يحدد نهاية مجموعتنا الشمسية، فقد تفسر دراسة الخرائط السماوية عن وجود سيار آخر فتتسع مجموعتنا الشمسية، ولكن ذلك قليل الاحتمال لأن قوة جاذبية الشمس لهذه السيارات تضعف مع البعد، فتقل قدرتها على الإمساك بالسيار وجعله يدور حولها.

مصطفى محمود حافظ

مدرس بمدرسة امبابة للمعلمين