انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 569/ميت بين الأحياء

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 569/ميت بين الأحياء

ملاحظات: بتاريخ: 29 - 05 - 1944



للدكتور عزيز فهمي

أنا حَيٌّ غيرَ أني لستُ حيْا ... إنما أطوي بقايا العمِر طَيَّا

ذَبُل القلب فأذْوى مُقْلَتَيِّا ... وأراني ضاحكاً طَلق المُحَيّا

وأراني ناعَم البالِ رضيّا

ليتني اليومَ كما كنتُ شقيّاّ!

يوم كُنا في أَتون العمر نُصلَي ... حَرَّهُ هْجراً وتعذيباً ووصلا

إن دنا منا حبيبٌ ثمَّ مَلاّ ... بَدَّلَ القلبُ حبيباً وتَسَلى

لا نُبالي من تَجنَّى أو تولى

إن دعانا الحبُّ لم نعدم حَفِيّا

يوم كان الشعر وحياً وهديلا ... يوم فَجَّرناه نبعاً سلسبيلا

يوم كان العيش سهلاً وذلولا ... يوم كان الجِدُّ لهواً وفضولا

يومَ عَّلمْنا القَمارىَّ المُثولا

يوم علمنا القمارىَّ الرَّويا!

يوم كنا نُرْهقُ الجسم شبابا ... يوم كنا نَرْشُفُ العمر حبابا

كيف أضحى ذلك القلب خرابا ... كيف حال الكرْمِ غسلينا وصابا

كيف حالت جذوة القلب ترابا

كيف أمست بعدها صفراً يُدَيّا!

ما لعيني لا ترى رأياً جديدا=أغَشتها غشوة عادت صديدا؟

ما لقلبي خافقاً خفقاً وئيدا ... ذلك القلب الذي كان عنيدا!

كل شيء جامد حولي جمودا

ليس في دنياي ما يوحي إلَيّا!

كلما لاح بريق في سمائي ... أو بدَا آلٌ تَلَفّتُّ إزائي

فإذا بالبرق وَمْضٌ كسًناءِ ... وإذا بالآل إظلال تُرائي

وأنادي والصّدى رجع ندائ ليتني لم ألْف في الأوهام شَيَّا!

ويروح الناس أو يغدون حولي ... وأنا راض بحالي وَبِحِلي

ويَجِدِّون لِلَهْوِ أو لِشغل ... وأنا حيرانٌ مشدوهٌ، وعقلي

عاجز عن درك ما يشغل مثلي

من رآني ظن بي مَسْا خفيّا

شاب هذا الروح واليأس احتواه ... مذ أفاق الروح من حلم شجاه

وأفاق الصب من ماضي هواه ... عبثاً تنشد يا قلبي سواه

قد كَبُرْتَ اليوم فاقنع بشذاه

عش جماداً أو فعش مثلي خليا!

أيُهَذا البلبل الشادي بلحن ... ما لهذا اللحن لا يُطرب أُذني

أيها البلبل! ما هذا التجني؟ ... هاتِ صوتاً غير هذا أو فدعني

يا أمير الدوح لُمْ أو لا تَلمْني

كان هذا الصوت في الماضي شجيا!

عزيز فهمي