انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 567/وليم شيكسبير

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 567/وليم شيكسبير

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 05 - 1944



هل كان ملكا؟

للأستاذ حسين غنام

(ولد شيكسبير في أبريل عام 1564، وتوفى في أبريل عام 1616؛ وفي ذكر ميلاده وموته نكتب هذا الكلمة الطريفة تحية للشاعر العظيم في قبره)

توطئة

ظلت المسرحيات الخالدة المنسوبة إلى وليم شيكسبير، شغل العلماء والأدباء والباحثين، قرابة قرن من الزمان، في ناحية واحدة، لأن العالم شغل بها منذ أن وجدت، من نواحيها الأخرى

فلم يكن شاغلهم هذا القرن إذن هو قوتها الخارقة، فلا يختلف اثنان في عبقرية كاتبها وقوته التي لا تجاري، والذي يقدم على بحثها يتهيبها قبل الإقدام على دراستها وفهمها، وشيكسبير علم: أي مادة قائمة بذاتها تدرس في المدارس الإنجليزية جميعاً، ابتدائيها وعاليها

حتى فن (السينما)، على ما بلغه من شأو عظيم في الإخراج والحيل الخارقة للطبيعة نفسها، يتهيب الإقدام على هذه المسرحيات لإعدادها للسينما، وقد أخرجت السينما روايتين من مسرحياته، هما: حلم ليلة صيف، وروميو وجولييت. وقد بلغت الأخيرة من الجودة والإتقان في الإخراج حدا كبيراً. أما حلم نصف الليلة فقد سقطت في الإخراج، ولهذا ينظر فن السينما إلى أعمال شيكسبير خجلاً!

وهاتان المسرحيتان ليستا من أحسن أعمال شيكسبير، فماذا تكون النتيجة لو أقدم فن السينما على إخراج بعض مسرحياته الممتازة مثل مكبث، والملك لير، وعطيل، وسمبلين، ويوليوس قيصر، والعاصفة، وكما تريد؟

خذ مثلاً كاتباً مسرحياً آخر، هو برناردشو، فقد اعترف بنفسه أن فيلم (بجماليون) المأخوذ عن مسرحيته التي تحمل هذا الاسم، بلغ درجة من النجاح لم تبلغها المسرحية على المسرح. . .

وقل مثل هذا في فيلم (ميجور باربارا) المأخوذ عن مسرحيته بهذا الاسم، فقد نجح نجاحاً كبيراً. . .

وقد عادت (السينما) إلى أعمال شيكسبير في محاولة أخرى، هي مسرحية هنري الخامس، تخرجها بالألوان الطبيعية، وهي محاولة جدية عساها تنجح!

أما أن أعمال شيكسبير شغلت العلماء والباحثين قرابة قرن من الزمان، فلم يكن مبعثها قوتها وعظمتها، ولكنه البحث في حقيقة كاتبها ومنشئها، وهل هو الممثل المغمور وليم شيكسبير، أم

هو شخص غيره؟

وقد ظهرت كتب عديدة في هذا الموضوع، إلى جانب المئات والمئات من الكتب التي تبحث هذه الأعمال وتشرحها وتحلل عبقرية شيكسيبر. . . وعلى الرغم من قيام هذه الحرب التي تكاد تستنفد جهود الشعوب جميعاً، أفراداً وجماعات، بمن فيهم من علماء وأدباء وشعراء وصحافيين، فإن الكتابة عن شيكسيبر لم تنقطع عاماً واحداً. . . ومن الكتب التي ظهرت عنه أخيراً - في نحو عام سابق من هذا التاريخ - كتاب للأستاذ هسكث بيرسون عن حياة شيكسيبر، وقد قال عنه برناردشو إنه عمل طيب لم يقرأ له نظيراً في التراجم القديمة التي وصفت عن المترجم له العظيم. . .

وكتاب ثان بقلم الدكتور تليارد عنوانه صورة عالم اليزابث، وآخر بعنوان طوالع فولستاف للأستاذ دوفر وليم

والكتاب الثاني يختص شيكسبير بالقسم الأكبر منه، في كلامه عن تأثير الأدب في العالم، وعمل الكتاب والأدباء والشعراء في سبيل الإنسانية والحضارة

أما الثالث فهو يدافع عن شيكسبير من الناحية الإنسانية فيما صور به هنري الرابع في تخليه عن صديقه فولستاف، ويدافع عن إنسانية شيكسبير المتطرفة وحبه للخير العميم، ضد آراء موريس مورجان. . .

وكتاب رابع بقلم إديت ستول عنوانه مفكرة شاعر، وهو يبحث في نظم سيكسبير وقوته على التعبير البعيد البليغ

وكتاب خامس، وهو موضع حديثنا في هذا المقال، وهو من الكتب الكثيرة التي شغلت الباحثين قرناً من الزمان في تلك الناحية الواحدة، والتي يتلخص بحث العلماء والأدباء في محاولاتهم ومجادلاتهم منها في: هل هذه المسرحيات كتبت بقلم شيكسبير أم بقلم فرنسيس بيكون وكيل الملكة اليزابث، وظلت تنسب إلى شيكسبير مئات من السنين؟

الكتاب الجديد

هذه المسألة حيرت عديداً من العلماء والأدباء. . .

وهذا الكتاب آخر ما ظهر عن هذا الموضوع، وقد وضعه الأديب الأمريكي المعروف إدوارد مورجان، الذي توفر على دراسة شيكسبير مدة عشرين عاماً متوالية، وخرج من هذه الدراسة بنظرية جديدة إذا صحت قلبت تاريخ شيكسبير ومسرحياته رأساً على عقب، بل غيرت كثيراً من تاريخ إنجلترا المتوسط

وقد سببت هذه النظرية الجديدة حيرة جديدة، واستحدثت حدثاً ضخماً في تاريخ الأدب الإنجليزي. وقبل أن نتكلم عن هذا الكتاب ونناقشه يجب أن نضع أمامنا ما قاله أحد نقاد الإنجليز أخيراً بصدد الكتب التي تخرجها المطبعة عن شيكسبير وأعماله: (إن الكتب التي توضع عن شيكسبير شتيت مختلف، فبعضها دون، وبعضها جنون، على أن غالبيتها تحدث عن الناقد نفسه لا عن شيكسبير وأعماله، ولكنها جهود مشكورة على أية حال!)

يدعى مورجان أن الإجابة الصحيحة لكل المحاولات والمناظرات والبحوث السابقة يتلخص فيما يلي من الحقائق التي ضمنها كتابه، ونحن نأتي على بعضها ونناقشه فيما يلي:

1 - هل مات إدوارد السادس صغيراً؟

يقول مرجان إن فرنسيس بيكون كتب المسرحيات المعزوة إلى شيكسبير، ولكن بيكون كان في نفس الوقت، هو ملك إنجلترا إدوارد السادس الحقيقي!

فالمعروف في تاريخ إنجلترا أن هذا الملك المعجزة، الخارق الذكاء، مات فجأة وهو فتى في السادسة عشرة من عمره. ولكن مورجان، على ذلك، يدعي أن ادوارد الصغير لم يمت في هذه الباكرة ولكنه اختفى فجأة اختفاء غامضاً مريباً

2 - الرسالة الخفية

يعلم كل الأدباء الذين درسوا شيكسبير جيداً، أن هناك دلائل وقرائن تثبت أن مؤلف روايات شيكسبير حاول أن يحمل أعماله رسالة خفية بين سطورها. . .

ولكن هؤلاء الذين يعتقدون أن شيكسبير حاول أن يلمح إلى أنه بيكون نفسه تجابههم هذا الحقيقة: لماذا كان بيكون، وهو ذو الشخصية القوية الممتازة في البلاط، والقاضي الفاضل رفيع الشأن والفيلسوف العظيم، يحاول، أو يرغب في إخفاء حقيقة شخصيته، ويمنح الخلود لممثل وضيع مجهول اسمه شيكسبير؟

هذه المسألة المعقولة تهلهل ما نسجه هؤلاء الذين يقولون أن شيكسبير هو بيكون. فقد كان من السهل على بيكون أن يكشف عن نفسه كمؤلف لتلك المسرحيات وهو ما تقدم من تلك المكانة الأدبية، لو لم يكن في المسألة سر أعظم من هذا وأمر أشد خطراً. . . يبدو لنا من النقطة التالية. . .

3 - هل كان الملك وكيل الملكة؟

وهذا الرأي المعقول يؤيد وجهة نظر مورجان تأييداً قوياً. فهو يعتقد أن فرنيس بيكون كان أكثر من كاتب متحجب. لقد كان شخصية متحجبة أيضاً؛ فهو شخص فر من الجلوس على عرش خطير، محاط بالدسائس والمؤمرات، إذ لم يجرؤ على الكشف عن شخصيته الحقيقية خوفاً من (نصف أخته) القوية، إليزابث، التي نصبت على عرش إنجلترا عام 1558، حتى لا تقتله

ويعتقد مورجان أن اليزابث عرفت أن وكيلها في الملك، فرنسيس بيكون، كان ابن والدها نفسه، هنري الثامن، من زوجته الثانية جين سيمور، وإنه سيكون - تبعاً لذلك - خطراً شديداً على عرشها، إذا طالب به

ولكن، هل هناك سبب معقول يجعلنا نعتقد أن هذا الغلام، صار قادراً فيما بعد من سنيه المتأخرة، على أن يكتب هذه الأعمال التي نحلها وليم شيكسبير؟

بالتأكيد هناك سبب معقول!

كان هذا الملك، وهو طفل صغير، مشهوراً في البلاط أنه طفل عجيب معجز، مفرط في الذكاء والقوة العقلية، حتى سموه سليمان الثاني!

فقد كان وهو في السابعة من عمره، شاعراً ورساماً، وقد حذق اللغة اللاتينية حذقاً تاماً. . .

ولما بلغ الثالثة عشرة من عمره كان يترجم اللغة اللاتينية! ويحتمل بل يرجح، أنه اتفق مع (نصف أخته) أي أخته من أبيه، الملكة اليزابث، على أن يكتب أعماله الأخرى تحت اسم فرنسيس بيكون. . . ومن الناحية الثانية، باستعماله اسم الممثل المجهول شيكسبير لمسرحياته. . . ولا يكون بذلك خطراً على عرش (نصف أخته) حتى في تلميحاته الخفية بين سطور كتاباته فماذا يكون دخل هذا الممثل المجهول المدعو شيكسبير في عرش إنجلترا، وما هي علاقته به؟

في عام 1553، أعلن أن إدوارد الصغير مات فتربعت على عرش إنجلترا اللادي جين جراي، ولكنها قتلت بعد تسعة أيام من حكمها. وعندئذ حكمت ماري تيودور مدة قصيرة، ثم خلفتها اليزابث عام 1558

وكانت هذه الفترة من التاريخ الإنجليزي فترة دموية من دسائس ودماء

وإذا كان إدوارد حياً، ومختفياً كان لديه من الأسباب ما يجعله يخشى على حياته إذا ظهر وطالب العرش فآثر السلامة الشخصية على العرش

على أن اختفاءه المفاجئ، وإن ظل سراً مكتوباً، جعل كثيرين من الناس يشكون في أنه مات حقاً

ويقول مورجان. إن الأوراق الرسمية في سنة 1599 تثبت أن عدداً كبيراً من الناس ألقى عليهم القبض، لأنهم أعلنوا أن إدوارد السادس حي لم يمت. وكان حينئذ عمره يقرب من الستين عاماً. . .

وكثير من الكتاب والشعراء لمحوا في كتاباته إلى أن الملك الصغير إدوارد لم يمت، فهذا الشاعر (مايكل دريتون) يقول من قصيدة:

(إن الملك إدوارد السادس، المفضور في حياته القصيرة، (مع الربية في هذا) ولكنه ترك المملكة)

4 - في منزل بيكون

ويستمر مورجان في كلامه فيقول ثانياً:

إن هناك برهاناً آخر، وهو أن المنزل القديم، الذي كان يعيش فيه بيكون، في سانت البان، كان مكتوباً على باب الحجرة الخاصة التي ينام فيها أسماء جميع الملوك الإنجليز من وليم الفاتح إلى جيمس الأول الذي ارتقى العرش بعد الملكة اليزابث. وبين اسمي اليزابث وجيمس يوجد اسم آخر يكاد يكون مطموساً ولكنه يبدأ بحرف. . . وهو أول حرف من اسم إدوارد

ومن المحتمل جداً أن يكون بيكون في نزوة تهكمية ساخرة كتب اسم إدوارد هناك، وهو يعني به نفسه!

5 - طغراء

وهنا يذكر مورجان برهاناً قوياً على صدق نظرياته. ويبدو معقولاً إلى حد بعيد. . . يدلل به على أن شيكسبير وبيكون، لم يكونا غير شخص واحد هو إدوارد السادس. . .

وهذا هو البرهان:

في بعض مسرحيات شيكسبير توجد هذه الطغراء. . .

فالأولى نعني الحرف الأول من إدوارد، والحرفان السادس

والثانية تعني إدوارد ركس

والثالثة تعني إدوارد تيودور

وهذه الطغراء نفسها وجدت بالذات في بعض أعمال فرنسيس بيكون

6 - القرد في اللحية

ويلفت مورجان أنظارنا إلى صورة زيتية لفرنسيس بيكون، وجدت في كتابه المعروف

فإذا قلبت هذا الرسم وجعلت رأسه إلى أسفل، وجدت في لحية الرسم الغربية شكلا لوجه قرد!

وتذكر سجلات التاريخ أن إدوارد السادس كان مغرماً بقرد يعتز به إلى درجة بعيدة، وكان هذا القرد يجلس دائماً على كتف نديم هذا الملك. . . كهذا الرسم:

7 - نقش في الخشب

ودليل أخر. . .

فقد وجد كتاب اسمه بقلم مؤلف مجهول باسم هنري بتشام، ويظهر في هذا الكتاب رسم عليه نقش في الخشب يحمل هاتين الكلمتين اللاتينيتين ومعناها ساكون مرئياً في العقول، ولكن الغريب في أمر هذا النقش أن نقطة وضعت وضعاً شاذاً بين الكلمتين، لأن هذه النقط لا توضع في اللغات الإفرنجية إلا في آخر الجمل، ولكنها موضوعة بين الكلمتين، فتجعل من أخر الكلمة الأولى، وأول الكلمة الثانية هذه الحروف:

وهذه هي الحروف الأولى من اسم: تيودور إدوارد السادس، كما في هذا الرسم، والكاتب يخفى نفسه خلف ستار!

(البقية في عدد قادم)

حسين غنام