انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 56/حيرة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 56/حيرة

ملاحظات: بتاريخ: 30 - 07 - 1934



إن روحي في الفضا حيرى تحوم ... مثل طير ضل عن سرب الطيور

واشتهى الشمس فأخفتها الغيوم ... واشتهى الريح فظنت بالمسير

فانثنى تهلو جناحيه الهموم ... ودعا يشكو ويبكي في دعاه

إن روحي ترتقي هذا الفضاء ... وهو ليل مظلم رطب فسيح

فيحيط القدس قلبي بالهناء ... وأحس الشك في صدري يصيح

وظلام الجو للشك وعاء ... وانفساح الأفْق للروح صلاه

هذه شتى انفعالات النفوس ... كرياح البحر تأتي عاصفات

جافلات في عَرا قلبي تجوس ... دون وعي منه بل دون التفات

أي وعي عند تهتان الكؤوس ... للذي استعبدت الراح هواه؟

ما أرى جرماً ولا قبحاً بدا ... لم يكن يغمر نفسي بعضه

أو جمالاً أو حناناً أو هدى ... لم يكن يعمر نفسي فيضه

سكن العيش فؤادي والرّدى ... وفؤادي بهما يقضي مناه!

عقد الكون بنفسي الاتصال ... فكأن الكون مني قطعةٌ

وجرى الدهر عليه كخيال ... هو مما في جفاني صورةٌ

ما احتياجي للمطايا والرحال! ... إنني للدهر والكون نواه!

الظلام الوحش حولي لا يريد ... عن محيا الحق إلقاء النقاب

فهو يغريني به كي أستزيد ... ثم يمهيه أمامي كالسراب

ليتني ألقى غشاء من حديد ... دامج الليل على عيني رماه!

لست أخشى الحق بل أخشى الوجود ... وأخاف الزهر يبكي للنسيم

وأخاف البحر هدّار الوعيد ... وأخاف الطير يشدو كاليتيم

وأخاف الغصن يذوي كالشهيد ... وتلاشيه المنايا في صباه

إنني أخشى بنفسي الانفراد ... ثم أخشى الناس أن تجمع بي

كم يصيح الدمع في ليل الفؤاد ... كهزيم عاصف مضطرب!

إنما الحيرة في فهم المراد ... مثل داء يجهل الطب دواه

أنا من شئ إلى شئ أفر ... حول نفسي مثل مخمور أدو عقرب وسط لهيب مستعر ... لا يرى فيه سبيلاً للعبور!!

كُتب الهم على لوح القدر ... يوم حار الفهم في الفهم في معنى الحياة

هتفت عيناي بي تشتكيان ... قسوة الظلمة: خوفاً وعمى

وهما من كل نور تخشيان ... ما يوارى: حَرَقاً أو عَدَما

الحياة النور والنور الأمان ... والظلام الخوف والخوف الحياة!

انظرا هذا شعاع الحق لاح ... كشهاب يرتقي عرش السماء

كلما جثناه عن قرب أشاح ... فهو كالشمس التي تطوي الفضاء

يتبع الطفل خطاها في الصباح ... علها تقرب. . . ما جدوى خطاه؟

يا شعاع الحق في ماذا الفرار ... أترى لقياك تعمى بضرى؟

أنت للقلب ملاذ ومنار ... فأَنِر قلبي وأطفئ نظري

إن يكن لابد من حمل الستار ... لن تضئ العين للقلب عماه

باريس

حسن عارف