انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 55/لماذا أخفقت جمعية الأمم في نشر السلام في العالم؟

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 55/لماذا أخفقت جمعية الأمم في نشر السلام في العالم؟

مجلة الرسالة - العدد 55
لماذا أخفقت جمعية الأمم في نشر السلام في العالم؟
ملاحظات: بتاريخ: 23 - 07 - 1934



للكاتب الإنجليزي الشهير

(ولز) من أعظم كتاب العالم اليوم، أصالة رأي وقوة بيان، يزيد كتاباته روعة نزعته الإنسانية الصادقة التي تتجلى في كل ما يكتب. لا يشاطره مكانته الرفيعة في عالم الأدب الغربي من كتاب اللغة الإنجليزية سوى (برنادشو) الكاتب الالرندي الشهير بنقده اللاذع. غير أنه يختلف عن (شو) في أنه لا يقتصر على هدم الأنظمة الاجتماعية التي يتراءى له فسادها، وإنما يكلف نفسه عناء خلق أنظمة جديدة تخلفها. فهو يهدم ليبني، وينتقد ليصلح.

من أحدث ما كتب (ولز) ومن أروع ما أنتج، كتابه (شكل الأشياء القادمة) الذي بحث فيه ما يكون عليه العالم في سنة 2116؛ فقد تصور شخصاً يعيش في هذا التاريخ، أخذ يدرس تطورات العالم الاجتماعية منذ سنة 1913، حيث انتهى ذلك التطور بحكومة عالمية يعيش فيها كل فرد سعيداً، لا استعباد فيها ولا استبداد، ولا احتكار ولا منافسة.

وليُلمّ قراء الرسالة الذين لم تصل أيديهم إلى هذا الكتاب بعض ما فيه، ترجمت فصلاً منه بالعنوان المذكور آنفاً ترجمة حرة مختصرة:

بحث في الفصل السابق لهذا الفصل معاهدة فرسايل بحثاً مستفيضاً وانتقدها انتقاداً مراً، ثم أخذ في هذا الفصل يشرح أسباب فشل جمعية الأمم كما يأتي:

(قبل أن نضرب صفحاً عن ذكر (ويلسون)، ذلك الرجل الخيالي، يجدر بنا أن نلفت الأنظار إلى العوامل التي أدت إلى فشله.

لم تكن شخصيته مكتملة للميزات الضرورية لنجاح الهدف الذي كان يرمي إليه. ولكن هذا النقص يجب ألا يجعلنا نتناسى استحالة تحقق مطمحه في ذلك الوقت.

فأنانيته الضيقة، والروح الانتقامية التي عوملت بها دول أوربا الوسطى وما إلى ذلك، جعلت من الخطر مجابهة العالم غير المستعد آنئذ بجمعية أمم.

فلم يكن في ذلك الوقت استعداد فكري كاف لقبول نظام عالمي؛ و (الحكومة العالمية) أو الحكومة الحديثة الحاضرة كانت مجرد فكرة غامضة لم تبحث جيداً. فلا ريب إذن أن وليسون تسرع في خلقه جمعية الأمم، إذ كان لزاماً أن ينتشر علم النفس الاجتماعي، وأن يطبق قبل القضاء على فوضى الحكومات الملكية واستبدالها بسلطة مركزية.

غير أن ويلسون الذي لم يسبر غور الواجب الذي ألقي على عاتقه، ولم يحط بما يكتنفه من عقبات، رأى من غير روية ولا تبصر، انه من السهل عليه توحيد البشر. فقد حاول أن يرتق نظام ذلك الزمن البالي، وأن يجيزه كنظام جديد.

لم يحلم بتهذيب نظام النقد، ولم يفكر بالحاجة إلى انتشار النظام الاشتراكي في العالم، وانقلاب النظم التربوية انقلاباً شاملاً، قبل أن يكون في الإمكان استقرار السلام في العالم.

ولكن على الرغم من كل نقائصه يظهر أنه كان أبعد رجالات زمنه نظراً.

فجمعية الأمم هذه غير الناضجة، والعديمة الأثر، لم تساعد على توطيد السلام الدولي، وإنما على العكس من ذلك كانت حجر عثرة في سبيله؛ إذ منعت الناس أن يفكروا تفكيراً حراً في هذا الموضوع.

ومن المؤسسات التي وجدت لمساعدة جمعية الأمم وعرقلة مساعي ناقديها (جمعية الأمم البريطانية) فكانوا يقولون بأن (وجود جمعية الأمم خير من عدمه). وقد فاتهم أن البد الخاطئ أسوأ من عدمه.

في العشر سنين التي تلت الحرب العالمية لم تكن أفكار مجددة في السياسة العالمية يؤبه لها، ولم يرجع البشر إلى بحث توحيد العالم، إلا بعد أن ثبت لهم ثبوتاً لا شك فيه عدم صلاحية جمعية الأمم للغرض الذي كونت من أجله.

ظلت حركة (الحكومة العالمية) في الاثنتي عشرة سنة التي تلت تلوح وتختفي. وكان من الضروري أن تتوحد جهود محبي السلام والشيوعيين والاشتراكيين، وكل من سار على نهجهم من الذين حاولوا حل المعضلات الاجتماعية، وكانوا لا يزالون يقضون أوقاتهم في مناضلة بعضهم وفي التراشق بالتهم.

وعلى كل فقد انقضى منتصف القرن العشرين قبل أن يتسع نطاق الدعاية في العالم (للحكومة الحديثة).

نابلس

عبد القادر صالح