انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 549/على ضفاف الجحيم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 549/على ضفاف الجحيم

شلي
مجلة الرسالة - العدد 549
على ضفاف الجحيم
ملاحظات: بتاريخ: 10 - 01 - 1944



(إلى ذلك الروح الذي نفث القدر في دمي معناه فأخرس كبريائي ومزق رغباتي وصرب على مشاعري جواً من الضباب، تخبط فيه حكمتي وتتعثر أشواقي)

علام أبعث للدنيا بأنغامي ... لا الظل ظلي ولا الأنسام أنسامي

// لا الشمس في ضحوتي أسعى بموكبها ... ولا الحقيقة في آفاق إلهامي

هيمان أطوي الليالي البيض في سَغَب ... تُفَلسِفُ الوزر والحرمان أوهامي

حيران تصطرع الأهواء في خلدي ... وساوس الشك في صحوي وأحلامي

مروّع العقل والوجدان ذو أمل ... مشترد الرأي أفّاق الخطى ظلمي

موزَّع الحسِّ مخدور المنى شَرِقُ ... مفزع القول هّدامٌ لأصنامي

دنياي خلوُ من الأفراح يا عجباً ... علام أبعث للدنيا بأنغامي

هنا ذوت حكمتي وانهار إيماني ... وعربد الشك في عقلي ووجداني

بالأمس كنت هنا قديس حانتهم ... أحدو الجنون وأحدوها بألحاني

أجامل الزور في أفواه من شربوا ... وآخذ القول بهتاناً ببهتان

جُنَّ الجميع فهذا عبد شهوته ... وذاك تاجر زهدِ بين رهبان

باقة الراح هاجت إفك مسرحهم ... كلُّ وفي يده مصباح شيطان

حقيقتي فوق ما في الكأس من سَكَرٍ ... فلم أُجَنَّ ولكن جُنَّ حرماني

من لي بسبعة أيقاظ لأنشدهم ... هنا ذوت حكمتي وانهار إيماني

يا وحدتي بين نادي الصحب والآل ... كلُّ بمثل ولم أظفر بأمثال

أنا الغريب ونفسي في مجاهلها ... حيرى تلَفَّتُ عن قومي وآمالي

تهفو إلى النور في جوع وفي ظمأِ ... كأنها ذلة في وجه رئبال

تمضي على الشوك لا تشكو تعثرها ... ولا يفزَّعها تحويم أهوالي

مضى الشباب سدىً ما كان أجمله ... لو لم أُقَضِّ سنيه بين أغلالي

طويت أيامه إِثماً وسخريةُ ... أصانع الإفك في حلي وترحالي

من يفهم النفس إن أفضت بقولتها: ... يا وحدتي بين نادي الصحب والآل

أخرجت من معبد الأوهام خفَاقي ... وعشت في حكمتي مجنون آفاق

هدمت محرابي الأسمى وكم سجدت ... على قداسته روحي وأشواق أحرقت إنجيله كفراً وكم خشعت ... نفسي لما فيه من نور وإشراق

ماتت صلاتي وكانت آيُها سكناً ... لما أكابد من يأس وإملاق

خلا المصلى وطافت حول هيكله ... معالم المجد في صمت وإطراق

وأطفأ المعبد الوضاء راهبه ... وودع القدس في زيغ وإشفاق

وأرسل الحكمة الهوجاء هاتفة: ... أخرجت من معبد الأوهام خفاقي

(كلية الآداب)

محمد العلائي