انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 542/حكاية الوفد الكسروي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 542/حكاية الوفد الكسروي

ملاحظات: بتاريخ: 22 - 11 - 1943


7 - حكاية الوفد الكسروي

لأستاذ جليل

6 - يقول علقمة بن علاثة:

(. . . إنا وإن كانت المحبة أحضرتنا والوفادة قربتنا فليس من حضرك منا بأفضل ممن عزب عنك)

هذا تركيب مولد، ومثله قول الإمام مسلم بن الحجاج في مقدمة كتابه (الجامع الصحيح)

(فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخباراً يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالصنف المقدم قبلهم، على أنهم وإن كانوا فيما وصفنا دونهم، فإن اسم الستر وتعاطي العلم يشملهم كعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد وليث بن أبي سليم وأضرابهم من حمال الآثار ونقال الأخبار، فهم وإن كانوا بما وصفنا من العلم والستر عند أهل العلم معروفين فغيرهم من أقرانهم ممن عندهم من الإتقان والإستقامة في الرواية يفضلونهم في الحال والمرتبة.)

قال صاحب الكليات:

(الفاء في خبر المبتدأ المقرون بأن الوصلية شائع في عبارات المصنفين مثل زيد وإن كان غنياً فهو بخيل) وأورد أقوال نحاة أتعبوا أنفسهم في إعراب هذا التركيب. واعلم أن ما أصله مبتدأ حاله كحال المبتدأ

يقول عامر بن الطفيل:

(ما هيبتي في قفاي بدون هيبتي في وجهي)

دخول الباء على دون لم يجئ في كلام جاهلي أو إسلامي، وقول الأخفش في كتابه في القوافي وقد ذكر أعرابياً أنشده شعراً مكفئاً: فرددنا عليه وعلى نفر من أصحابه، فيهم من ليس بدونه) - مولد. ومثله قول ابن الفرضي:

إن الذي أصبحت طوع يمينه ... إن لم يكن قمراً فليس بدونه

وقد ورد مثل ذلك في كلام معزو إلى صاحبي وهو دليل على صوغ القول وتوليده

يقول قيس بن مسعود الشيباني:

(لم نقدم أيها الملك لمساماة، ولم ننتسب لمعاداة) تعدية الانتساب بغير حرفه مولدة، وفي (المقامة. .) في قولها: (فلا يدخل رجل في غير قومه، ولا ينتسب إلى غير نسبه) التعدية العربية القديمة

يقول عامر بن الطفيل:

(. . . ولبس القول أعمى من حندس الليل)

بناء (أفعل) من عمى غير جائز؛ قال الرضي: (لكون بعضها مما لا يقبل الزيادة والنقصان كالعمى)

والشاذ في هذا الباب معروف. وقول عامر يكاد يكون عصرياً. . .

وأما القول العربي الكريم: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً)

فالثانية فيه مثل الأولى، وليست بمعنى (التي تقتضي من) كما قال العكبري. وقال الزمخشري: (قد جوزوا أن يكون الثاني بمعنى التفضيل) وأنا لا أرى ذلك، والطبري يقول: (. . . عمى البصر لا يتفاوت فيكون أحدهما أزيد عمى من آخر إلا بإدخال أشد أو أبين. فليس الأمر في ذلك كذلك، وإنما قلنا ذلك من عمى القلب الذي يقع فيه التفاوت، فإنما عنى به عمى قلوب الكفار عن حجج الله التي قد عاينتها أبصارهم فلذلك جاز ذلك وحسن)

ممن اطمأن في هذا العصر إلى كلام النعمان عند كسرى وأخذ قولاً عربياً جاهلياً خالصاً - العلامة اللغوي الكبير الشيخ إبراهيم اليازجي، قال في مقدمة كتابه (نجعة الرائد):

(. . . إن من اطلع على المأثور من كلام العرب. . . أيقن أن هذه اللغة قد انفردت عن سائر اللغات فصاحة وبياناً، كما انفرد أربابها في مذاهب البلاغة تبسيطاً وإفتناناً. وحسب الناظر أن يسرح طرفه في بليغ منقولها، ويتأمل ما جاء من البدائع في محكم فصولها، من مثل مقالة النعمان في النضح عن أحساب العرب، وما ورد عن الإمام علي من نوابغ الأمثال وروائع الخطب، وما جاء بعد ذلك من أقوال مصاقع الخطباء في صدر الإسلام. . .)

وقال في المقدمة في مقالة النعمان:

(كان من حديث ذلك أن النعمان بن المنذر وفد على كسرى وعنده وفود الملوك من الهند والصين والروم وغيرها وتذاكروا أقوامهم وملوكهم، فتكلم الملك النعمان، وافتخر بالعرب، وفضلهم على سائر الأمم، ولم يستثن الفرس، فدخل كسرى منه شيء، وتكلم فطعن في العرب، فأجابه النعمان جواباً طويلاً. . .)

ثم نشر مقالة النعمان في مجلته (الضياء) في السنة (7) في الصفحة (460) أجابه الأدباء من قراء مجلته سألوه عنها

وإن كلاماً عربياً جاهلياً منثوراً ليحرص كل أديب أن يقف عليه ليعرف كيف كان الجاهليون - يا أخا العرب - ينثرون كما يحرص أن يقف على أقوال الصحابة (رضي الله عنهم أجمعين) وعلى أقوال التابعين (رحمهم الله)

أجتزئ من أدلة الوضع بما أوردت وأختم مكتوبي هذا بالثناء على (الرسالة) الغراء وعلى الشاعر الناثر الأستاذ محمد عبد الغني حسن الذي دعا أدبه وفضل فيها إلى تأليف هذه السطور.

(ن)