انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 537/الإسلام والفنون الجميلة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 537/الإسلام والفنون الجميلة

مجلة الرسالة - العدد 537
الإسلام والفنون الجميلة
ملاحظات: بتاريخ: 18 - 10 - 1943


5 - الإسلام والفنون الجميلة

للأستاذ محمد عبد العزيز مرزوق

ولقد حرم القرآن الكريم الصور المجسمة التي تتخذ للعبادة (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) والأنصاب هي الأصنام التي تعبد من دون الله كما ذهب إلى ذلك المفسرون. أما التصوير باعتباره أحد الفنون الجميلة، فلم يتعرض له القرآن بشيء بينما تناولته كتب السنة المعروفة بشيء من التفصيل إذ ورد بشأنه نحو مئة وسبعين حديثاً: طائفة منها تنص على لعن المصور، وطائفة تمنع بيع الصور، وطائفة تذكر أن أصحاب الصور يوم القيامة يعذبون، وطائفة تبين إثم من يصنع الصور، وطائفة تحظر استعمال ثوب فيه تصاوير، وطائفة تشير إلى أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وطائفة أباحت تصوير ما ليس فيه روح، وطائفة رخصت في التصوير على الوسائد وما أشبهها

ويجمع علماء الدين الإسلامي على حرمة الصور المجسمة ما لم تكن صغيرة تتخذ لعباً للأطفال أو ناقصة الخلقة لا تستطيع أن تعيش إن قدر ونفخت فيها الروح. أما الصور المسطحة، فقد انقسموا حيالها إلى قسمين: قسم يرى حرمتها، وقسم يرى إباحتها. ويشك المستشرقون في صحة الأحاديث التي تنص على حرمة التصوير ويرون أنها مكذوبة على النبي افتعلها فريق من الفقهاء تحت تأثير اليهود الذين اعتنقوا الإسلام - والتوراة تنهى عن التصوير كما بينا آنفاً - أو ترغيباً في التقشف والبساطة في العيش وتنفيراً من الإقبال على الترف، أو كراهتهم للتصوير نفسه باعتباره من أسلحة السحر. ويرى هؤلاء المستشرقون تبعاً لذلك أن النبي لم يكره الصور ولم ينه عن اتخاذها، وأن تحريمها لم يظهر إلا بعد وفاته بنحو قرن ونصف عندما أخذ الفقهاء يجمعون الأحاديث النبوية

ويقف علماء الآثار من هذا الموضوع موقفين متناقضين: فبعضهم يؤيد المستشرقين فيما ذهبوا إليه ويسوقون الأدلة على ذلك بوجود الصور على النقود التي كان يتعامل بها المسلمون مثل الدولة الأموية، وعلى السكة التي ضربها الأمويون والعباسيون، ثم بتلك الصور التي وجدت في بعض أبنية الأمويين والعباسيين والسلاجقة، وبعضهم يرى أن التصوير كان مكروها في الإسلام وهذه الكراهية ترجع إلى عصر النبي والواقع الذ شك فيه أن سواد المسلمين من شيعة وسنيين لم ينظروا إلى التصوير نظرة الارتياح؛ ولذلك لم يكن مجالاً لنشاط أغلب فنانيهم. على أن الذين ترخصوا فيه زاولوا رسم الأحياء في كل العصور الإسلامية تقريباً: في القرن الثاني بعد الهجرة في قصير عمرا، وفي القرن الثالث في قصور (سر من رأى)، وفي القرن الرابع في الحمام الفاطمي بالقاهرة، وفي القرن الخامس في مدينة الزهراء، وفي القرن السادس في قصر الحمراء، وفي القرن السابع في ديار بكر وقونية. وفي مثل هذه الأمثلة التي ذكرناها صور آدمية وحيوانية مسطحة ومجسمة تنطق بأن الفنان المسلم في هذه الناحية قد أجاد إجادة نسبية بالقياس إلى عصره.

على أن عبقريته الفنية لم تتجل في هذه الناحية بقدر ما تجلت في المخطوطات، فقد شغف المصورون المسلمون بتجميل المخطوطات وتزيين كتب العلم والدين والأدب والتاريخ والصناعة بصور تفسر ما تتضمنه من بحوث وحوادث وما تتناوله من الآلات والحيل الميكانيكية.

فكراهية التصوير كان لها أثر بعيد في الفن الإسلامي إذ كان عاملاً فعالاً في نضوج تلك الزخارف الإسلامية الرائعة التي لم ينتج مثلها فن من الفنون السابقة على الإسلام أو اللاحقة له.

(يتبع)

محمد عبد العزيز مرزوق