انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 53/من طرائف الشعر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 53/من طرائف الشعر

ملاحظات: بتاريخ: 09 - 07 - 1934



البلبل المسحور

لشاعر الشباب السوري أنور العطار

أَلهَمْنتيالشِّعْرَ وَأَنْغَامَهُ ... وَحَسْرةَ الذكْرَى وَشَجْو الهَوَى

وَحَيْرَةً صَاحِبُها ذَاهِلٌ ... مُرَوَّعٌ يُضْنِيِهِ فَرْطُ اْلأَسَى

نَاَدْتكِ رُوحي في دُجَى صَمْتِها ... مَمْرُورَةً غَلْغَلَ فِيها الْجَوَى

وَاسْمُكِ حَوَّامٌ يُنَاغَي فَمي ... قَلْبي طَوَاهُ وَلِساَني رَوَى

وَطَيْفُكِ الرَّفَّافُ في خاطِرِي ... يُنَضِّرُ المَاضي وَيُحْي الْمُنَى

آمَنْتُ بالْحُلْمِ فَكَمْ مَأْمَلٍ ... مُسْتَبْعَدٍ أَدْنَتْ خُطَاهُ الرُّؤَى

وَعَالَمٍ ضَلّلَني لُغْزُهُ ... مَدَّ عَلَيْهِ جُنْحَهُ فَانْجَلَى

يُطْمِعُني في عُزْلَتي أَنَّني ... أَرَى بِسِتْرِ الْغيْبِ مَا لاَيُرَى

أعي حَدِيثاً حَافِلاً بالرِّضاَ ... يُهَدْهِدُ الْقَلْبَ إِذَا مَا وَعَى

وَتَسْكُنُ النَّفْسُ إلى نَغْمَةٍ ... هَابِطَةٍ مِنْ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى

كم صُغْتُ أَشَعْارِي مِنْ وَحْيهِا ... وَكم تَغَنَّيْتُ بِهَا في الدُّجَى

قُلتُ لِنَفْسي في سُجُوِّ الرُّؤَى ... لَمْ آتِ دُنْيَايَ لَعَمْري سُدَى

لئن شَجَاني أَنَّني مَيِّتٌ ... لَقَدْ نَفَى شَجْوي أَنّي صَدَى

كَتَبتُ رُوحي قِصَّةً لَذَّةً ... وَصُغْتُ قَلْبي نَغَماً يُشْتَهَى

لَيْسَ يَنَالُ التُّرْبُ مِنْ مُهْجَتي ... وَلاَ يُذِيبُ اللَّحْنَ مِنْها الْبِلَى

طَوفَتِ الأَفْلاَكَ في سَبْحِهَا ... كَأَنَّها مَا حَفَلَتْ بالرَّدَى

أترَعَتِ الدُّنْيا شَذاً بَاقِياً ... وَغَلْغَلتْ طَيَّ الرِّحَابِ الْعُلَى

أغاضَنَي مِنْ فَرْحَتي حَسْرَةً ... مِنْ بَدَّلَ الضِّحْكَ بِمُرِّ الْبُكا

مَرَرتُ في دُنْيايَ مُسْتعجِلاً ... كأَنَّني في الغُمْضِ طَيفٌ سَرَى

تُزَيِّنُ الأحْزَانَ لي عِيشَتي ... وَتَرْسُمُ الشَّكَّ وَتَمْحُو الهُدَى

يَئِسْتُ مِنْ صَحْوي وَمِنْ غَفْلَتي ... كِلاهُما بَعْضُ خَيَالِ الكَرَى

أَسْلو، وَمَا سَلْوايَ إِلاَّ الْبُكا ... أَحْيَا، وَمَا عَيْشي إِلاَّ الشَّجَ ضاَعَتْ أَمَاني وَلَمْ يَبْقَى لي ... في عُمُري مِنْ أَمَلٍ يُرْتَجَى

وَلَمْ يَعُدْ لي مَطْمَحٌ مُشْرِقٌ ... إِلا انتحَاهُ الَمْوتُ نَضْرَالصِّبَا

أَمْسِ صِبَايَ الغَضُّ وَدَّعْتُهُ ... وَغَابَ عَنِّي في سَحِيقِ الْهُوَى

وَذَا شَبَابي الْيَوْمَ مُسْتَرجَعٌ ... يَمْشي إِليَ الَمْوتِ حَثِيثَ الخُطَى

وَقَلْبي الموْجُوعُ مَا يَأْتَلي ... يُمْعِنُ في النَّوْحِ إِذَا مَا اشْتَكى

حَنَّتْ إلى المَاضي جِرَاحَاتُهُ ... وَجُرْحُهُ قُدِّسَ لَمَّا مَضَى

آهاً عَلَى نُعْمى تَخَيَّلْتُها ... مَا جَزِعَتْ أَنْ هَدَّمتني ضَنَى

تَعْتَادُني الأَشْجَانُ في وَحْدَةٍ ... لا فَرَحُ يُسْعِدُهَا أوْ سَنَا

دَاجِيَةٍ نَكْرَاَء طَفَّاحَةٍ ... بالسُّهْدِ وَالبَلوَى وَبَرْحِ الأَذَى

العَدَمُ الرَّاعِبُ فيها لَقىً ... تَحْسِرُ عَنْ أَسْرَارِهِ مَا اخْتَفَى

وَالوَهْمُ مَلْمُوسٌ بِهَا بَيِّنٌ ... وَالغَيبُ فِيهَا ماثِلٌ يُجْتَلى

بُلْبُلُكِ الَمسْحُورُ يَا فِتْنتي ... مَاتَ، وَعُشُّ الحُبِّ مِنْهُ خَلا

الوَرْدُ قَدْ جَفَّ عَلى قَبْرهِ ... وَالنَّغَمُ المِطْرَابُ فيهِ ثَوَى

فَأَرْهِفِي أُذْنَكِ تَسَّمَّي ... إِنْشَادِهُ مِنْ جَوْفِ هَذَا الثَّرى

يَاطَيْفَهَا قَاسَمْتَنى وَحْشَتى ... وَظَلتَ في قُربى برغْمَ النَّوَى

عِشْ في فُؤادي بُلْبُلاً نَاغِماً ... وَابْقَ أَنِيساً ليَ طولَ المَدَى

أَسْمِعْني الأَلحانَ عُلْوِبةً ... وَأَنسِني الدُّنيا وَهَذَا الوَرَى

وَطُفْ بِرُوحي عَالماً سَامِياً ... عَاشَ بهِ الحُبُّ وَمَاتَ الْقلَى

تَعْتَنِقُ الأَملاكُ في سَاحِهِ ... وَيُسعدُ المُشتَاقَ فِيه اللقَا

دمشق

أنور العطار