انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 527/الله!. . .

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 527/الله!. . .

ملاحظات: بتاريخ: 09 - 08 - 1943



للأستاذ أحمد الصافي النجفي

بلغت ما يصبو إليه الورى ... وغير ذا ما أتمناه

أرضيت بالشعر البرايا وما ... أرضاه إن لم يرضه الله

الله أستاذي وكل الذي ... خطَّ يراعي فهو أملاه

لا مبدع إِلاَّه، لا ناقد ... سواه، ما يأباه آباه

أخجل من عرض قنوتي له ... وإن تكن بعض عطاياه

أبدلت فني بخشوعي فأن ... يُقبَل فذا ما أتوخاه

شوَّهتُ فنَّ الله إذ رمتُ أن ... أريد بالفن مزاياه

أحتقر الناس وإعجابهم ... ومن هُم؟ لا شيء إلاه

لولا تجلّيه على خلقه ... لقلت هم والوهم أشباه

الله نور الأرض نور السما ... ما أنا، ما العالم، لولاه؟

أعمى الورى من لا يرى نوره ... ألم يشاهد؟ أين عيناه؟

أعمته عيناه وأغفى على ... عمى فلم تَصدُقه رؤياه

تاه من النور وكم معشر ... إن تزد النور لهم تاهوا

كم تكذب العين بما تدعّي ... فأوضح العالم أخفاه

أراه في الكون بعين الحجى ... لا أشرك العين بمرآه

إذا ادعَّى عقلك إنكاره ... فأنكر العقل ودعواه

معْظِمي كونيَ من فيضه ... مصغّري فهميَ إياه

عجبت من ساع إلى غيره ... والكلّ لفظ هو معناه

تألّه البعض شعوراً به ... فصاح في جبّتيَ الله

ولو رآه لهوى مثلما ... موسى هوى من طور سيناه

أعْرَف بالله امرؤ شاعرٌ ... يدرك في الكون خفاياه

آمنت بعد الكفر مستغفراً ... عن جهل عقلي وخطاياه

يأخذ مصنوع على صانع ... ما أحقر العقل وأغب وعدت للخالق أدعوه أن ... يزيد نوري يوم ألقاه

كهولتي بالله قد آمنت ... ضلَّ شبابي ودعاواه

فإن تجد ذا شيبة جاحداً ... فقل إلى الموت أحلناه

روح المعرّي فيَّ آمنت ... فأبصرتْ في الموت عيناه

عاشت بروحي روحه ترتقي ... فمذ سمتْ لاح لها الله

بدأت تلميذاً على عقله ... ثم اعتلى عقلي فأعلاه

أنضجت روح الشعر في روحه ... فاستيقظت في العقل رؤياه

واستيقظ العقل بما قد رأى ... واتحد الرائي ومرآه

وضلَّ أتباع المعّري إذ ... ظنّوه قد ظل على ما هو

خالوه من جمودهم جامداً ... لقد أساءوا لمزاياه

ما هو إلا فكرةٌ تعتلي ... حتى ترى في الكون أعلاه

أفكارنا أفكار قوم مضوا ... يتَّصل الأعلى بأدناه

مراحل الفكر بهذي الدنى ... مراحل العمر بدنياه

آخرة المرء كدنياه ... ومنتهى الفكر كمبداه

كانت بذوراً وغدت دوحة تثمر ما البذر خفاياه

ما نحن إلا فكرة لم تزل ... ترقى إلى ما قدّر الله

رسالة الغفران لم تغتفر ... للشعر كفراناً به فاهوا

وجئت في شعري مستغفراً ... عن المعرى وخطاياه