انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 521/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 521/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 28 - 06 - 1943



معنى قوله تعالى (يخرج الحي من الميت)

لقد اطلعت في مجلة الرسالة الغراء على تفسير لهذه الآية الكريمة،

ولما كنت قد فسرتها في كتابي (الحمل وخلقة الإنسان بين الطب

الحديث والقرآن) تفسيراً آخر رأيت أن أدلي به على صفحات هذه

المجلة

فالمقصود من قول الله تعالى (يخرج الحي من الميت) أي أنه تعالى يخرج الإنسان الحي من الطين الميت؛ ويشير إلى ذلك قول الله تعالى: (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين) ثم يجعله يتكون وينمو من أشياء ميتة؛ فالإنسان الحي يقتات من المواد النباتية وهي غير حية كما يقتات من لحوم الحيوانات بعد ذبحها وموتها وموت خلاياها موتاً كلياً، فيحول الله تعالى هذه الأشياء الميتة في جسم الإنسان إلى جسم حي فينمو الإنسان ويكبر. فالإنسان يستمد حياته من الحيوان والنبات، والحيوان يبنى جسده من النبات، والنبات ينمو من مواد الأرض فلا شك أن جسم الإنسان كله ينمو من الطين. وهذه معجزة الله الخالق العظيم الذي بدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل بناء جسمه من الطين

فالمواد التي تدخل في تركيب أجسامنا موجودة في حفنة من تراب أو في حثوة من طين، ولكنا لا نستطيع الانتفاع بها مباشرة وإنما ننتفع بها عن طريق النبات. فعلى ذلك يحول الله تعالى المادة غير الحية إلى مادة حية في أجسامنا، وهذا هو إخراج الحي من الميت

وإما إخراج الميت من الحي فهو مثل خروج الإفرازات كاللبن وهو شيء ميت من جسم حي

أما قول كثير من المفسرين من إن إخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي هو إخراج الإنسان من النطفة وإخراج النطفة من الإنسان على اعتبار أن النطفة شيء ميت، فأعتقد أن ذلك لا يساير الحقيقة وقد ثبت أن النطفة جسم حي بحيواناتها المنوية الحيّة.

(بني سويف)

الدكتور حامد البدري الغ من رسائل الرافعي. ألفاظ العلوم. الترادف في السجع

الشعر الجاهلي

منع الجاحظ أن يستعمل الخطيب - إذا كان متكلماً - ألفاظ المتكلمين إلا إذا عبر عن شيء من صناعة الكلام واصفاً أو مجيباً؛ وحرم العسكري على الأديب استعمال تلك الألفاظ في أي غرض؛ وأوجب ابن الأثير على الكاتب أن يعرف مصطلحات كل صناعة وأن يلم بكل علم وفن. فسألت الرافعي رحمه الله عن هذه الآراء الثلاثة وسألته كذلك عما أخذه ابن الأثير على الصابي من أنه يرادف السجع في المعنى الواحد؛ ثم طلبت بعد ذلك أن يفضي برأيه فيما ذكره المنفلوطي رحمه الله من أن الشعر الجاهلي شعر ساذج. فجاءني هذا الجواب الشامل:

(أيها الأخ: السلام عليكم ورحمة الله. وبعد فإنه يسرني أن أعرف لكم هذه العناية بالأدب والتوفر عليه، ولعلكم واجدون فيه شيئاً من التعزية عما ترونه في حادثات الدهر من سوء الأدب. . . أما الأسئلة فإني مجيبكم عنها بإيجاز. . ولو أعان الله على إظهار ما بقي من أجزاء تاريخ آداب العرب لرأيتم فيها الجواب مطولاً مبسوطاً

أما كلام الجاحظ فصحيح؛ لأنه يريد (بالمتكلم) الرجل من أهل الجدل وعلماء الكلام؛ وهذا إذا هو استعمل ألفاظ صناعته في مخاطبة الناس من أهله وجيرانه، أو الكتابة إلى من هو في حكمهم والخطابة عليهم، كان ذلك مرذولاً منه وعُدَّ متكلفاً ودخل في باب الغريب الذي يسمونه العي الأكبر؛ ولكن الجاحظ لم يمنع أن يفيض المتكلم مع المتكلمين بمثل تلك الألفاظ بل هو نبه على أن ذلك محمود منه

والأصل هو ما ورد في الحديث: خاطبوا الناس على قدر عقولهم. وصاحب المثل السائر لا يرمي في كلامه إلى ما أراده الجاحظ بل هو يريد أن يلم الكاتب بمصطلحات كل صناعة ويشارك في كل علم وفن، إذ يجد في ذلك مادة ربما احتاج إليها في توليد معنى، أو في الكتابة عن واحد من أهل تلك الصناعات أو في ديوان من دواوين الإنشاء القديمة التي كانت تتناول أكثر أمور الدولة يومئذ، ففيها كاتب الرسائل وكاتب الخراج وكتّاب آخرون، وكانت تلك أغراض الكتابة من حيث هي صناعة. على أن ألفاظ العلوم الخاصة بها مما يصطلح عليه لا يجوز أن يستعان بها في الإنشاء إلا لغرض يستدعيها وإلا كانت من العي والفهاهة ونزلت منزلة الحشو ووقعت أكثر ما تقع لغواً. وهذا هو غرض العسكري

وأما عيب صاحب المثل علي الصابي في ترادف السجع فأنا أراه في موضعه من النقد، لأن السجع صناعة لا سجية، والترادف قد يحسن الأسلوب المرسل لمتانة السياق وقوة السرد كما تجده في كتابة الجاحظ وغيره، ولكن الذي يسجع لا يضطر إليه لأن كل سجعة فاصلة فهو من باب الحشو لا غير. والصابي علي قوته في الترسل ضعيف في السجع لا يبلغ فيه منزلة البديع، ولا جرم كان ذلك من ضعفه فيه

وأما شعر الجاهلية وسذاجته فلم أقرأ ما كتبه المنفلوطي في ذلك، ولكن شعر الجاهلية كشعر غيرهم إنما يصف أحوال الحياة التي شهدوها فيقع فيه ما يقع في سواه من القوة والضعف ويكون فيه الجيد والسخيف. على أن شعر فحول الجاهلية لا يتعلق به شيء من شعر غيرهم في صناعة البيان لا في صناعة الشعر إذ هم أهل اللغة وواضعوها

وفي الجزء الثالث من تاريخ الأدب زهاء أربعمائة صفحة في تاريخ الشعر العربي وفلسفته وأدواره الخ

على أني أحب لك ألا تحفل كثيراً بأقوال المتأخرين وكتاباتهم ومحاوراتهم فيما يختص بالأدب العربي وتاريخه لأنهم جميعاً ضعاف لم يدرسوه ولم يفكروا فيه، فابحث أنت وفكر واجتهد لنفسك فهذه هي السبيل. . .

كتبت على عجلة ساعة الانصراف، ففكر في الجواب واستخرج من قليله مالا يكون به قليلاً. والسلام عليكم ورحمة الله

14 أكتوبر1916

(المنصورة)

(مصطفى صادق الرافعي)

محمود أبو رية

تصحيح اسم طبيب

كتب صديقنا القديم الدكتور باول كراوس المدرس بكلية الآداب مقالين نفيسين في الثقافة الغراء عن (هبة الله بن جميع الإسرائيلي المصري طبيب الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن أيوب. وضبط الدكتور الفاضل اسم الطبيب المصري هكذا (ابن جميع أو ابن جُميِّع)

وعجبت جداً كيف يغفل صديقنا المحقق عن صحة اسم هذا الطبيب الإسرائيلي المصري فيرويه على وجهين، مع أن النصوص والأخبار جميعها متفقة على رواية واحدة وهي ابن جميع بفتح الجيم لا غير. فلا حاجة بنا إلى تشديد الياء

قلت إن الأخبار الأدبية والتاريخية تؤيد هذا الوجه ولا تعرف غيره وخاصة أن هذه الأخبار لأعلام عصر المؤلف وشعرائه المشهورين

ودليلنا على ذلك ما قاله ابن المنجم المصري الشاعر المشهور في عصر صلاح الدين وكان معاصراً لابن جميع في عجائه:

دعوا ابن جميع وبهتانه ... ودعواه في الطب والهندسة

فما هو إلا رقيع أتى ... وإن حل في بلد أنحسه

وقوله من أبيات أخرى.

لابن جميع في طبه حمق ... يسب طب المسيح من سببه

وقوله من أبيات أخرى

كذبت وصحفت فيما ادعيت ... وقلت أبوك جميع اليهودي

فهذه النصوص كلها تدل على أن اسمه ابن جميع بفتح الجيم لأن الشعر لا يستقيم وزنه على الوجه الثاني (ابن جميِّع) الذي ذكره الدكتور

بقي أن هذه الأبيات التي أوردتها هي في هجاء ابن جميع، وقد صدرت عن شاعر خبيث اللسان كما يعترف بذلك ابن أبي أصيبعة صاحب طبقات الأطباء ج 2ص113، ولكنها على كل حال لا تغض من قيمة ابن جميع العلمية ولا تنقص من قيمة رسالته الصلاحية النفيسة التي أورد الدكتور كراوس نبذاً منها في عدد الثقافة الأخير

محمد عبد الغني حسن

(إبليس يغني) للأستاذ صلاح الدين المنجد الأستاذ صلاح الدين المنجد في طليعة الشباب السوري الممتاز بالجمع بين الثقافتين العربية والغربية. وقلما تجد هذا الجمع على نسبة عادلة في غير هذه الفئة الصالحة التي تنتج الأدب السوري اليوم وتجدد فيه وتقوم عليه؛ فهي تمتاز من غيرها بإشراق الديباجة وسلامة البيان من جهة التصوير، وبشمول الثقافة وجدَّة الفكرة من جهة التصوُّر. والمتتبع لمقالات الأستاذ المنجد في الرسالة يلاحظ هذه المزايا واضحة جلية. وقد أصدر اليوم بعنوان (إبليس يغني) ثلاث روايات قصيرة هي: إبليس يغني، وإبليس يلهو، وحسناء البصرة. نقلها عن حكايات قديمة (كتبت في عصر يباين عصرنا فأصبح يعوزها أن تعرض برشاقة، وتهذب بذوق، وتصقل بفن، وتثقف بدقة. . .) وقد قال الأستاذ: (فوضعت حوارها على طراز تمثيلي حديث، ولم أشأ أن أبدل في جوهرها، ولكن تصرفت بعض التصرف في ترتيبها وتفصيلها وتبويبها، فجاءت كتاباً خاصاً ما أحسب أن أحداً أفرد مثله لمثلها. . . أقدمه رياً للقلب الرغيب في التماس الجمال في أدب القدامى، ومتاعاً للنفس العطوف على الفن أنى كان، ووسيلة لتحبيب الشباب في أدبنا القديم). والكتاب مطبوع في مطبعة الترقي بدمشق طبعاً جميلاً على ورق جميل. فللأستاذ المنجد الشكر على كتابته، ولجمهور القراء التهنئة بقراءته

بنو إسرائيل والطعام الواحد

قرأت ما رد به الأستاذ (س) على الدكتور زكي مبارك في فهم الآية الكريمة: (اهبطوا مصراً. . .) فراعني منه أن يبنى على وجه التخطئة على ما يأتي:

أن (مصر) النيل المبارك فهي علم ممنوع من الصرف. . . كيف هذا وصاحب الكشاف يقول ما نصه. . . ويحتمل أن يريد العلم وإنما صرفه مع اجتماع السببين فيه وهما التعريف والتأنيث لسكون وسطه كقوله: نوحاً ولوطاً. . . وأن يريد مصراً من الأمصار. وفي مصحف عبد الله وقرأ به الأعمش: اهبطوا مصر بغير تنوين كقوله: ادخلوا مصراهـ

وعندي لتعليل تنوين مصر مع كونه علماً وجه آخر ذكره النحاة في كتبهم، وأظنه لا يغيب عن مثل حضرة الأستاذ، وهو أن العلم إذا أريد به البقعة لم يصرف لأنه اجتمع فيه التأنيث مع العلمية، وإن أريد به المكان صرف والذي يرجح أن المراد بمصر مصر النيل قوله سبحانه (فإن لكم ما سألتم) إذ المعنى أنهم إذا نزلوا هذا البلد المعين فإنهم سيجدون سؤلهم، وسيكون المعنى على فهم الأستاذ الجليل أنهم إذا نزلوا أي مصر من الأمصار وجدوا ما يطلبون. فأي المعنيين أليق بعظمة القرآن وجلال التبيان؟!

إبراهيم السعيد عجلان