مجلة الرسالة/العدد 50/الكتب
مجلة الرسالة/العدد 50/الكتب
المسرح الغنائي
على ذكرى (غرام الشعراء)
تأليف الأستاذ احمد رامي
كتب مرة أديب من الشبان مقالاً في جريدة السياسية الأسبوعية الغراء منذ سنوات عدة حاول فيه أن يلفت أصحاب الغناء المبرزين إلى أن المرتبة التي وقفوا عندها ليست جديرة بهم، وان الغناء على تخت مكون من (أساطين رجال الفن) ليس قصارى ما يصل إليه فن الموسيقى، بل إن الميدان الفسيح للغناء هو المسرح والأوبرا. غير أن تلك النصيحة آلمت كبيراً من كبراء أهل صناعة الغناء وظن أنها تمس كرامته وفنه، وإلا فهل يليق أن يقول أحد أن غناءه يقصر عن غاية؟ أو أن في الإمكان أبدع مما كان؟ فهب إلى الرد على الكاتب واقبل على تجريحه بما لا يتفق ووداعة الفن الجميل. وإنني اليوم اجرؤ أن اكرر ما قال ذلك الأديب في مقاله السالف، فان أغاني هذه الأيام تكاد تجعل السماع حملاً ثقيلاً، وتكاد تجعل الاهتزاز إليه نوعاً من الصناعة المتكلفة. ولا شك انه قد آن لمصر أن يكون لها مسرح ثابت للأوبرا يجول عليه كبار المغنين من الجنسين ويمدهم فيه بالوحي والروح شعراء مصر المبرزون.
والحق أن موت المسرح الغنائي هو الذي أمات الرواية الشعرية، وهاهي آية تدل على استعداد شعرائنا للتأليف والإبداع إذا وجد من يغرد بقولهم ويصدح بشعرهم.
وهاهو الأستاذ رامي يترك المقطعات حيناً ليظهر للملأ انه يستطيع إذا وجد من المسرح حاجة إليه أن يخلق قصة شعرية رائعة. فان بين أيدينا اليوم قطعة (غرام الشعراء) تجمع بين ما اعتاده الناس من عذوبة شعر رامي وما يتطلبه المسرح الغنائي من تصوير بديع وتأليف متسق. وقد جعلها الشاعر فصلا واحداً ونظنه قد قصد إلى ذلك قصداً. فما نظنه إلا عارضاً على أصحاب الغناء بضاعة جديدة لعله يستطيع أن يرغبهم في ترك البسائط والطموح إلى آفاق أعلى واكثر سمواً.
وان رامي إذا فعل ذلك فإنما يرجى منه أن يلقي إلى الأدب بالآية الكاملة: بالقصة الشعرية الطريفة: بما هو جدير به
م. ف. ا
كتاب القاهرة
للأديب عبد الرحمن زكي
ملازم أول بالأشغال العسكرية
هاهو ذا مؤلف يريد أن يقول شيئاً فيعرب في قوله. إن كثيراً مما نسمع من الأقوال لا يعدو أن يكون صوت أنين غير معرب، أو صوت نشوة لا يتبين السامع منها إلا صيحة تدوي في الفضاء، ولكن مؤلف (القاهرة) أراد أن يصف القاهرة فرسم خطة ثم أنفذها، وعرض على الناس كتاباً أن يقول لهم أن يقرأوه.
بدا بوصف فسطاط عمرو، ثم عسكر بني العباس ثم قطائع ابن طولون، ثم القاهرة المعزية، ثم ما طرأ عليها من الزيادة في أيام الدول التركية المتعاقبة. ثم أردف ذلك بوصف مختصر عن المقريزي لما كان في أيامه من خطط القاهرة، وأوضح ذلك كله بخرائط دقيقة واضحة.
ففكرة الكتاب فكرة علمية بديعة يشكر المؤلف عليها شكراً عظيماً.
غير انه لم يوفق في إنفاذ الخطة كما نظنه رسمهاً لنفسه، فان كتابا يصف القاهرة ينبغي أن يغلب عليه الوصف لما في القاهرة، وما اكثر ما فيها من مخلفات العصور المتعاقبة! غير انه قنع بان يغلب على كتابه ذكر تاريخالقاهرة وتطور عمرانها. فالكتاب اجدرأن يعد كتاب تاريخ نمو القاهرة لا كتاب وصف لها. ولسنا بسبيل التماس الأسباب التي دعت المؤلف إلى ذلك، غير أننا نرجو أن يوفق في مستقبل أيامه - واغلب الظن انه لا يزال في شبابه الأول القوي - إلى أن يكمل هذا البحث الطريف فيجعلنا نرى مميزات كل عصر ومخلفات كل دور من أدوار نمو القاهرة حتى يصبح ذكر القصة التاريخية ثانويا في ظهور الصورة بدل أن يكون كما هو الآن ابرز شيء فيها.
م. ف. ا روائع من قصص الغرب
ترجمة الأستاذ كامل كيلاني
اذكر أنني منذ سنوات خمس، كنت أتحدث مع صديق حول رسالة الغفران التي هذبها الأستاذ كامل كيلاني، فقد كنت أقرا الرسالة مع الصديق قراءة الدرس والتحليل، فلما أن فرغنا من تلاوتها، قلت لصاحبي: والله إن الأستاذ كيلاني ليستحق منا الشكر لما صادفنا في هذه الرسالة من لذة وجمال. قال بل إن أبا العلاء لأجدر منه بذلك الثناء، أما الأستاذ كيلاني فماذا قدم إلينا إلا أن تناول رسالة أبي العلاء، فحذف منها شيئاً واثبت شيئا؛ قلت أن رسالة أبي العلاء لبثت مطمورة بين أكداس الكتب لا يجرؤ عليها إلا صفوة الخاصة وهم قليلون. أما وقد هذبها الأستاذ كيلاني، وشذب أطرافها النابية، وأزال ما يعترض سبيلها من عثرات، فقد باتت معبدة ميسرة للكثرة الغالبة من القراء، تتداولها أيدي الطبقة الوسطى من المتأدبين، بعد أن كانت أرستقراطية مقصورة على طبقة الأشراف! وإذن فمن الأسرف في الغبن وإنكار الجميل إلا نعترف بذلك المجهود - وأشباهه - الذي يهيئ للقراء ما لم يكن لهم إليه من سبيل.
وإذا كانت التجارة في عالم الاقتصاد دعامة قوية يرتكز عليها البناء الاقتصادي بأسره، وهي ليست إنتاجاً في ذاتها، إنما هي وساطة بين المنتج والمستهلك، ففيهم الكفر بقيمة الوساطة الأدبية بين الكاتب والقارئ؟ ولولاها لما اتصل القراء بأكثر ما تسيل به الأقلام في أنحاء الأرض إلا في دائرة ضيقة وحيز محدود. وان صح هذا القول بصفة عامة، فهو اشد صدقاً واثبت يقيناً بالنسبة إلى مصر، لأنها اليوم في عصر ترجمة اكثر منه عصر تاليف، فالمترجم الذي يقدم إلى قراء العربية صوراً من أدب الغرب، إنما يسدي إليهم يداً بيضاء، لأنه يقدم إليهم غذاء صالحاً ما كانوا ليوفقوا إليه لولا ما بذل من مجهود.
نقول ذلك بمناسبة مجموعة القصص التي عربها الأستاذ كامل كيلاني. فهي من روائع الأدب الغربي حقاً، قد وفق في اختيارها وتعريبها إلى حد بعيد. وحسبك أن تعلم أنها طائفة من قصص بوكاتشو، وفولتير، وديدرو، وسرفنتس، وفلوبير، وسويفت، وروسو وغير هؤلاء من أئمة الأدب في الغرب! ولسنا نشك في أن القصة القوية الرائعة التي تحلل النفس الإنسانية في أعماقها، وتحرج سرها الدفين من مكمنه، فتضع تحت أبصارها ما استتر في أحنائها حتى نلمس مواضيع النقص بارزة واضحة، لهي من افعل الأدواء لما ينتاب جيلنا من أمراض خليقة تكاد تهز كياننا من أساسه، والتي تدعو إلى تضافر الأقلام جميعاً في درء خطرها الداهم.
فهذه المجموعة القيمة وعاء اجتمعت فيه مجموعة مختلفة من طباع الإنسان، وتلمح في ثناياها مثلا عليا تؤثر في نفس القارئ من حيث يدري ولا يدري. ولا بد أن نذكر - ونحن بصدد هذا الكتاب - جودة الطبع والورق، وجمال التنسيق وسلامة الذوق.
ز. ق. م