مجلة الرسالة/العدد 490/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 490/البريد الأدبي
أرقام وأصفار
في خطبتي التي نشرت في (الرسالة) عن (الهدف الأدبي للموسم الثقافي) عبارات لم ألقها في حفلة الافتتاح لأنها لم تكن تناسب المقام، ولكل مقام مقال، وهي العبارات التي تشكك في قيمة التضامن وتجعله سناد الضعفاء
فأين وجه الحق فيما قلت؟
لقد وفقت إلى عبارة طريفة حين سألت: (وهل تتجمع في الدنيا أمة كما تتجمع أمة النمل؟) ولكن هل يكون معنى هذا الكلام أن النمل أمة ضعيفة، لأنها لا تبني المعاقل والحصون في حدود ما نتصور، ولا تزحم البحار بالغواصات والأجواء بالطيارات؟
لقد وقعت في خطأ فظيع، فأمة النمل في تكوينها المرسوم أمة على جانب من النظام، والنظام هو الذي حماها من الانقراض، ومن آيات النظام عند أمة النمل أنها لا تفرق بين النهار والليل، فهي تشتغل بالنهار والليل، وقد جربت ذلك بنفسي
أترك هذا وأنتقل إلى مسألة الأرقام والأصفار، وهي مسألة لم يخلُ كلامي فيها من اعتساف. فهل من الحق إنه يجب أن يكون الناس جميعاً أرقاماً لا أصفاراً؟ وكيف وأنا نفسي اعترفت بأن الصفر تكون له قيمة حين يضاف إلى الرقم الصحيح؟
إن المسألة المطلقة لم تتحقق ولن تتحقق، لأنها ضلال في ضلال، ولأنها لن تكون إلا باباً من الانحلال، فالناس يختلفون كما يختلف الشجر والنبات لغاية حقيقية هي الترابط بين أجزاء الوجود، وكما تختلف المسامير التي تربط أجزاء السفين
وإذن يكون الرأي أن نقرر أن للصفر قيمة، على شرط أن يتجنب الانحراف، فيكون على اليمين لا على الشمال
لو وقف كل مخلوق في الموقف الذي يأمر به العقل لظفر بالقيمة الحقيقية لوجوده الأصيل. وأين العقل الذي يأمر الصفر بأن يكون على الشمال؟
في مقدور الصفر أن يكون أكبر من بعض الأرقام إن راعى الواجب، ولهذه الكلمة الأخيرة تفسير أو تفاسير قد نتحدث عنها بعد حين.
زكي مبارك في اللغة
كتب الأستاذ نجيب شاهين في العدد 489 تحت عنوان (إلى المجمع الملكي) ما رآه أنه الصواب لبعض الألفاظ والعبارات
غير إنه لم يكتب له التوفيق في بعض ما رآه فمن ذلك:
1 - (لا زالت) يرى الأستاذ (أنها لفظة للدعاء وأن مدرسي مدارسنا لا يفرقون بينها وبين (ما زالت) فينشأ الطلاب على هذا الخطأ).
(ا) فما رأي الأستاذ في كتب اللغة التي أوجبت أن تعتمد أفعال الاستمرار على نفي أو نهي أو دعاء وذكرت من حروف النفي لا، ما (وقال علماء المعاني إن لكل مكانا) وقال النحاة: إن خروج (لا) من النفي إلى الدعاء لا يكون إلا بقرينة تعين الدعاء ومثلوا لذلك بـ (ولا زال منهلا بجرعائك القطر)
(ب) وما رأيه في أن القرآن الكريم استعمل زال معتمدة على النفي بلا في قوله تعالى: (ولا يزالون مختلفين) كما ورد في الأثر (لا تزال أمتي بخير ما فعلت كذا وكذا. . .)
2 - (شئون) يرى الأستاذ أن تكتب هكذا (شؤون) لأن ما قبلها مضموم وقياساً على رؤوس، وما رأيه في أن جميع كتب الإملاء ذكرت القاعدة الآتية:
(كل همزة وليها حرف مد كصورتها ليس ألف اثنين ترسم مفردة. . .)
وليست كتابتها في قاموس ما حجة تلزم أن تنقص القاعدة لتكون كما يرى الأستاذ.
محمد عبد الفتاح المقدم
مدرس بمدرسة حلوان الثانوية للبنات
حول اختلاف القراءات في القرآن
قرأت ما كتبه الأستاذ محمود عرفة تعقيباً على ما رأيته في سبب بعض القراءات، فوجدته يتفق معي في أن هذه القراءات لا ترجع إلى اختلاف اللهجات، ويخالفني في إرجاعها إلى قصد التيسير على المسلمين في القراءة على عهد النبوة، لأن الحروف العربية في ذلك الوقت كانت كلها غير منقوطة، وهذا يدعو إلى ذلك التيسير كاختلاف اللهجات سواء بسواء. وقد بنى الأستاذ إنكاره ما رأيت من ذلك على سبب غريب، هو أن المسلمين على عهد الرسول كانوا يتلقون القرآن منه سماعاً، ويطوون صدورهم عليه حفظاً وفهماً، دون ما حاجة منهم إلى النظر في شيء من آياته مخطوطاً، فهذا بلا شك أمر غريب لا يتفق مع المعروف عن المسلمين في ذلك العهد، فإن جمهورهم لم يكن يأخذ نفسه بحفظ القرآن، وكان القليل منهم يحفظ منه السورة أو السورتين، وقد مات النبي ﷺ ولا يحفظ القرآن كله منهم إلا عدد لا يكاد يتجاوز عدد الأصابع
أما كتابة القرآن وقراءته فكان فيهما إذن عام من النبي ﷺ، ولم يكن هناك إذن في كتابة الحديث لئلا يشتبه بالقرآن، فكانت كتابة القرآن وقراءته في ذلك العهد منتشرة بين المسلمين، وإذا كان كثير منهم لا يحفظه فإنه بلا شك تعتريه تلك الصعوبة في بعض الكلمات، ومن هذا يجيء التيسير في قراءتها على ما تحتمله من الوجوه
أما حمل مثل هذه القراءات على التصحيف فأمر لا يصح أن يقال وخصوصاً مع وجود هذا المحمل السائغ، وهو محمل يمكن أن يشمله ما ورد من نزول القرآن على سبعة أحرف، لأن هذه القراءات ورد كثير منها في قراءات سبعية متواترة عن النبي ﷺ، وكثير منها روي عن بعض أصحاب النبي رضوان الله عليهم ولا تقتصر روايته على حماد وأمثاله
عبد المتعال الصعيدي
حول اختلاف القراءات
رداً على كلمة الأستاذ عبد المتعال الصعيدي المنشورة في العدد 488 من مجلة الرسالة بعنوان (سبب مجهول من أسباب اختلاف القراءات) أقول: إن القراءات التي تعد أبعاضاً للقرآن يشترط فيها موافقتها للرسم المتواتر عن الصحابة، وتواتر سماعها، وموافقتها للعربية. فالمدار في كون القراءة بعضاً من القرآن على تواتر سماعها من النبي ﷺ على أنها قرآن مبلغ عن الله تعالى. فقراءة (فتثبتوا) وقراءة (فتبينوا) قراءتان متواترتان عن النبي ﷺ، ومعناهما واحد، لا أن الخط يحتملهما فقرأها فريق على أحد الاحتمالين، وفريق على الاحتمال الاخر، فإنكار أحدهما إنكار لبعض القرآن
وأما تجويز القراءة بما يحتمله الرسم وتظاهره العربية بدون نظر إلى الرواية فرأي شاذ لابن مقسم العطار وهو محمد بن الحسن المتوفى سنة 453 استثيب بسببه (انظر شذرات الذهب في أخبار من ذهب وتاريخ بغداد)
وقراءة (أباه) بدل (إياه) شاذة قرأ بها الحسن البصري وابن السميفع اليماني وغيرهما. والقراءة الشاذة تكون في الأكثر مفسرة للقراءة المشهورة. فقراءة أباه تعين رجوع ضمير (إياه) إلى الأب مع احتمال رجوعه إلى إبراهيم باعتبار أن الأب ربما كان هو الذي وعد ابنه بالإيمان، وفهم الحسن البصري عكس ذلك فقال إن الواعد هو إبراهيم حيث وعد أباه بالاستغفار.
ولو أن الأستاذ عبد المتعال اطلع على (تاريخ الأدب العربي للأستاذ الزيات) ص89، 90 أو على كتاب في الفن (كمسجد المقرئين لابن الجزري) لما ذهب إلى هذا الرأي
محمد غسان