انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 487/إلى المعترضين علينا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 487/إلى المعترضين علينا

مجلة الرسالة - العدد 487
إلى المعترضين علينا
ملاحظات: بتاريخ: 02 - 11 - 1942



للأب أنستاس ماري الكرملي

(تتمة)

4 - نتيجة كلامنا مع الأستاذ المكابر

لا يقال إلا البساتين الغن، وإلا الدروع الحصد، وإلا الكريات البيض، وإلا الدروع الخضر. وأما قول القائل: البساتين الغناء، والدروع الحصداء، والكريات البيضاء، فخطأ ثم خطأ ثم خطأ. اللهم إلا إذا قدمت على هذه النعوت كلمات منسوبة مفردة مؤنثة، فيصح حينئذ مثل هذا القول: بساتين عبقرية غناء، ودروع فارسية خضراء، وكريات بيضيه بيضاء؛ وهذا القدر كاف لهذا الموضوع اليابس الناشف، ولا نعود إليه بعد، بل نحول أنظار السائلين إليه، وهو الهادي إلى الصواب!

5 - إلى الأستاذ الأفغاني

كنا نود - يا سيدي الكريم الجليل - أن تكلمني بالعربية، لأني عربي وأجدادي من بني مراد، لا بالأفغانية لسان أجدادك أهل الحسب والنسب. . . نعم، إني كنت قد اجتلبت كتباً أفغانية من باريس، لأدرس هذه اللغة البديعة لكن الزمان لم يساعدني على المطالعة، فبقيت الكتب في الخزانة من غير أن أنتفع بها إلى اليوم

قلت لي في نبذتك في (الرسالة) 869: 10: وقد كتب (أي الأب أنستاس ماري الكرملي) الجملة الأولى بخط عريض وأنا لم أكتب عنوان المقال إلا بالقلم الدقيق كما يمكنك أن تطلب الأصل من صاحب (الرسالة) ليطلعك عليه. أما الذي رسمه بالقلم الريان، وحضرتك تسميه الخط العريض، فمن منضد (الرسالة)، تزييناً للطبع ولسطور الصفحة، فلو جعلها كلها بقلم واحد، لملت النفس، ونبا البصر، وعاف القارئ المطالعة ونبذ الصحيفة من يده. وهذا ما تحققه بنفسك في جميع نبذ (البريد الأدبي). . . إذن، ليس المزكزك بأنيئهن

وقلت لي: بخط عريض مذيل؛ ولم أذيل الخط بشيء، لعلمي أن ذيل الشيء جعل له ذيلاً، وذيل الصحيفة كتب شيئاً في ذيلها زيادة على ما فيها، وهذا لم أفعله، ولا أرى هناك ما يؤيد هذا الك وقولك يا سيدي: بخط أفقي، لا ينطق به فصيح، إنما ينطق به أرباب الهندسة، وهو من معرب الكلام الحديث، ورائحة التعبير الأجنبي تفوح منه. وأما ابن الناطق بالضاد، فيقول: وتحته خط. وأحسن من ذلك أن يقال: وقد رسم بخط ريان (أو عريض؟)، وخطّ تحته خطاً توجيهاً للأنظار.

ثم نقلت، يا سيدي، بعض العبارات من المعاجم تأييداً للخطأ وأنه أحسن من الخطآء. والدليل الذي أتيت به هو أن: أرباب الدواوين ذكروا الخطأ المقصور قبل الخطآء الممدود. وهذا برهان ينطبق به الأطفال قبل الحلم، وهل تكون إلى الآن بهذه السن؟ ألا تعلم يا سيدي أن أرباب كتب متون اللغة يقدمون الكلمة القليلة الأحرف، على الكلمة الكثيرتها. خذ بيدك أيّ معجم شئت، وانظر إلى المصادر، أو إلى الأسماء أياً كانت، تر أن الكلمة القليلة الأحرف مقدمة على غيرها. وكذلك يفعل أهل الحساب فإنهم يقولون: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، إلى آخرها.

وأما أن صاحب (الصحاح) ضعف الحرف الذي (ذكر الأب أنه الصواب دون غيره) فهذا لا يعني أنه مصيب فيما قال.

يا سيدي إنك تعلم أن مؤلف الصحاح خّطئ في كثير من أقواله الغوية والنحوية، فكيف تحتج بكلامه، وتسر كل السرور لكونه نطق بتلك الكلم؟ وهناك من أعلى مقاماً منه وهو صاحب الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، وكان معاصراً للجوهري، وقد انتبه لهذه الحقيقة الأستاذ اللوذعي محمد غسان فنقل في الرسالة (892: 10) ما ورد في ذلك التصنيف المفيد من المقال الزاري على اللآل

زد على ذلك أني أحاول في كل ما أكتب أن أتأثر أحسن من نطق باللغة المضرية باتفاق شهادة جميع قبائل العرب وجميع أمم الأرض قاطبة، فانه كان يحب الازدواج والمشاكلة والإمتاع والمجانسة، فقد قال مثلاً: ارجعن مأجورات غير مأزورات، مع ما في مأجورات من الغلط في نظر بعض حمقى اللغويين. فلما قلت الخطاء أردت أن أبين أن ما كتبه الناشران لكتاب الإمتاع في آخره، حين كتبا: خطأ وصواب، كان يحسن بهما أن يقولا: خطأ (بالمد) وصواب، مجانسة للوزن، لأن كليهما على وزن سحاب، فالقارئ يتذوق طيب هذه المشاكلة إذا ما رأى فيها هذه الموازنة هذا ما أحببت عرضه على العلامة المحقق (الأستاذ الأفغاني) وله إعجابي وتحيتي!

6 - إلى الأستاذ داود حمدان

كتبت يا سيدي في الرسالة (870: 10) مخطئاً قولي: (قال ابن دريد في الجمهرة: (وبالصاد (أي ألخص) أحسبها لغة لبني تميم، وهي لغة ابن الغبر خاصة). كذا في تاج العروس وهو خطأ أيضاً. والصواب: (وهي لغة بني العنبر، إذ لا وجود لابن العنبر) أهـ

فانبرت لي من أقصى اللد وكتب: (وقد يقال: عدم الجزم بهذه التخطئة أولى، فبنو الغبر لهم وجود. جاء في القاموس المحيط في (فصل الطاء وباب اللام): وككتاب (أي طحال) كلب وع لبنى الغبر. راجع القاموس المحيط ففيه شاهد لا يليق ذكره.) أهـ

قلنا: لو كسرت يراعتك المرضوضة، وألقيت بها في التنور، وبقيت ساكتاً إلى أن يفيض التنور، لكان ذلك أحسن لك! وأنصحك نصيحة لله: ألا تكتب كلمة قبل أن تتدبرها كل التدبر ثم تعرضها على أصدقائك، ثم تتأملها ثانية، وتعرضها على أعدائك، وحينئذ ابعث بها إلى أصحاب الجرائد والمجلات.

وإلا فمثل هذه الخربشة والخربقة لا ترفع قدرك ولا تبقى لك أثراً طيباً!

أنك يا سيدي رأيت في القاموس أن (طحال كلب وع لبنى الغير. . .) وضبطت: (الغبر) في قولك هذا بضم وفتح مشددة فكم من غلط في كلمة واحدة!

وأول كل شيء، أن الغبر، التي ضبطتها كسكر، ضبطت في القاموس المشكوك كما ضبطتها. وأما يا قوت الحموي فضبطها في معجمه: غُبر كزُفر. والغلط الثاني أنه لم يدخل عليها أل، وكذا ضبطها ابن دريد في كتاب الاشتقاق ص 205 من طبع أوربة قال: (ومن قبائلهم بنو غُبَر بن غَنم، وغُبَر فُعَل، ولم يعرفها باللام هو أيضاً وضبطها صاحب جزيرة العرب - وهو الحجة العظمى في هذه المادة (بنو غُبَر) على حد ما ضبطها يا قوت وابن دريد. وعندنا عدة نسخ خطية قديمة من القاموس وكلها تضبطها كزُفر وبلا لام التعريف. وقد قال صاحب القاموس نفسه في مادة (غ ب ر): غبر كزفر ولم يذكر في ذلك التركيب (غُبَّر) كسكر

ثم لو فرضنا أننا صدقنا رواية القاموس الواردة في مادة طحال، فمن قال لك إن أولئك المسلمين بني الغبر هم أصحاب تلك اللغة أي لغة قلب السين صاداً؟ وقلنا: (وبالصاد (أي الصديق) وأنت كتبتها (الخص) فما هذه الخربشة؟)

نحن نقلنا ما نقلنا وقلنا ما قلنا لا على مجرد الوهم والتخيل، على الحقيقة. فإن الجمهرة لابن دريد مطبوعة في الهند وما ذكرناه منقول عنها مع بعض الاختلاف هو الوارد في التاج لكنه قال: (لغة بني العنبر) لا لغة بني الغبر. وإن شككت في ما أقول فما عليك إلا مراجعة الجمهرة فهي في الأيدي لابتذالها في الطبع. فما معنى هذا التحكك الذي أظهرته يا سيدي وأنت لا تملك من الكتب ما تؤيد مدعاتك؟ فبنو الغبر كسكر لا وجود لهم ولا للغتهم. فإياك إياك يا سيدي العودة إلى هذا الميدان، فإنه لا يصيبك منه إلا الهوان، بعد هذا الامتحان!

(تم)

الأب أنستاس ماري الكرملي

أحد أعضاء مجمع فؤاد الأول للغة العربية

بغداد في 2691942