انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 469/يا سواقي. . .

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 469/يا سواقي. . .

ملاحظات: بتاريخ: 29 - 06 - 1942



(إلى التي ترعرع على غدرانها شبابي)

فَرَّقَ الدهرُ بيننا (يا سواقي) ... ومضى بي لغُربتي واشتياقي

أين للقلب لحظةٌ من ليالي ... ك وصفُو الحياةِ في إشراق

كان لي في رحابك الخْضْر دنيا ... من نعيم ومن أغانٍ رقاقِ

والمنى عذبةٌ كإشراقةِ الوص ... لِ بروح المعذَّبِ المشتاقِ

والصبا جنَّةٌ على ضفةِ الخل ... د ونورٌ يضيء في آفاقي

ولقد كنتِ للشباب سُلاَفاَ ... ونديماً جلوَ الحديثِ وساقي

كنتِ لي كوثراً يطهّر نفسي ... فَنَمَتْ منه عَفَّةً أخلاقي

يا (سواقي الفيوم) طال غيابي ... وفؤادي يذوب في الأشواق

كنتِ دنيا من فتنةٍ وخيالٍ ... وجمالٍ من الطبيعةِ راقِ

كنتِ سلوى لمهجةٍ قد تلظت ... في جحيم من جَفْوَةٍ وَشِقاق

كنتُ أبكي فتحبسين دموعي ... بعزاءٍ كم فيه من تِرياق

كم حَلالِي في نَبْعَتَيْكِ اصْطِباحِي ... وَصَفَا لِي من رَاحَتَيْكِ اغْتِبَاقِي

كنتِ نِعْمَ الَصديقُ إن عَبَسَ الده ... رُ وَنِعْمَ الْمُجِيرُ ممَّا أَلاقِي

ذقتُ طعمَ الوفاءِ من كُوبك الحل ... وبريئاً من خدعةٍ أو نفاق

عاش فكري مع الحياةِ أسيراً ... كَبَلّتْهُ بِشَرّهَا الدَّفَّاق

ورأى عندكِ البشاشةَ والصف ... وَفَغَنَّى فِي فَرْحَةِ وَانطِلاَق

حال بيني وبينك اليوم عيشٌ ... لم يَنْلِني منه سوى الإرهاق

أين موجٌ من (بحرِ يوسفَ) يسري ... والأغاني تسيلُ من أبواقي؟

ورياضُ (الفيوم) رَنَّحَهَا الحس ... نُ فَلاَحَتْ كَجنةِ الْعُشَّاقِ؟

وغرامي الذي نما عند شَطَّي ... كِ وباركتِهِ بماءٍ مُرَاق؟

وحبيبي الذي تلَهَّى به العي ... شُ وما فيه من كؤوس دِهاق؟

خَدَعَتْ روحهُ الزحارفُ في الأر ... ضِ فأَعْشَى من سحرها البرَّاق

كم بعثتُ الرجاَء شعراً فعادت ... همساتي بالعَجْزِ والإخْفاقِ! نسىَ الْحُبَّ والسَّواقي وصبَّا ... لم يزل سائراً على العهد باق

(يا سواقي) ذكراكِ تَغْشَى كياني ... فاحفظيني في روحِك الْخَفَّاقِ

وخذيني من قبضة الفكر يوماً ... إِنَّ عودي بنارِه في احتراقَ

صنتُ في مهجتي هواك فَصُوني ... عهدَ طِفْلٍ رَبَّيْتِهِ (يا سواقي)!

(سلاح خدمة الجيش الملكي)

أحمد إسماعيل المليجي