انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 468/الشخصية الهستيرية

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 468/الشخصية الهستيرية

ملاحظات: بتاريخ: 22 - 06 - 1942



للدكتور محمد حسني ولاية

وصف كريبلين الشخصية الهستيرية قال:

1 - لم يعثر على أي نقص في ذكاء 164 من المرضى بالهستريا إذ لم يكن هناك اضطراب في الإدراك أو قوة التدليل، بل الهستيري كثير التقلب فيما يفكر فيه، وتستحوذ عليه بدوات وأوهام قوية الحيوية، فإن أمانيه غير منظمة وسطحية ولو أنها متسعة النواحي والأرجاء، ومقدرته على تكييف نفسه لأي ظرف فائقةً ولكن ينقصه الثبات وقوة الاحتمال. ويمتاز بانقياده إلى كل شيء جديد، فإذا استعرضنا حوادث التاريخ وجدنا أن أول المناصرين وأكثر المحاربين حماسة لبلوغ الأهداف المعجزة هم الهستيريون

يدس الهستيري أنفه في شؤون الناس لاستنشاق أسرارهم والوقوف على أحوالهم، ويلذ له أن يكون ماثلاً في عيون الجماهير وأذهانهم فلا يفتأ ينقب عن وسائل جديدة للوصول إلى هذه الغاية

2 - إن الارتباطات العقلية سطحية في الهستيري الذي يمتاز بكونه متسرعاً ومركزاً اهتمامه في نفسه فقط. أما حكمه على أمر من الأمور فرهين أول أثر يتركه هذا الأمر في نفسه بما يتمشى مع نزواته الشخصية. وعلى الرغم من أنه شديد العناد، لا تلين له قناة، فإنه يغير مبادئه بسرعة لأنها لم تكن قط متغلغلة في أعماق نفسه.

وإن الميل إلى حلم اليقظة وثيق العلاقة بالخيالات والبداوات الممتلئة حيوية، فهو يتوهم نفسه في مواقف لا تمت إلى الحقيقة بصلة، ويحيك حول هذه المواقف خيالات متشعبة مترامية، فقد يرى نفسه بطل حوادث نظرية مختلفة أو ضحية هجمات أعداد وهميين. ومما يزيد الطين بلة أنه يترجم أوهامه وبدواته إلى لغة الحقيقة فيتمادى في اختلاق حوادث متصلة بالواقع يدعمها ببراهين تبدو قاطعة

3 - ذاكرة الهستيري واهية لا يعتد بها لأنها رهينة عوامل انفعالية شتى فهو ينسى الحوادث التي لا تروق له ويعلي من شأن ماضيه ويشوه حقائقه ليكون وفق رغباته الشخصية

4 - الهستيري ناري الانفعالات لا يستطيع أن يتحكم في أعصابه، متطرف في حب وكرهه، يرتجف الناس خوفاً من غضباته وعنف هياجه، فهو شديد التقلب في سلوكه دون مقدمات ولا سابقة إنذار. وهو إما راتع في الفرح أو غارق في الهم

وتقترن بهذه الثروة الكبيرة من الانفعالات صفة الصلابة والعناد وعدم المبالاة التي تدعو الهستيري إلى الاختيال على جثث الموتى، وقد ارتسمت على فمه ابتسامة. أما السبب الذي يفسر هذا السلوك المتناقض المتنافر، فهو عدم التناسب بين الانفعال والتعبير عنه.

5 - لا يفكر الهستيري إلا في نفسه. وإن تقديره المبالغ فيه لنفسه متعطش دائماً إلى الإقرار والتثبيت، ويسره دائماً أن تتجه أنظار جميع الناس إليه. أما أمانيه فلن تقف عند حد.

ومما يحدوه إلى المجازفات، التنقيب عن كل شيء يمتاز به على الآخرين. وهو يعرف جيداً كيف يتحكم في بيئته ليكون طاغيتها بكل الوسائل الماثلة لديه.

ومن الطرق التي يلجأ إليها الهستيري في كفاحه لنيل تقدير الجماهير إنكار الذات (ظاهراً) والفدائية، واستعذاب العذاب في سبيل تحقيق المبادئ السامية، وهو يتشدق بأنه يضحي بنفسه في سبيل مساعدة الفقراء وخلاص المعوزين، وبأن حياته رهينة كل غاية تفيد الإنسانية، فليعترف له جميع الناس بفضله وتضحيته. وما حب الهستيري للعذاب إلا لكسب أهمية خاصة في أعين الناس. على أنه يلذ له أن يكون غامضاً غير مفهوم.

6 - يمتاز الهستيري بقوة فائقة على انتحال أعراض المرضى الآخرين وبإطالة مرضه عن طريق الإيحاء الذاتي - ويفيض سيل وحيه على الأشخاص الموالين له أو المقرين إليه.

وإن النفوذ الذي يستمتع به الهستيريون والجاذبية الشخصية التي تقود إليهم الناس أفواجاً مبنية على طبيعة قوة إيحائهم.

7 - على الرغم من وفرة الانفعالات السطحية تظل الغرائز الطبعية في سبات عميق؛ فالهستيري لا يبالي الجوع والتعب والأرق وحرمان غريزته الجنسية من الاستمتاع؛ فهو إما أن يكبتها أو يدعها تتخذ مظهراً شاذاً. وكثيراً ما يلجأ الهستيري إلى التهديد بالانتحار، وهذا يدل على المستوى الأدبي الدنيء الذي انحطت إليه شخصيته.

دكتور محمد حسني ولاية طبيب بصحة بلدية الإسكندرية