انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 456/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 456/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 456
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 30 - 03 - 1942



التشريع الإسلامي الدائم والمؤقت

كتب صديقي الأستاذ الجليل الشيخ محمود شلتوت مقالاً في عدد الرسالة الممتاز تحت هذا العنوان (الهجرة وشخصيات الرسول) وليس المهم في هذا المقال تقسيم شخصيات الرسول، فذلك أمر يعرفه كل العلماء، وإنما المهم والجديد في هذا المقال ما جاء فيه من توزيع أحكام الشريعة الإسلامية على تلك الشخصيات، ومن جعل التشريع الدائم والمؤقت تابعاً لهذه الاعتبارات، وهذا أمر جديد لم يظهر إلا في عصرنا. وإذا أمكن الاتفاق عليه بيننا أمكن حل مشاكلنا التشريعية، وزالت أكبر عقبة في سبيل وضع تشريع إسلامي يفي بحاجات المسلمين في هذا العصر، ولا يمكن أحداً أن يوجه إليه أي طعن.

وخلاصة ما يرمي إليه هذا المقال أن الذي يعد شرعاً دائماً هو ما يرجع إلى شخصية الرسول من العقائد وأصول الأخلاق والعبادات، وما عدا ذلك مما يرجع إلى شخصية الإمام أو المفتي أو القاضي فليس بشرع دائم، وإنما هو شرع مؤقت يمكن أن يتأثر بالاجتهاد، وأن يترك العمل به لسبب من الأسباب. على أن لي فيه رأياً آخر لا أبديه الآن، لأنا نريد الإصلاح من أي سبيل ينتهي بنا إليه، ويحقق رغبتنا في رفع شأن هذه الشريعة الغراء.

(عالم)

أين علقمة وعبيد بين شعراء الجاهليين

أراد الأستاذ عبد المتعال الصعيدي في مقال له عن الشعر الجاهلي (بالعدد 454 من الرسالة)، أن يدحض آراء بعض أدبائنا المعاصرين ممن يشكُّون في نسبة هذا الشعر إلى أصحابه؛ ويزعمون أن بلوغه هذا الحد من الكمال والإتقان مما يخالف سنّة النشوء والارتقاء

وقد رأى - في صدد ذلك - أن يثبت وجود نوع من الشعر السقيم المختل الأوزان، يعتدُّه الخطوة أو الخطوات الأولى التي مهدت السبيل إلى ظهور هذا الشعر القوي الناضج الذي انتهى إلينا من أدب الجاهليين. ووقع اختياره على عبيد بن الأبرص كنموذج للشعراء المتخلفين، أو أصحاب الفطر السقيمة ممن سبقوا بوجودهم أرباب الشعر الرصين، وض المثل في ذلك ببائيته المشهورة - أقفر من أهله ملْحوبُ - فأورد عدةً من أبياتها ثم قال: (والحق عندي أن هذه القصيدة تمثل أولية الشعر العربي خير تمثيل. . . وأن عبيداً في هذا يمثل بين شعراء عصره حال الشاعر المتخلف، لأنه لم يتهيأ له من أسباب النهوض ما تهيأ لهم. . .)

وعجيبٌ حقاً أن نهبط بابن الأبرص إلى هذا الدرك الأسفل من منازل الشعراء، وهو أحد العشرة الذين وقع الإجماع قديماً على تفضيلهم؛ ولا تعد بائيته هذه عاشرة القصائد المأثورة فحسب؛ بل يضعها بعض النقاَّد بين السبعة الأولى منها، وهي المعروفة بالمعلقات. ومن هؤلاء ابن قتيبة صاحب كتاب (الشعر والشعراء)

وينفي تهمة التخلف عن عبيد أن جميع شعره - عدا هذه القصيدة - يجري على الأوزان المعروفة في قوة وجزالة تنهضان به إلى مصافّ كبار الشعراء من معاصريه؛ فهو القائل في الافتخار بمكارم خلُقه:

لعمُرك ما يخشى الجليس تفحَّشي ... عليه ولا أنأى على المتودِّد

ولا أبتغي ودَّ امرئ قل خيرهُ ... ولا أنا عن وصْلِ الصديق بأحْيَد

وقد سجل له صاحب (البيان والتبيين) قصيدة كريمة اللفظ والمعنى يقول في مطلعها:

تلك عِرسي غضبي تريد زِيالي ... ألبَيْنٍ تريد أم لدلال؟

إن يكن طبّك الفراق فلا أح ... فِل أن تعطفي صدور الجِمال

ومما أورده له صاحب الأمالي قوله من قصيدة:

يا من لبرقٍ أبيتُ الليلَ أرقبه ... في عارضٍ كمضيء الصبح لمّاح

دان مسفٍّ فويق الأرض هيدبه ... يكاد يدفعه من قام بالراح

وأورد الخطيب التبريزي في كتابه (شرح القصائد العشرة) - عند تعرضه لذكر عبيد - أن سعيد بن العاص سأل الحطيئة: من أشعر الناس؟ قال الذي يقول:

أَفلِحْ بما شئتَ فقد يُبلَغ بالضعفِ وقد يخدع الأريب!

. . . فشاعر هذا شأنه، وتلك منزلته عند النقاد والشعراء، لا ينبغي أن يوصف بالتخلف، أو ينسب إلى الجهل بإقامة الأوزان على نهجها الصحيح. وإنما الأقرب إلى الصواب - وذلك رأي خاص نتقدم به - أن تكون هذه البائية إنما جاءت على وزن أو أوزان هجرتها العرب في أواخر جاهليتها. والأوزان كانت - وما تزال - في تطور مستمر؛ ونحن لا نستسيغ منها إلا ما ألفناه وأكثر الشعراء من القول فيه. وإلا فمن منا يستسيغ هذا الوزن مثلاً، وهي لابن تقي من وشاحي الأندلس:

يا ويح صبٍّ إلى البرقِ له نظرُ ... وفي البكاء مع الورْق له وظرُ

أو من منا يستسيغ قول (المهر بن الفرس) وهو من شعراء الموشحات في غرناطة:

لله ما كان من يوم بهيجٍ ... بنهر حْمص على تلك المروج

ثم انعطفنا على فم الخليج ... نفض مسك الختام. . .

ونعود فنقول: إنه لو كانت بائية عبيد نموذجاً للاختلال كما وصفت، لكان للقدماء عن اختيارها مندوحة. وفي أشعار عبيد مما استقام وصحت طريقته ما يغنى عنها ويجزيء، وجميع شعره من هذا النوع كما ذكرنا. والبيت الوحيد الذي أورده الأستاذ - من غير القصيدة البائية - وجعله دليلاً جديداً على قصور الشاعر، هو بيت صحيح الوزن كما سجلته كتب الأدب. وإنما أخل الأستاذ بوزنه حين حذف (التفعيلية) الأولى منه: (وقالوا) - ولعل ذلك سهو منه غير مقصود. وصحة البيت نقلاً عن حياة الحيوان للدميري (باب الذئب):

(وقالوا) هي الخمر تكنى الطلا ... كما الذئب يكنى أبا جعدة

هذا عن عبيد. . . أما علقمة الفحل فلا يقل عن صاحبه شأناً؛ وما احتججنا به للأول نحتج به للثاني، ثم نزيد عليه أن قصة تلقيب علقمة بالفحل - وهي مشهورة متداولة في كتب الأدب - تعدُّ الدليل الأقوى على تبريزه في الشعر؛ حيث يشيرون فيها إلى أنه احتكم مع امرئ القيس إلى امرأته (أم جندب) وأنشدها كل منهما لنفسه شعراً، فحكمت لعلقمة على زوجها. حتى قال امرؤ القيس: ما علقمة بأشعر مني ولكنك له وامق. ثم طلقها فخلفه عليها علقمة؛ وسمي بذلك (الفحل)

إلى هنا أقف الحديث. . . ولعل الأستاذ الفاضل يهتدي إلى (الحلقة المفقودة) من الشعر الجاهلي، في أقوال شعراء آخرين غير عبيد وعلقمة؛ والله أسأل أن يوفقنا وإياه

(جرجا)

محمود عزت عرفه اقتراح

أرى من واجبي الآن - وقد فرغتم من نشر اللائحة القيمة التي أعدها الأديب (كوركيس عواد) وضمنها ما استطاع الوصول إليه من المؤلفات العربية التي نشرت سنة 1940، البالغ عددها 39 كتابا ً - أن أشكر للأديب الفاضل هذه العناية الفائقة، ولمجلتكم الغراء نهجها القويم وحرصها على التراث العربي المجيد

إني أرى أن النهضة الثقافية الأدبية، القائمة في هذا الوطن العربي تستند إلى عوامل منها بعث هذا التراث، واقتباس الملائم النافع من أدب الغرب وثقافته، ثم توليد شيء جديد. ولكن ما هدف هذا البعث وما فائدته، إذا لم تصل الكتب إلى أيدي القارئين؟ وأنى لها أن تصل وهم يجهلون أنها أصبحت ميسورة؟ أما الكتب المدرسية والمترجمة من قصص وغيره، فينتشر خبرها حالما تطبع وأحياناً قبل ذلك، وخاصة إذا تولت طبعها دار للنشر تتبع أساليب الإعلان الحديثة، أو كان مؤلفوها من مهرة التجار

ولذلك كان لا بد أن تتولى إحدى المؤسسات الثقافية في العالم العربي إعداد ثبت سنوي بكافة ما تخرجه المطبعة العربية في سائر الأقطار. ومما يسهل هذه المهمة أن كل من ينشر كتاباً في أي قطر مكلف بتقديم نسخة واحدة منه أو أكثر إلى المرجع الرسمي المختص بذلك. وأظن أن دار الكتب المصرية هي هذا المرجع في القطر المصري، وأعرف أن دائرة المعارف تمارس هذا الحق في فلسطين

ولما كانت مصر تنتج من الكتب أكثر من غيرها بكثير، فإن دار الكتب المصرية، تسدي إلى نهضتنا المباركة جميلاً تحمد عليه، إذا هي اتصلت بالمؤسسات التي تمارس هذا الحق في سائر الأقطار العربية وغيرها (فيما يتصل بالمطبوعات العربية)، فحصلت على لوائح الكتب التي تصلها، ثم جمعتها وصنفتها ونشرتها وسدت هذه الثلمة في الأساس، وأنارت السبيل للقارئين.

(القدس)

عصام الشريف

نظرة في ديوان الشبيبي وقع في كلمتي عن ديوان الشبيبي أغلاط مطبعية أرجو أن يكون كثير من القراء قد أدركوا صوابها. وهي:

1 - ولكن كان كل بيت تقع العين عليه يذكر بأن بيت الشبيبي. والصواب: يذكر بأنه. . . الخ

2 - ببغداد أشتاق العراق وهأنا=إلى الكرخ من بغداد جم التشوق

والصواب: أشتاق الشام

3 - وطموحاً إلى ما يبقى له من العزة والسؤدد.

والصواب: ما ينبغي له

4 - ثم الأبيات الثلاثة:

نظرت بني الدنيا فأصررت أنها ... على الشر لا تنفك تجري النحائت. الخ

هذه الأبيات قد وضعت في غير موضعها. وضعت في الكلام على حب الشاعر العراق، وموضعها في الكلام على نظرات الشبيبي في الحياة

عبد الوهاب عزام

وفاة فيكتور مرجريت

توفي الكاتب الروائي الفرنسي المعروف فيكتور مارجريت في بلدة مونيستييه قرب فيشي وهو في الخامسة والسبعين من عمره. وقد ولد في الجزائر سنة 1866. وانتخب في سنة 1906 رئيسا لجماعة رجال القلم وعين في سنة 1914 رئيسا لجمعية فيكتور هوجو، وكان في أثناء الحرب العظمى ضابطا في هيئة أركان الحرب، وأسس جريدة (أنفورماسيون أونيفرسال)

وقد لفتت مؤلفات فيكتور مارجريت عند أول ظهورها نظر البيئات الأدبية الفرنسية لأسلوبها الواقعي الصريح، حتى أنه جرد من وسام (الليجون دونور) عندما نشر كتابه المعروف (لاجرسون) في 1922، ومن مؤلفاته المشهورة: (البغي)، و (فتيات)، و (حدود القلب)، و (الرفيق)، و (جسمك لك)، و (الماشية البشرية)، و (نشيد الراعي)، و (صوت مصر)، وغيرها بين البشر وتيمور

الدكتور بشر فارس كاتب منِّمِق وأديب ضليع، لا تعدم في أسلوبه آبدةً من أوابد اللغة كانت هائمة في المعاجم والأضابير قد أتى بها الدكتور مقيدة مكبلة، فلولا القيد الذي به كُبّلت، والوثائق الذي إليه شُدت، لنفرت شاردة وعادت كما كانت

والمعنى يتناوله الدكتور من جعبته، ثم ينفضه أمامك فجأة فيدهشك تكويره وتحويره وتعجبك طرافته، فهو يتهيأ لعمله الأدبي كما يتهيأ القناصون للخروج للصيد في أحراش أفريقيا، أو طالب الحوت في بحار القطب، فلهم لباسهم الخاص وسلاحهم وعدته وعتادهم، وكلما كانت الرحلة شاقة مضنية كانت الغنائم أعجب وأغرب. وكم في أسلوب الدكتور من طرف هي للقاعدين غرائب!

وهو حين يكتب في الفن ينقاد لملكته بعد أن يكون قد هيأ لها الجو على النمط الذي هفا إليه مزاجه كمن يريد ليلة حمراء فينسرب إلى الغرفة ذات اللون الأحمر والستائر القرمزية والضوء القاني الجريح! وأما حين يكتب في النقد والبحث فهو يحمل تحت إبطه نخبة ما خطه جهابذة الاستشراق (والدكتور بشر سريعهم) وكلما خط سطراً فتح من آثارهم سفراً يستلهم منه نصاً أو يطوف بنص، وقد تخلَّى عن نافذ بصره وصحصحان بصيرته، وألقى على وجهه بردة سوداء كتلك التي يصطنعها المصور حين يتملى آلته من الداخل ليخرج (العفريته) فأمامه (أي المصوِّر) الشيء مقلوباً، وهو يعلم أنه لكذلك ما دام مالكاً لحسه، أما إذا غفا أو سها فالمقلوب هو الأقوم!

ومن هنا جاءت نقدات الدكتور للأستاذ تيمور في مقتطف مارس 1942 وتقويمه لبعض عبارات عامية وردت في قصة المخبأ رقم 13 يقول الدكتور بشر عن قصة تيمور: (ومن الغريب في هذا الصدد أن يقول ماسح أحذية (صوت فأري) ص8 من القصة وأقرب إلى الدارج (صوت فيراني)، هكذا النسبة إلى الفأر عن السوقة). إلى هنا انتهى كلام الدكتور. ولا شك أن الناقد الفاضل كان يستلهم هنا نصاً لمستشرق جهبذ، فلو نظر بعينه هو وهي نفّاذة نقادة لعلم أن تيمور هو الأصدق والأقوم، (ولكن لعن الله بردة المصورِّ)، لأن المعنى هنا منسوب إلى الفقر لا إلى الفأر كما توهم الدكتور، ولم توجد قط السوقة التي تنسب النسبة التي يزعمها الناقد في مثل هذا الموضع، وإن كان وجودها لا يستبعد في مقبل الأزمان!

ويقول الناقد في موضع آخر من المقال نفسه (ولربما أفلتت العامية من أنامله (أي أنامل تيمور) مثلاً (ساعتين وألا أكثر) وهو يريد ساعتين مش زيادة)، والحقيقة أن العامية هنا لم تفلت من أنامل تيمور، والعبارة مستقرة لا تحاول إفلاتاً كما تشهد بذلك العامة ذاتها، ولكن لم يرها الدكتور كذلك، لأنه كما قلنا استطلع بردة المصوِّر ثم سها. وليس معنا ردّنا أن قصة تيمور خالية من الشوائب ولكن الدكتور بشر قد طعن في غير مطعن

(القاهرة)

محمد فهمي