انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 44/بين الموسيقى الشرقية والغربية

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 44/بين الموسيقى الشرقية والغربية

مجلة الرسالة - العدد 44
بين الموسيقى الشرقية والغربية
ملاحظات: بتاريخ: 07 - 05 - 1934


2 - بين الموسيقى الشرقية والغربية

بقلم مدحت عاصم

لانعام

يضم جميعا من الخلان حفل يستمعون فيه إلى مغني عذب أو موسيقى شجية، وقد ملكت البابهم النغمة، واستأثرت بمشاعرهم المثاني والمثالث، ولا تتعدى معرفتهم باللحن أو المعزوفة عن أن اسمها كذا، وأن مؤلفها هو فلان، ولكن اخذهم قد يهتف في نشوة من الطرب، ما أحلى هذه الترجيعة (البياتي) أو ما أجمل تلك الحركة (السيكاه)!: فينظر الي رفقاؤه نظرة تقدير واعجاب، ويعتدل هو في جلسته مزهواً مستزيداً من اشارته، وايماءاته، كيف لا وقد وفق لسر من أسرار الانغام وسيرها، وأطلع رفاقه على قدر علمه ومعرفته! ولو عرف الرفاق أن القدرة على تعيين النغمة لمجرد سماعها، إن أعوزها شئ من الخبرة بالمران، فهي ليست من الخطر بالقدر الذي يتصورونه، لاقتصدوا في تقديرهم واعجابهم. أما أنا، فأذكر أني وفقت في صغري إلى جلسة ضمت جمعا من الوافدين من ليلة من ليالي رمضان المكرم، وقد اجتمعوا حول شيخ مقرئ يسمعهم طرفا من المولد، وقد استولى عليهم الطرب الممزوج بالخشوع، ولم يكد ينتهي حتى أسرعوا يكبرون ويمدحون الشيخ المقرئ وبراعته وصوته الحنون القوي. ثم تكلم أحدهم، وكانت له عند الشيخ مكانة وله عليه دالة، فطب قصيدة (يا نسيم الصبا)، وأردف طلبه قائلا (والله يا سيدنا، اني أحب نغمة الصبا هذه، ولا أكاد أحبس الدمع عند سماعها.) فهمهم الشيخ ودمدم وأراد أن يرد الحق إلى نصابه ويمنع الخطأ أن يروج فقال (يا بني هذه القصيدة من نغمة الحجاز). وكأنه شعر بقدر الخيبة التي لحقت الطالب فاسرع بانشادها تعويضا له، فكان هذا أول درس وعيته في علم النغم، وكنت بعدها كلما سمعت نغمة طبقتها على (يا نسيم الصبا)، فأن وافقتها فهي حجاز، وان خالفتها فعلمها عند الله والراسخين في العلم. ومن بعد (نسيم الصبا) عرفت أن مارش (عباس) من نغمة (النهاوند) وأن (يا طالع السعد) (رصد)، وهكذا أصبحت أقيس كل ما أسمعه على معرفته، وبذا أستطيع تعيين نوع النغمة.

غير أن علماء الانغام يرون أن ميزان الإذن قد لا يعدل، وأن هذه الطريقة الساذجة لا تصح أن تكون حجة علمية دقيقة يعتمدون عليها في قوانينهم وأبحاثهم، فهم لذلك يعمد إلى تحليل النغمات تحليلا صوتيا حسابيا، ويفرقون بين درجات السلم الموسيقي بنسب مضبوطة ثابتة لا يعتورها خلل، ولا تعرض للأحداث والغير.

وأرى هنا قبل ان أتحدث عن تقسيم النغم الشرقي والغربي أن أثبت التقاسيم العامة في السلمين ليظهر جليا تركيب التقسيم في السلم الشرقي وبساطته في السلم الغربي.

1 - السلم الغربي (من اليمين إلى اليسار تنازليا)

دو - سي - لادييز - لا - صول دييز - صول - فاد - فا - مي - ري د - ري - دود - دو

والمسافة بين كل هذه الاقسام متساوية في السلم المقرب وهو

المستعمل في العالم الغربي الآن وتساوي نصف مسافة كاملة

1516

2 - السلم الشرقي

8204859049 8

9218765536 9

نوا - تيك حجاز - حجاز - نيم حجاز - جهار كاه - تيك -

بوسلك - سيكاه - تيك - كردي - دوكاه - تيك - زنكلاه - نيم - رصد

2048 59049 8

218765536 9

- رصد - تيك - كوشت - عراق - تيك - عجم عشيران -

حسيني عشيران - تيك - قباحصار - قباحصار - نيم قباحصار - يكاه -

8204859049 8

9218765536 9

نوا - تيك - حجاز حجاز - نيم - جهار كاه - تيك - بوسلك -

سيكاه - تيك - كردي - دوكاه - تيك - زنكلاه - نيم - رصد -

تيك - كوشت - عراق - تيك - عجم عشيران - حسيني عشيران - تيك - قباحصار - قباحصار - نيم - قباحصار -

2048 59049 8

218765536 9

ويراعى في تقسيم هذه المسافات، النسب التي ذكرناها تحت باب السلم الموسيقي الشرقي في عدد أسبق من الرسالة.

وقد رأى موسيقيو الغرب ان كل ما يستعملونه من الانغام ينحصر في نوعين رئيسيين، اطلقوا على أحدهما اسم النغمة الكبرى والثاني اسم النغمة الصغرى وجعلوا الدرجة الاساسية للسلم الكبير وهي دو وللسلم الصغير لا. وينسبون اسم النغمة الاساسية فيقال نغمة دو الكبيرة ونغمة لا الصغيرة ولا بأس من أن نوضح هنا نسب المسافات بين الدرجات في سلمي النغمتين.

النغمة الكبرى دو 1615 سي 98 لا 98 صول 98 فا 1615

مي 98 ري 98 دو

النغمة الصغرى لا 98 صول 98 فا 1615 مي 98 ري 98

دو 1615 سي 98 لا

وقد جعلوا شرطا في كل لحن ان ينتهي بالدرجة الاساسية في نغمة دو يجب ان تكون آخر درجة في ختام اللحن هي دو وكذلك في لا. كما انهم أباحوا للملحن أن يختار أي درجة من درجات السلم الموسيقي لتكون درجة اساسية للحن مع مراعاة النسب المفروضة للنغمة المستعملة سواء أكانت الكبرى أم الصغرى، وجوب انتهاء اللحن بالدرجة الاساسية.

وقد رؤى بعد ذلك أن هناك نوعين من النغمة الصغرى إحداهما تشابه النغمة وهبوطها، والأخرى يختلف السلم هبوطا عنه صعودا إذ يرسون موقع الدرجة السادسة نصف مسافة في الصعود، وعند الهبوط تكون النسب بين الدرجات هي نفس نسب النغمة الكبرى وسميت النغمة الاولى بالصغرى المطربة والثانية بالصغرى المتوافقة أو المتجانسة فرضوا أن من الشروط اللازمة في علم الانغام ان المسافة التي بين الدرجة السابعة والثامنة يجب ان يكون مقدارها نصف مسافة، كاملة وسميت الدرجة السابعة في السلم بالدرجة الحساسة - وان كنت لا ادري مصدر هذه التسمية - واحسب ان علماء النغم انفسهم لا يستطيعون لذلك تفسيرا دقيقا.

هذا في الموسيقى الغربية، أما في الموسيقى الشرقية فشد الله ازر المشتغلين بالانغام فيها، ويسر لهم من أمرها ما عسر، فلا قاعدة عامة، ولا نغمات معدودة محصورة يسهل على الفكر ادراكها وتحديدها. وإنما هي نغمات تعد بالمئات، ولكل نغمة قاعدتها الخاصة أو قل قواعدها في ترتيب النسب لمسافاتها ودرجاتها. ولذا يستحيل علينا ان نجد عالما شرقيا، مهما بلغ به العلم، قد الم بكل هذه النغمات وأحاط بها. وليس هذا يعني ان كل النغمات في الموسيقى الشرقية عسيرة المطلب شاقة المنال، بل ان فيها من الانغام ما يستطيع الموسيقي العادي ان يلم بها بدون حاجة إلى جهد أو كبير عناء. بل إن من هذه النغمات ما يجعل الموسيقى الغربية في يأس قاتل لعدم بلوغها تلك المرتبة من دقة التقسيم وعذوبة التوقيع وحساسة الإذن.

وفي الموسيقى الشرقية اختلاف عن بساطة التسمية للنغمات الغربية فقد قلنا في النغمات ان النغمة الكبرى أو الصغرى يصح ان تنتقلا على كل درجات السلم محتفظين باسميهما مع نسبة اسم الدرجة التي تعتبر أساسية إلى النغمة. أما في الموسيقى الشرقية فلا يمكن حصر النغمات. ولنأخذ مثلا النغمات التي درجتها الاساسية الرصد، وأولها نغمة الرصد، ثم السوزناك والحجاز كار والنهاوند والنوا أثر والنكريز وطرزنوين والسازكار، وهكذا إلى حوالي الثلاثين نغمة. ولا يقتصر الأمر على هذا. وينهج النهج الغربي عند اعتبار درجة اساسية اخرى غير الرصد للنغمة بل يزداد التعقيد، فمثلا نغمة الحجاز كار ودرجتها الاساسية الرصد وسلمها الموسيقي كما يلي:

كردان 21872048 أوج حصار 21872048 نوا 98

جهاركاه 21872048 سيكاه 21872048 زيركوله

21872048 رصد 256243 98

فلو اتخذنا درجة الدوكاه أساساً لهذه النغمة فان اسمها يتغير ويصبح مشهناز، ولو اتخذنا نفس هذه النسب أيضاً لدرجة اساسية هي الحسيني عشيران لتغير اسم النغمة وأصبح سوزول وباتخإذ درجة اساسية هي العراق يصبح اسم النغمة اوج أرا، ويقول الراسخون في علم الانغام الشرقية - ولسنا نعرض لقولهم الآن - ان هذا التركيب والتعقيد في اختلاف اسماء الانغام وتنوعها مع تشابهها لهو عقدة فنية محبوكة، والفخر كل الفخر لمن استطاع ان يلم من هذه الانغام باكثرها تعقيدا واكثرها غرابة في الاسم والتصوير، ثم يعللون هذا أيضاً بأن تلك الانغام وان تشابهت حقا في ترتيب سلمها فان هناك اختلافا بسيطا في سير النغم عند الصعود أو الهبوط.

هذا ابسط مثل لنغمة واحدة في انتقالها على ثلاث درجات مختلفة، ولو اردنا ان نحصر عدد الانغام التي يمكن تكوينها على درجات السلم الشرقي وعددها اربع وعشرون - من النغمات التي درجتها الاساسية هي الرصد فقط لاحتجنا إلى خبير حسابي ليستعين بعمليات التباديل على اجابتنا إلى ما نرغب. ولما كان الغرض من هذا البحث هو التعرض بوجه عام إلى الفروق الظاهرة بين الموسيقى الشرقية والموسيقى الغربية، فانا نرجئ التكلم عن محاسن ومساوئ الموسيقى الشرقية إلى اجل قريب.

مدحت عاصم