مجلة الرسالة/العدد 434/كليلة ودمنة
مجلة الرسالة/العدد 434/كليلة ودمنة
3 - كليلة ودمنة
للدكتور عبد الوهاب عزام
ص 95 س 7: (إن أرضاً يأكل جرذانها مائة منّ من حديد ليس بمستكبر لها أن تختلف بُزاتها الفيَلة)، قال الناقد الفاضل: (ابن المقفع - فيما أشعر - لا يقول هذه الكلمة، بل يقول بمستنكر). ومما يجدر ذكره أن استكبر الشيء بمعنى رآه كبيراً وعظيم عنده، قولٌ منسوب إلى الإمام ابن جنى ولم يقله عامة اللغويين. . . الخ
أقول: هذا القول جاء من كتب اللغة كثيراً منسوباً إلى ابن جنى وغير منسوب، وهو مقيس مسموع. وأرى أن (أمُستَكبر) أولى بهذا الموضوع من (مستنكر)، لأن الاستنكار أن يعدّ الأمر نُكراً، والاستكبار أن يعدّ كبيراً، ومرجع المعنى في هذه الجملة إلى أنه مستكبر للبزاة أن تختطف الفيلة لا إلى استنكار هذا. ثم استعمل كلمة (لها) دون (عليها) أقرب إلى الاستكبار. فإن جاز أن توضع مستنكر هنا فمستكبر في رأيي اقرب إلى سياق الحديث وأخصّ في المعنى.
ص 107 س 6 (إذا جئتني يا ليل من غير نداء ولا رمى ولا شيء يرتاب به) قال الناقد: فما ذلك الرمي؟ الصواب: (ولا رمز) وأقول إن الرمي هو الصواب لأن الرمز من أغلب معانيه إشارة باليد أو غمز بالعين أو الحاجب. وهذا مما لا يبين بالليل وإنما أراد الكاتب أن ينبذ إليها شيئاً تعرف به حضوره.
ص 115 س 13 وصفحات أخرى (رأس الخنازير وسيّد الخنازير) قال: عندي أنها رأس الخبّازين وسيد الخبّازين. واستدل ببعض النسخ. وأرى أن الخنازير أقرب إلى الصواب لأن دمنة وصف هذا الرئيس بصفات الخنازير. وليس في وصفه بأنه صاحب المائدة ما يجعله خبازاً ثم تسميه رئيس الجماعة سيدهم كما يقال سيِّد الخنازير أقرب من أن يسمى رئيس الصناع سيدهم فيقال سيد الخبازين. وقد بينت اختلاف النسخ في هذه الكلمة في التعليق الحادي عشر من باب الفحص عن أمر دمنة. وعن هذا التعليق أخذ الناقد روايات النسخ التي استدل بها. ومن غريب ما وقع في هذا النقل أني قلت في التعليق (وفي نسخة شيخو والسريانية) أعني النسخة السريانية الحديثة فقال الأستاذ في النقد: (وفي نسخة شيخو السريانية). وليس لشيخو نسخة سريانية.
ص 127 س 1: (وأخفت علىّ الشبكة حتى لججت فيها وصويحباتي)؛ قال الناقد: إنما هو لحج - أي نشب - وقوله في هذا سديد جيد، أرجو أن يكون ابن المقفع أراده.
ص 133 س 15: (وكان الضيف رجلاً قد جال الآفاق) قال: والفعل جال لا يتعدّى بنفسه، والوجه جال في الآفاق. أقول: والأمر في هذا هين، فقد قيل جوّل البلاد وجول فيها ولا يبعد أن يعدّى جال بالتضمين أو ضرب من التوسع.
ص 139 س 8: (وانقلبت ظهر البطن وانجررت حتى دخلت جحري). قال: وإنما هي انحدرت - أي نزلت في سرعة إلى الجحر - أقول: كان هذا وجهاً لو كانت الجملة (وانجررت في جحري)، ولكنها: (انجررت حتى دخلت في جحري)، فقد جرّ الجرذ نفسه حتى بلغ الجحر. ولا يلزم أن نتصور الحجر في مكان منخفض، فنضع انحدر مكان اتجرّ
ص 150 س 7 (إن كان (العدو) بعيداً لم يأمن من معاودته إن كان متكشفاً لم يأمن استطراده)
قال: متكشفاً أي بادياً ظاهراً وهي لا تساير الكلام، والصواب مكثباً أي دانياً الخ.
ورأيي أن هذا ليس صواباً. فإن الاستطراد أن ينهزم المقاتل أمام قرنه ليكر عليه فهو ضرب من المكيدة يراد به إبعاد القِرن عن فريقه أو نحو هذا. ومعنى الكلام هنا أن الإنسان ينبغي أن يكون على حذر من عدوه في كل حال ولا ينخدع بالحالات التي يظن فيها العدو بعيداً أو مهزوماً فإن رأى عدوه متكشفاً ظاهراً له غير ممنوع منه أو متظاهراً بالهزيمة فلا يأمنّ أن يكون هذا استطراداً يريد أن يخدعه به ليكر عليه. فإن وضعنا كلمة (مكثياً) أي دانياً موضع (متكشفاً) اختل الكلام اختلالاً وكان معناه إن رأيت العدو قريباً فلا تفتر بقربه فلعله يريد أن يستطرد لك. وهو كلام متهافت، لأن اقتراب العدو ليس من أحوال الخداع التي يفتر بها عدوه، فيقال له: لا تفتر بقربه، فإنه يستطرد لك. ثم حالة القرب مذكورة بعد هذه الجملة: (وإن كان متكشفاً لم يأمن استطراده، وإن كان قريباً لم يأمن مواثيقه)
166: 15 (فإن الشر يدور حيثما دارت). قال: هي حيثما دُرتَ - وليست كذلك فالضمير راجع إلى الطبائع المذكورة في الجملة (أرأيتك لو أحرقناك بالنار كان جوهرك وطباعك تحترق معك؟ فإن الشر يدور حيثما دارت)
171: 4 (فابتليت ببلاء حرمت على الضفادع) قال: والجملة بهذا الوضع مبتورة ناقضة وتمامها (حرمت على الضفادع من أجله) أي من أجل البلاء وذلك كما في صفحة 77 عن طبعة بولاق.
أقول هذا الاعتراض وأشباهه يسيرٌ على من يريد أن يغير أسلوب الكتاب إلى الأسلوب المألوف المعروف كما فعل الكتّاب بنسخ الكتاب الأخرى. ولكني أزعم أن أمامنا نصاً آخر جديراً بالبحث وأن أسلوب ابن المقفع لا يخلو من أثر الفارسية ولعل هذه الجملة من شواهد هذا التأثير فليس في الجملة الفارسية عائد على الموصول أو الموصوف. لهذا أثبتها كما وجدتها غير عادل عنها إلى روايات النسخ الأخرى.
هذا إجمال الجواب عما يحتاج إلى جواب مما جاء في المقال الثالث من مقالات الناقد الفاضل، وموعدنا بالجواب عن المقال الأخير العدد الآتي إن شاء الله.
عبد الوهاب عزام