انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 430/عبرة من (نظام أوربا الجديد)

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 430/عبرة من (نظام أوربا الجديد)

ملاحظات: بتاريخ: 29 - 09 - 1941


للأستاذ محمد توحيد السلحدار بك

(نظام أوربا الجديد) عنوان إن هو إلا زواق خادع، خلعته الدعاية النازية على سياسات شيطانية تؤسسها القوة الألمانية في أوربا، لتستغل بها الشعوب المغلوبة وتستفحل، فتمد رواق سيادتها حيث توجد مطامعها من العالم القديم إلى الجديد، إن هي خرجت ظافرة من هذه الحرب الضروس.

وقد استعار إينتسج ذلك العنوان لكتابٍ فند به (ما تدعيه النازية من أن الدول الأوربية التي تخضع لسلطان ألمانيا ستتمتع برخاء منقطع النظير في تاريخ البشرية) في ظل هذا النظام، وكشف (عن الخطط المحتملة التي تدل التجارب على أن النازيين سوف يتبعونها في المستقبل). فلله دره!

دعاية تحارب دعاية! لكن (إينتسج) جاء بحقائق وعبر يجب أن يتأملها الناس، عسى أن تستنير بها بصائر، وترتفع أوهام، ويتبين مآل كل حال. وحسب الشرقيين موعظة قوله: (الشرط السياسي الأساسي لقيام نظام أوربا الجديد هو وجود جيش ألماني. . . بحال تمكنه من غزو البلاد التي يريد غزوها من غير أن يلقى مقاومة تستحق الذكر، يكفي لقيام الأحوال السياسية التي يحتاجها إنشاء النظام الجديد).

ولذلك فإننا غير واثقين من أن البلاد التي يشملها هذا النظام ستحتلها قوى ألمانيا العسكرية بصفة دائمة. . . وأكبر ظننا أن بعض أجزاء من البلاد المفتوحة ستضم بالفعل إلى الدولة الألمانية. . . لكن ألمانيا قد تجد من الملائم لها مع ذلك أن تقيم عدداً من الدول الخاضعة لسلطانها مستقلة بالاسم عنها، ولكنها خاضعة لها خضوعاً تاماً. . .

ولن ينقضي أجل الاحتلال الألماني للبلاد المفتوحة حتى يقاوم فيها نظام للحكم موال لألمانيا. ولربما اتخذوا من وعدهم بجلاء الجيوش الألمانية وسيلة يحصلون بها على تأييدهم في إنشاء نظم للحكم صورية تكون ألعوبة في أيديهم. أما الأمم التي تظهر عدم رغبتها في قبول (حقائق الموقف)، فستنذر بالضم إلى الدولة الألمانية. . .

إن قيام هذه الحكومات المحلية بالأعمال الإدارية العادية يوفر على برلين عناء كبيراً، ويمكنها من أن تتفرغ لوضع قواعد سياستها العامة. يضاف إلى هذا أن جزءاً من العداء الذي يوجه إلى ألمانيا إن أدارت هي شؤون البلاد، سيتحول تياره نحو هؤلاء الحكام، فإذا لم يطق الناس حكمهم لشدة كرههم إياه، استبدلت بهم طائفة أخرى من الخونة الذين لا يستنكفون أن يخدموا المصالح الألمانية. . .

وليس من المحتم أن يكون الذين يقبلون الاشتراك في هذا العمل الإداري خونة، فقد يشعرون بأنهم يخدمون أمتهم إذا قاموا بالعمل العادي الضروري لحياة المجتمع الحديث.

ولكن الذي نرجحه أن تقوم سياسة ألمانيا في البلاد التي تحت سلطانها على إيجاد طوائف من الخونة مختلفين، نازيين أو غير نازيين يعارض بعضهم بعضاً. وقد تكون الأحزاب النازية المحلية المتنافسة أصلح الطوائف لهذا الغرض، فإذا لم تكن كذلك فإن ألمانيا لن تتردد في أن تقدم معونتها لأي نظام يخضع لمشيئتها وإن لم يكن قائماً على المبادئ النازية. . .)

تلك إذن هي السياسة النازية العاملة في البلاد الأوربية، وهي من ظواهر المنطق الألماني الذي يوهم صاحبه أنها سياسة يعمل بها حتى غير الألمان، فيقول استي مثلاً في كلام على التوسع الإمبراطوري البريطاني في مصر: (وجد لسوء الحظ في مصر، كما وجد في الهند، خونة للوطن ظنوا أنهم بعون الإنجليز يستطيعون الاستيلاء على الحكم، وبهذا نجحت في البقاء بمصر سلطة أجنبية ما كانت أبداً لتستطيع التسلط على بلد متحد حول الفكرة القومية).

لو وقع ذلك في مصر لكانت حالها حينئذ عين الحال التي يضربها الألمان من الآن على أمم أوربا المغلوبة وهي ليست بأقل منهم إنسانية، وإن أنكرت ذلك النازية المتغطرسة حتى على الآريين من غير الجرمان.

وإذا كان شأن الألمان مع الأوربيين أنفسهم هو ما علمت فما الظن بما يستحلون في استعباد الشرق واستغلاله واستيعاب ثروته، إن قدر لهم النصر في النهاية؟

حقاً إن في بيان إينتسج لعبرة يجب أن يعتبرها كل مخدوع أو مخادع وهو غافل عن الحقائق.

محمد توحيد السلحدار