مجلة الرسالة/العدد 428/من لواعج الذكرى
مجلة الرسالة/العدد 428/من لواعج الذكرى
للأستاذ محمد كامل حته
أبى! كيفَ ماتَتْ مَعَاِني الرثاءْ ... عَلَى شَفتيَّ وَغُصَّ القلمْ!
وكيفَ احتواِني ذهولُ الفناءْ ... عَشَيَّةَ غُيِّبْتَ بَينَ الرِّممْ. . .
وأينَ الدموعُ، وأينَ البكاءْ ... يموجُ على شاطِئَيِه الألََمْ!
وأينَ الرثاءُ يَهُزُّ السماءْ ... وَيُدْمِى الجفونَ وُيذكِى الضَّرَمْ
تَأَبَّتْ عَلَيَّ فنونُ العزاءْ ... وَجَارَتْ عَلَيَّ همومُ العدمْ
فأَعْوَزَني يومَ مِتَّ الوَفاءْ ... وما أنا في الناسِ بالمنَّهَمْ
كأني وقد حُمَّ فيكَ القضاءْ ... ذبيحٌ تَحَشْرَجَ فيهِ النغمْ!
تُرَى كيفَ مَرَّتْ عليَّ الشهورْ ... وكيف انقضَى العامُ والآخَرْ
وكيف احتوانِيَ صَمْتُ القبورْ ... وأخرسني وَحْيُهَا الساخرُ!
وبي لوعةٌ من عذابِ السعيرْ ... تَلَظَّى بها القلبُ والخاطرُ
وما في بَيَاني وَنًي أو قُصُورْ ... ولي منْطقِي المسعفُ الهادرُ
لقد خدَعَتْني المنَى وهي زُورْ ... وغَرَّرَ بي الأملُ الغادرُ
فأقسمتُ: ساقي الردَى لن يدورْ ... على مهجتي كأسُهُ الدائرُ
فدارَتْ بيَ الكأس ظَمأَى تفورْ ... وَغُولُ الردَى مُطْبِقُ كاشِرُ!
هُوَ الموتُ قدْ رَوَّعَتْنِي رُؤاهْ ... فذابَ جَنَانِيَ في قَبْضَتِهْ
وَأَعْوَلَ فِي دُنْيَيَاتِي صَدَاهْ ... وَغَامَتْ حَيَاتي على صَفْحَتِهْ
فلمَّا تَقَشَعَ عَنِّي دُجَاهْ ... تَلَفَّتُّ، وَالقلبُ في غَشْيَتِهْ
فأَلَفيتُنِي فِي خِضَمِّ الحيَاهْ ... مَهِيضَ الشراعِ على لُجَّتِهْ
وَحِيدًا تُرَوِّعُهُ فِي سُرَاهْ ... هُمومٌ تَفَزَّعُ مِنْ وَحْشَتِهْ!
وَأَيْنَ العزاءُ، وكيف النجاةْ؟ ... سؤالٌ يُدَمْدِمُ في وَحْدَتِهْ
وأين أَبي؟ في جِوَارِ الإلهْ ... يُلقَّى الكرامة في جَنَّتِهْ!
إلى البدر. . .
للأديب محمد عبد السلام كفافي سميرك يا بدر الدجى كاد يغربُ ... ويحجبه من عالم الموت غيهبُ
أرانا تشابهنا فأنك في الدجى ... منار وإني في دجى اليأس كوكب
ونحن بنو أم كلانا سليلها ... ولكنَّنا فيها نُوَارى ونُحجب
فويلك إن أَلْقت عليك بظلها ... وويلي إذا ما في ثراها أُغَب
ولكن تخالفنا فأنت تعود من ... غروب ولن آتي إذا حان مغرب
وأنت صليب القلب لكنني فتى ... فؤادي بألوان الهموم معذّب
فكم بات قبلي سامرون مدى الدجى ... طوتهم من الماضي سنون وأحقب
تناجيك أشعار لهم وأهازيجٌ ... ويشجيك نايٌ خالد اللحن مطرب
وولوا ولم تحزن عليهم بدمعة ... ولكن على أجداثهم بت تلعب
حكيت فتاتي في الملاحة والسنى ... وتحكيك منها قسوة وتجنب
كأنك منها وهي منك تحدرت ... فليست إلى الأرضين تُنمى وتنسب
أراها على أفق الجمال تربّعت ... يداعبني منها شعاع محبّب
فيوهن بأسى حبُّها ويهدّ من ... قوى عزمتي والحب أقوى وأغلب
فويليَ يا بدران - إن مت - منكما ... فلا هي تبكيني ولا أنت تندب