مجلة الرسالة/العدد 426/كليلة ودمنة
مجلة الرسالة/العدد 426/كليلة ودمنة
2 - كليلة ودمنة
نقد وتعليق
للأستاذ عبدا لسلام محمد هارون
7 - 4: 179: (فأسعفني بطِلبتي) بكسر الطاء وهي صحيحة. لكن العرب يختارون في مثل هذا (الطّلِبة) بفتح الطاء وكسر اللام. ومنه حديث نقادة الأسدي: (قلت: يا رسول الله، أطلب إليّ طلبة، فأني أحب أن أطلبكها)
8 - 4: 261: (إن الملوك وغيرهم جدر أن يأتوا الخير إلى أهله). وقد أفسد هذه العبارة أمران: أما الواحد، فأن (جدر) جمع (جِدار) بالكسر، وهو الحائط؛ والصواب: (جدراء)، أو (جديرون)، وهما الجمعان اللذان يجمع عليهما (جدير)؛ وجمع (فعيل) صفة على (فعل) بضمتين نادر سمع منه: نذير ونذر وجديد وجدد (بدالين)، وسديس وسدس
وأما الثاني، فأن (أتى) إذا تعدّى إلى المفعول لا يكون بمعنى الإعطاء، بل يكون بمعاني أخر منها الفعل: أتى الأمر والذنب: فعله؛ ومنها الهدم والقلع، قال الله تعالى: (فأتى الله بُنيانهم من القواعد) ومنها الانتساب، أتى الرجل القوم: أنتسب اليم وليس منهم، فهو أتىُّ
وأما الذي هو بمعنى الإعطاء فهو الفعل (آتى) على زنة أفعل. ومنه قول الله تعالى: (آتنا غداءنا)؛ وقوله: (وآتيناه الحكم صبيّا)؛ ومضارعه (يؤتى) على يفعل.
وفي كتاب الله تعالى: (يُؤتى. يؤتون. يؤتين. يؤتيه. سيؤتينا. يؤتكم. يؤتيهم. تؤتونهن. وتؤتوها. نؤتيه. نؤته. نؤتها. يؤتهم. سنؤتيهم)؛ وإنما سقت هذه الشواهد لأنبه على أن ما ورد في اللسان من قوله: (والإيتاء: الإعطاء. آتى يؤاتى إيتاءً، وآتاه إيتاءً أي أعطاه) وهم أو تصحيف؛ والصواب: آتى يؤتى
فوجه عبارة أبن المقفع إذن: (جدراء أن يؤتوا الخير إلى أهله).
ولعل السر في هذا التحريف أن طائفة من علماء الرسم الأقدمين كانوا يرسمون الهمزة ألفاً في كل حالة، وزعيمهم في ذلك سنة 207 وجمهور علماء الرسم يسمون أولئك (أصحاب التحقيق)، أي تحقيق الهمزة؛ وأما الكتابة الغالبة التي نأخذ نحن بها الآن، فيسمى أصحابها: (أصحاب مذهب التخفيف والتسهيل)، وهم يجرون على لغة أهل الحجاز في تخفيف الهمزة وتسهيلها، ويعبرون عنها بصور تسهيلها: من الألف والواو والياء. فلعل هذه بقية من بقايا رسم التحقيق
2 - في الضبط النحوي
1 - ص14س7: (ولكل علّة مجرى)، صوابه: (مجرى) بالتنوين، وهو تحريف طبع
2 - 11: 18: (فيعلم سرّ نفسه وما يضمر عليه قلبه) بنصب (قلبه) وجعلها مفعولاً ليضمر، وأضمر يضمر بمعنى أخفى يخفي، فما يكون المعنى في أن يخفي قلبه عليه؟ الصواب: (قلبه) بالرفع على الفاعلية؛ لأن القلب هو الذي يضمر الأسرار والنوايا
3 - 14: 41: (وشبّهت الجرذين بالليل والنهار، وقرضهما دأبهما في إنفاد الآجال) يصح أن تقرأ: (وقرضهما دأبهما) باستمرار التشبيه، و (شبّه) من الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين. وفي اللسان: (شبّهه إياه وبه). ومنه قول الشمردل:
يُشَّبهُون مُلوكاً في تجِلَّتهم ... وطول أنْضية الأعناق والأُمم
وقول عبد بني الحسحاس:
فشّبهنني كلباً ولست بفوقه ... ولا دونه إن كان غير قليل
وقد سبق استعمال ابن المقفع لهذه اللغة في 35س4: (وشبهتهما الجُنَّةَ الحريزةّ) وعلى ذلك يسوغ أيضاً أن تضبط كلمة (العسل) في السطر بعدها بالنصب
4 - 68: 14 - 16: (قال دمنة: حدثني الأمين الصادق عندي أن شنزبة خلا برؤوس جندك فقال لهم: قد عجمت الأسد، وبلوت رأيه ومكيدته وقوته، فاستبان لي في كل ذلك ضعف، وإنه - بسكر الهمزة - كائن لي وله شأن. وأنه - بفتح الهمزة - لما بلغني هذا عرفت. . . الخ)، يصح أيضاً: (وأنه كائن) بفتح أن، عطف على فاعل (استبان). ويتعين: (وإنه لما بلغني) بكسر الهمزة، عطف على مقول دمنة، أي وقال دمنة: إنه لما بلغني. . . الخ
5 - 96: 3 (وكذلك الجهال لم يزالوا يستثقلون عقلاءهم واللوماء كرامهم). صوابه: (واللؤماء) بالرفع. وهذا تحريف طبع
128 - : 4 (فأعادت ذلك عليه مراراً - كل ذلك لا يلتفت إلى قولها). ولا وجه للفرع هنا. والوجه (كل ذلك) بالنصب على الظرفية الزمانية. ولا يصح أن تكون: (كل) مبتدأ، وذلك لأن الضمير العائد عليها محذوف تقديره (فيه).
والبصريون يمنعون حذف الضمير العائد على لفظ (كل) إذا كان مبتدأ، ولذلك حكموا بشذوذ قراءة أبن عامر في سورة الحديد (وكل وعد الله الحسنى)، وقراءة باقي السبعة: (وكلاً) بالنصب. وأبن عامر قرأ نظير هذه الآية من سورة النساء 95 (وكلاً وعد الله الحسنى) بالنصب كالجماعة
7 - 160: 2 (إلى مكان كذا وكذا). تكرار (كذا) مع العطف أحد استعمالين صحيحين. والوجه الآخر الإفراد، أي (مكان كذا)؛ وبهذا وردت في ص83 من طبعة بولاق
قال أبن هشام في رسالته التي صنفها في معنى هذه الكلمة:
كذا وكذا يكنى بها عن غير العدد. وفيها حينئذ الإفراد والعطف، نحو مررت بمكان كذا، ومررت بمكان كذا وكذا. ويكنى بها عن العدد وليس فيها إلى العطف. . . وقال أبن مالك: سمع فيها العطف وعدمه كالأولى، ولكنه قليل
وفي شرح الأشموني: (تأنى كذا هذه - أعني المركبة - كناية عن غير العدد وهو الحديث مفردة ومعطوفة)
ففهم من هذين النصين أن الإفراد في المكنى بها عن غير العدد مقدم على العطف. ولكن الرضى قدم العطف على الإفراد في الحالين
قال: (وورود كذا كذا مكرراً مع واو نحو كذا وكذا أكثر من إفراده ومن تكرره بلا واو، ويكنى بها عن العدد نحو عندي كذا درهماً، وعن الحديث نحو قال فلان كذا)
وقد التزم أبن المقفع لغة العطف، فقد جاء في 168 س14 (إن اليوم بمكان كذا وكذا) وفي 224 س8: (في يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا)، وفي 258 س13 (فقال كذا وكذا)
8 - 179: 2 (ولم أذكر ما ذكرت إلا أكون أعرف منك الكرم والسعة). والوجه: (إلا لكوني أعرف منك) الخ
9 - 199، 3: (لم تدر أيهما تأخذ) برفع (أيهما) والصواب (أيهما) بالنصب، فإنها مفعول مقدم لتأخذ، وليس من باب الاشتغال و (أي) هنا استفهامية، ولذا علقت الفعل القبلي قبلها عن العمل فيها. ولا يجوز أن تكون (أي) هنا موصولة بنيت على الضم، ولو فرضنا أنها موصولة فإنها لا تبنى عليه إلا في حالة واحدة، وهي إذا ما أضيفت وحذف صدر الصلة.
وليس في الكلام صدر صلة محذوف؛ فإنها جملة فعلية قال الرضي: (صلتها أما اسمية أو فعلية. والفعلية لا يحذف منها شيء، فلا تبنى أي معها. والاسمية قد يحذف صدرها). فلا بناء مع الصلة الفعلية
10 - 268، 9: (من غذوة إلى الليل)، وبمنع (غدوة) من الصرف. وهذا ضبط جيد، فإن (غدوة) هنا معرفة من قبيل أعلام الأجناس، بدليل قرنها بالليل وهو معرفة. وغدوة حين تعدها معرفة تمنعها الصرف فتجرها بالفتحة
وزعم الخليل أنه يجوز أن تقول: آتيك اليوم غدوة وبكرة؟ فهذا دليل على جواز الصرف مع إرادة المعرفة
3 - في تحقيق النص
1 - 26، 10: (مثل الحراث الذي يثير أرضه ويعمرها ابتغاء الزرع لا العشب) فما وجه العمارة في طلب الزرع؟!
الصواب (يغمرها) بالغين المعجمة، أي بالماء
2 - 38، 3 في الحديث عن الجنين: (منوط قمع سرته إلى مريء بأمعائها). وهو كلام متهالك مضطرب. فما العلاقة بين سرة الجنين وأمعاء الأم؟! وإنما الجنين موطنه الرحم، لا يعدوه ولا يتصل بغيره من الأعضاء. والصواب: (منوط بمعنى (من) سرته) كما ورد في نسخة بولاق ص28. والمعي، بالفتح، وكإلى: واحد الأمعاء. والمراد به هنا ما يسمى: (الحبل السري):
أما كلمة (مريء) فعجيبة أيضاً، فإن المريء بفتح الميم وكسر الراء: هو رأس المعدة اللاحق بالحلقوم، وهو مجرى الطعام والشراب إلى المعدة؛ لا يكون إلا ذلك، فكيف يكون المريء بالأمعاء؟! ووجه سائر العبارة عندي: (إلى مراق رحمها). وأصل المراق للبطن، وهي مارق منه ولان
3 - 40: 6: (والرضا مجهوداً مفقوداً) هي (مجهولاً) باللام. جاء في نسخة بولاق: (وكان الرضي أصبح مجهولاً) وفي نسخة شيخو 42: (وأصبح الرضي مفقوداً مجهولاً). وعند أبن الهبارية:
من بعد ما عاد الحجا مجهولاً ... والشر قد سامى السماء طولاً
والحجا بالكسر: العقل والفطنة 4 - 44: 7: (كالكحل الذي لا يؤخذ منه إلا مثل الغبار). صوابه: (إلا مثل غبار الميل). وقد جاء في نسخة بولاق ص30 (إلا غبار الميل) وفي نظم أبن الهبارية ص22:
أوشك أن يبقى بغير مال ... فالكحل لا يبقى على الأميال
الأميال: جمع ميل بالكسر
5 - 52: 2 (كالشعلة من النار التي يصونها) وفي التذييل ص290: إنها كذلك في الأصل وفي نسخة شيخو، وأنها في النسخ الأخرى (يضربها) وأن قريباً من هذا في السريانية الحديثة
أضيف إلى هذا التذييل أن في نسخة بولاق ص 34 (يضرمها) بالميم وهذه محرفة بلا ريب فليس المراد تقوية النار وإضرامها وتذكيتها، بل المراد سترها ومحاولة إضعافها
6 - 58: 1 (فأحسن الأسد مسألة شنزبة) المسألة هنا بمعنى السؤال، مصدر ميمي من سأل؛ والكتابة المعروفة (مسألة) برسم الهمزة فوق الألف
7 - 75: 12 (مثل المكاري، كلما ذهب واحد جاء آخر مكانه) هي في الأصل ونسخة شيخو: (مثل البغي كلما ذهب واحداً جاء آخر مكانه). وفي نسخة بولاق: (كمثل البغي كلما فقدت واحداً جاء آخر). وتغيير الأصل هنا لا مبرر له.
والأستاذ الجليل يعرف أنه لا يجوز لناشر كتاب تاريخي عالمي أن يبدل ما يراه غير ملائم لأذواق معاصريه وميولهم، ويعلم أن ذلك قد يعد جوراً على حق مؤلف الكتاب، فإن تسويغ التبديل يسلب الكتاب شخصيته، وربما نكره على مرور الزمان فعاد آخر غير الأول
ولعل ما حذا بالأستاذ على ذلك أن قد وجد أبن الهبارية قد صنع مثله (في ترجمته ص69) إذ يقول:
شبيه خان فاعلمن ومكتبِ ... من فر يوماً عنهما لم يطلب
لا يحقلان أبداً بمن رحل ... لكل من يمضي من الناس بدل
ومهما يكن فإن لفظ (المكاري) قلق ناب في موضعه، لا يتوجه إلى المعنى إلا مع الجهد والعسر، وإن فيما أثبته الأستاذ من التنبيه على ذلك التبديل في التعليقات لما يحمد عليه، وإن كان لا يعد عذراً صالحاً للناشر
ونسأل: ما الحكمة في أن يرفع الأستاذ هذا اللفظ من صلب الكتاب ثم يثبته وينبه عليه في التعليقات؟! وكيف تسخط هذه الكلمة وغفر لنظائر لها وأشباه متفرقات في ثنايا الكتاب؟!
(له بقية)
عبد السلام محمد هارون