انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 424/حول التعليم الإلزامي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 424/حول التعليم الإلزامي

ملاحظات: بتاريخ: 18 - 08 - 1941



هؤلاء الجنود المجهولون

للأستاذ محمد كامل حتة

إلى الأستاذ الجليل صاحب الرسالة

ليس عجيباً أن يجري قلمك في قضية المعلم الإلزامي بما جرى به من البيان الرائع والدفاع المحكم والحجة البالغة؛ فأن هذا القلم الذي وقفته على نصرة الحق في جميع صوره وقضاياه خليق بان يكون له في هذه القضية بلاء يزلزل جوانب البغي، ويفضح مسارب الهوى، ويسفر عن أوجه الحق وضيئة ساطعة!

أن قضية المعلم الإلزامي، هي في الواقع ومع النظر الدقيق، ليست ألا قضية الأجيال المقبلة التي تتكون على يديه وتنطبع على غراره. وليس من اليسير أن نتصور حياة هذه الأجيال ومظاهر وجودها شيئاً منفصلاً عن حياة هذا المعلم الإلزامي ومظاهر وجوده. ومن هنا كان الوضع الحاضر للمعلم الإلزامي جريمة في حق الشعب الذي تتصايح الدعوات في كل مكان بالحرص على مستقبله والرغبة في إنصافه وإسعاده. وكان المقياس الصادق للوطنية في مصر ما يبذل في سبيل المعلم الإلزامي من جهود مخلصة، تهيئ له النهوض بأعبائه الثقال في مكافحة الجهل والفقر والمرض والانحلال، وتنشئة الأجيال القادمة على الصورة التي تتحقق بها معاني الوجود ومقومات الحياة. . .

أما أن يضيق على المعلم الإلزامي في الرزق، حتى لا يكاد يقيم أوده ويستمر مظهره ويلحق بقافلته؛ ثم يحمل من الأعباء الثقال عملاً مرهقاً وحساباً عسيراً وتقديراً مجحفاً، ثم تتكأكأ عليه التهم الجائرة والدعايات النكراء، فتلك إساءات مؤذية، أهون مظاهرها أن تصيب أشخاص المعلمين الإلزاميين وأسرهم، وأخطر حقائقها أنها تصيب الشعب في آماله ومستقبل أجياله؛ لأن هذه الأجيال لن تكون إلا صورة مضطربة من هذه الحياة الشقية التي يحياها أولئك المعلمون، مهما حبرت وزارة الشئون الاجتماعية في مجلتها من الصحائف، ومهما افتنت في وضع البرامج الأخاذة والمشروعات الموشاة، ومهما تباكى أدعياء الإصلاح غيرة على مستقبل هذا الشعب البائس المحروم!

ولعل من الحقائق المؤلمة أن التراث الذي أورثتنا إياه القرون المتعاقبة على مصر قد وضع المعلم الإلزامي في مركز دقيق جعله هدفاً لكثير من الأفراد والجماعات، ترى في وجود هذا المعلم وفي طبيعة عمله خطراً تخشى مغبته على كثير من الأوضاع التي يرزح الشعب تحت أثقالها، ولا حياة لهؤلاء الأفراد والجماعات إلا في ظل هذه الأوضاع الجائرة؛ ومن هنا كانت الحملات على المعلم الإلزامي في كثير من الأحيان حملات مغرضة، تلبس ثوب الحق وهي من صميم الباطل، وتتظاهر بالإصلاح وهي ترمي إلى الهدم؛ وقد انساق في هذا التيار الجارف كثيرون عن حسن قصد وبراءة ضمير، من غير أن يفطنوا إلى هذه البواعث الخفية ومن غير أن يبذلوا في سبيل الإصلاح ما ينبغي من جهود. . .

ومن الأمور التي تستوقف النظر وتدعو إلى التفكير الطويل أن في وزارة المعارف ثلاثة رجال بأيديهم مقاليد الأمر في هذه الوزارة التي تتولى شؤون التعليم الإلزامي، وكلهم قد أبلى في بحث هذه المشكلة البلاء العظيم، واستطاع أن يلمس مواطن الداء ويقرر وسائل العلاج، وأن تكون له آراء جديرة بالتنفيذ لإصلاح حال المعلم الإلزامي الذي يتوقف على صلاح حاله صلاح المجتمع الذي يعيش فيه، ومع هذا فإن تلك الآراء القيمة التي سجلها هيكل وطه والسنهوري في صحائف الكتب والمجلات، لم يكن حظها على أيدي أصحابها وقد مكنتهم الأقدار من العمل والتنفيذ، أكثر من حظ ما يسطره كاتب مثلي قد تعوزه القدرة على إعلان رأيه، قبل أن تعوزه القدرة على تحقيق الرأي الذي يريد!

إني لأشفق على مشكلة التعليم الإلزامي في وزارة المعارف إذا لم تحل في عهد هؤلاء الثلاثة الذين ارتبطوا بمناهج قويمة في الإصلاح، وإلا فهل من اليسير أن تجود الأيام بمجموعة كهذه، اجتمعت على الرأي المتحد والعبء المشترك والقدرة المتاحة لتحقيق الآمال؟

(القاهرة)

محمد كامل حتة