انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 421/ليالي القاهرة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 421/ليالي القاهرة

ملاحظات: بتاريخ: 28 - 07 - 1941



الميعاد الضائع

للدكتور إبراهيم ناجي

ياَ مَنْ طَوَاها الَّليْلُ في ظَلْمائِهِ ... رُوحاً مُفَزَّعَةً عَلَى بَيْدَائِهِ

تَتَلَفَّتِينَ ألَيَّ في أَنْحَائِهِ ... لَهَفَ الفُؤَادِ عَلَى الْغَرِيبِ التَّائِهِ!

إِنْ تَظْمَئ لِيَ كمْ ظَمِئْتُ إِليْكِ ... جَمَعَ الوَفاءُ شَقِيَّةً وَشَقِيّا

ياَ مُنْيَتِي قَسَتِ الْحَيَاةُ عَلَيْكِ ... وَجَرَتْ مَقادِرُها الْجِسَامُ عَلَيّا!

إنِّي الْتَفَتُّ إلى مَكانِكِ وَالْمُنَى ... شُلَّتْ وَقلبِي لاَ يَطِيقُ حَرَاكا

فَصَرَخْتُ ياَ أَسَفا لَقَدْ كانَتْ هُنا ... لمَ عَاقَنِي الْقَدَرُ الْخَئُونُ هُنَاكا!

عَبَسَتْ وَسَوَّدتِ السَّماءُ ظِلالَها ... فَكأَنَّ عُقْباَناً تَحُطُّ رِحالَها

وَكَأنَّ أَطْوادَ السَّحابِ حِيالَها ... أَرسَتْ عَلَى الكَتِفِ الصَّغِيرِ ثِقالَها

تَسْتَصْرخِينَ لَكِ السَّماَء وقَدْ خَبَتْ ... وَطَوتْ بَشاشَة كُلِّ نَجْمٍ مُشْرِق

إِنْ خْلتهِاَ اسْتَمَعتْ إِليْكِ وَقَارَبَتْ ... أَلفَيْتهِا صَارَتْ كلَحْدٍ ضَيّقَ

ياَ مَنْ هَربْتِ مِنَ الْقَضَاءِ وصَرفِهِ ... عَجَباً لِهاَرِبةٍ تَلُوذُ بهاَرِبِ!

إِمَّا هَوَي نَجْمٌ وَمَالَ لِضَعْفِهِ ... أَبْصَرتِ حَظَّكِ في الشُّعَاع الْغَارب

أَسَفاً عَليْكِ وَأَنْتِ روحٌ حائرُ ... وَالكَونُ أَسْرارٌ يَضيقُ بها الحِجى

تَجْتَازُ عَابرَةٌ وَيُسْرِعُ عَابرُ ... وَتمُرُّ أشْبَاحٌ يُوَارِيها الدُّجَى

في وَجْنَتَيْكِ تَوَهُّجٌ وَضِرَامُ ... وَبمُقْلتيْكِ مَدَامِعٌ وَذُهُولُ

وَكَذَا نمُرُّ بِمِثْلكِ الأيامُ ... مَجْهُولةً وَعَذَابُهَا مَجْهُولُ

وَليْتِ قبْلَ لِقاَئِناَ يَا جَنَّتِي ... لَمْ تَظْفَرِي مِنِّي بِقَوْلٍ مُسْعِدِ

وَكَعَادةِ الْحَظِّ الشّقِّي وَعَادَتي ... أَقبَلْتُ بَعْدَ ذَهَابِ نَجْمِي الأوحَد

تَتَعَاقَبُ الأقْدَارُ وَهْيَ مُسِيئَةٌ ... كَمْ عَقَّناَ لَيْلٌ وَخَانَ نَهَارُ!

وَكأَنما هَذَا الْفَضَاءُ خَطِيئَةٌ! ... وَكأنّ هَمْسَ نَسِيِمهِ اسْتِغْفَارُ

وَكأَنهُ أَحْزَانُ قَوْمٍ ساروا ... هَذِى مآتِمُهُمْ وَثَمَّ ظِلالُها

عَفَتِ الْقُصُورُ وَظَلتِ الأسْوَارُ ... كَمَناَحَةٍ جَمُدَتْ وَذَا تِمْثاَلُها! غامَ السَّوَادُ عَلَى وُجُوهِ الدُّورِ ... وَسَرَى إِليَّ نَحِيبُهَا وَالأدْمُعُ

وَكأنّني فِي شاَطِئ مَهْجُورِ ... قَدْ فَارَقَتْه سَفِينَةٌ لا تَرْجِعُ

حَملَتْ لناَ أمَلاً فلَمَّا وَدَّعَتْ ... لَمْ يَبْقَ بَعدَ رَحِيِلها لِلنَّاظِرِ

إلاّ خَيَالُ سَعَادَةٍ قَدْ أَقْلَعَتْ ... وَوَدَاعُ أَحْبَابٍ وَدَمْعُ مُسَافِر

إبراهيم ناجي