انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 404/من ليالي كليوبترا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 404/من ليالي كليوبترا

ملاحظات: بتاريخ: 31 - 03 - 1941



للأستاذ علي محمود طه

(كتبت إلى الشاعر تقول: (قرأت لك عن ليلة النيل والموج،

وهو يروي حلم ليل من ليالي كليوبترة، فهلا وصفت لنا ليلة

من هذه الليالي؟ وهل لنا بصورة حلم أحلامها؟)

فإلى صاحبة تلك الإثارة الرائعة إهداء هذه القصيدة)

كِلْيُوُبُتْرَا! أيُّ حُلمٍ مِن لَيالِيكِ الحِسانِ

طَافَ بالموْجِ فَغَنَّى وَتَغَنَّى الشاطِئانِ

وَهَفا كلُّ فُؤَادٍ وَشَدَا كلُّ لِسانِ

هَذِهِ فَاتِنَةٌ الدُّنْيَا وَحَسْنَاء الزَّمانِ

بُعِثَتْ في زَوْرَقٍ مُسْتَلْهَمٍ مِنْ كلِّ فَنِّ

مَرِحِ المِجْدَافِ يَخْتَالُ بِحَوْرَاءَ تُغَنِّى

يَا حَبيبي هَذِهِ لَيْلَةُ حُبِّي ... آهِ لوْ شَاركْتَنِي أَفْرَاحَ قلبي!

نْبأةٌ كالكأْسِ دَارَتْ بَيْنَ عُشَّاقٍ سُكاَرَى

سَبَقَتْ كلَّ جَنَاحٍ في سماءِ النِّيلِ طَارَا

تَحْمِلُ الْفِتْنَةَ وَالْفَرْحَةَ وَالوَجْدَ المُثَارَا

حُلوَة صَافِيَةَ اللَّحْنِ كأَحْلاَمِ الْعَذَارَى

حُلْمُ عَذْرَاءَ دَعَاهَا حُبُّهَا ذَاتَ مَسَاءِ

فَتَغَنَّتْ بِشِرِاعٍ مِنْ خَيَالِ الشُّعَرَاءِ

يَا حَبيبي هَذِهِ لَيْلَةُ حُبِّي ... آهِ لوْ شَاركْتَنِي أَفْرَاحَ قلبي!

وَتَجَلَّى الزَّوْرَقُ الصَّاعِدُ نَشْوَانَ يَمِيدُ

يَتَهَدَّاهُ عَلَى الَموْجِ نَوَاتِيُّ عَبِيدُ

المَجَادِيفُ بِأَيدِيهِمْ هُتَافٌ وَنَشيدُ

وَمُصَلُّونَ لَهُمْ في النَّهْرِ مِحْرَابٌ عَتِيدُ سَحَرَتْهُمْ رَوْعَةُ الَّليْلُ فَهُمْ خَلْقٌ جَدِيدُ

كلُّهُمْ رَبٌّ يُغنِىِّ وَإلهٌ يَسْتَعِيدُ

يَا حَبيبي هَذِهِ لَيْلَةُ حُبِّي ... آهِ لوْ شَاركْتَنِي أَفْرَاحَ قلبي!

إِصْدَحِي أَيَّتُهَا الأرْوَاحُ باللَّحْنِ الْبَدِيعِ

وَامْرَحِي يَا رَاقِصَاتِ الضَّوْءِ بالَموْجِ الْخَلِيعِ

قَبِّلِي تَحْتَ شِرَاعِي حُلُمَ الْفَنِّ الرَّفيعِ

زَوْرَقاً بَيْنَ ضِفَافِ النِّيلِ في لَيْلِ الرَّبيعِ

رَنَّحَتْهُ مَوْجَةٌ تَلْعَبُ في ضَوْءِ النُّجُومِ

وَتُنَادِى بِشُعَاعٍ رَاقِصٍ فَوْقَ الْغُيُومِ

يَا حَبيبي هَذِهِ لَيْلَةُ حُبِّي ... آهِ لوْ شَاركْتَنِي أَفْرَاحَ قلبي!

لَيْلُنَا خَمْرٌ وَأشْوَاقٌ تُغَنِّى حَوْلَنَا

وَشِرَاعٌ سَابحٌ في النُّورِ يَرْعَى ظِلَّنَا

كانَ في الَّليْلِ سُكاَرَى وَأَفَاقُوا قَبْلَنَا

لَيْتَهُمْ قَدْ عَرَفُوا الْحُبَّ فَبَاتُوا مِثْلَنَا

كلّمَا غَرَّدَ كأُسٌ شَرِبُوا الْخَمْرَةَ لَحْنَا

يَا حَبيبي كلُّ ما في اللَّيْلِ رُوحٌ يَتَغَنَّى

هَاتَ كأسِي إنَّهَا لَيْلَةُ حُبيِّ ... آه لوْ شاركتَني أفْراَحَ قلبي!

يَا ضِفَافَ النيِّلِ باللهِ وَيَا خُضْرَ الرَّوَابي

هَلْ رَأَيْتنَّ عَلَى النهرِ فَتىً غَضَّ الإهَابِ

أسمَرَ الْجَبهَةِ كالْخَمْرَةِ في النُّورِ المُذابِ

سَابحاً في زَوْرَقٍ مِنْ صُنْع أحْلامِ الشَّبَابْ؟

إنْ يَكنْ مَرَّ وَحَياً مِنْ بَعيدٍ أو قرِيبِ

فَصِفِيِهِ، وَأَعيدِي وَصْفَهُ فَهْوَ حبيبي!

يَا حَبيبي هَذِهِ لَيْلَةُ حُبِّي ... آهِ لوْ شَاركْتَنِي أَفْرَاحَ قلبي!

أَنْتِ يَا مَنْ عُدْتِ بالذِّكْرَى وَأَحْلاَمِ اللَّيَالِي يَا ابنَةَ النهرِ الذي غَنَّاهُ أرْبَابُ الْخَيَالْ

وَتَمَنَّتْ فِيهِ لْو تَسْبَحُ رَبَّاتُ الْجَمَالِ

مَوْجُهُ الشَّادِي عَشِيقُ النُّورِ مَعْبوُدُ الظِّلالِ

لم يَزَلْ يَزْوِي وَتُصْغِي للرِّوَايَاتِ الدُّهُورُ

والضِّفَافُ الْخُضْرُ سَكْرَى والسَّنَى كأسٌ تَدُورُ

حُلمٌ لمْ تَرْوهِ لَيْلةُ حُبِّ ... فَاذكُرِيه واسَمعِي أَفراحَ قلبي!

علي محمود طه