انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 403/رسالة النقد

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 403/رسالة النقد

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 03 - 1941



الفنون الإيرانية في العصر الإسلامي

تأليف الدكتور زكي محمد حسن

للدكتور محمد مصطفى

لهذا النقد قصة أطرف بها قراء الرسالة قبل أن أمضي فيه.

وذلك أن المؤلف قد طلب مني أن أكتب عن هذا الكتاب

تقريظاً بالإنكليزية في مجلة الآثار القبطية. فلما قرأته رأيت

فيه مآخذ لا يسمح لي الضمير العلمي أن أسكت عنها، ورأيت

من اللياقة أن أطلعه عليها، فتظاهر باغتباطه لتمحيص الحق،

ولكنه لم يكد يعلم أن النقد أوشك أن ينشر في المجلة حتى

نسى أخلاق العلماء، فحاول أن يمنع المجلة من نشره، وسعى

إلي بالصداقة مرة وبالعداوة أخرى أن أكف عن نشر النقد أو

أعدل فيه، فنزلت بعد لأي على حكم بعض الأصدقاء وحذفت

من النص الإنجليزي بعض الفقرات ولكني رأيت واجب

الأمانة العلمية يقضي بإيثار الحقيقة على الصداقة فعزمت على

نشره كاملا في الرسالة

بدأ المؤلف كتابه ببيان عن الأسرات التي حكمت إيران، ثم أعقبه بالكتابة عن مقام إيران في تأريخ الفنون، وتلا ذلك بتقسيم الطرز الإيرانية في الفن الإسلامي إلى الطراز العباسي، والطراز السلجوقي، والطراز الإيراني المغولي أو التتري، والطراز الصفوي، متناو العمارة والخط والتهذيب والتصوير والتجليد والسجاد والخزف والمنسوجات والتحف المعدنية والزجاج والخشب في كل من الطرز السالفة الذكر؛ وخرج من ذلك إلى الكلام عن العناصر الزخرفية الإيرانية في العصر الإسلامي، وتأثير الفن الإيراني الإسلامي على الفنون الأخرى، واختتم ذلك بذكر بعض ميزات الفن الإيراني. وألحق بكتابه بابًا ذكر فيه المراجع، وتلاه بكشاف عام، وفهرس للوحات، ثم أورد اللوحات وخريطة لإيران

وقد كانت إيران كما يقول المؤلف في كلامه عن مقام إيران في تأريخ الفنون (ص11): (ملتقى الفنون القديمة في الشرق الأدنى، ونمت فيها أساليب فنية، تأثرت بفنون بابل وأشور ومصر والهند وبلاد اليونان، وانتشرت في العصور القديمة والعصور الوسطى، وأثرت في فنون الأمم الأخرى)

وكان لفتح الإسكندر الأكبر لإيران، ولأمراء الإغريق الذين آلت إليهم إمبراطورية الإسكندر، أثر كبير في نشر الثقافة الإغريقية في الشرق الأدنى. ثم استولت دولة بني ساسان على مقاليد الحكم في إيران منذ سنة 224 ميلادية، وقضى ملوكها السنين الطويلة في حروب ومناوشات مع الدولة البيزنطية في الغرب إلى أن جاء الفتح الإسلامي ووضع حدا لذلك

ويقول المؤلف (ص12): (ولم تكن تلك الحروب الطويلة في العصر الساساني تمنع الشعب من العناية بالفنون الجميلة بل كانت من أهم عوامل الاتصال بين الشعبين العظيمين في ذلك الحين: الإيرانيون (كذا) والإغريق، فزاد التبادل الفني رغم أنف الفريقين، وتسرب إلى فنون بيزنطة كثير من الموضوعات الزخرفية الإيرانية، ولم تلبث هذه الموضوعات أن اندمجت في الفنون البيزنطية اندماجاً تاماً. ثم نقلتها أقاليم البحر الأبيض المتوسط التي كانت تابعة لبيزنطة في ذلك الحين. ويبدو ذلك واضحا في زخارف كثير من المنسوجات التي عثر عليها المنقبون عن الآثار في مصر العليا، كما يظهر أيضا في كثير من الزخارف التي استخدمت في العصر القبطي، ولا سيما الرسوم المحفورة في الحجر والخشب)

ولكن المؤلف لم يذكر في هذا الفصل شيئا عن مدى هذا (التبادل الفني) بين دولة بني ساسان من جهة وبيزنطة ومصر من جهة أخرى، ولا عن نوع هذه (الأساليب الفنية) و (الموضوعات الزخرفية الإيرانية)، بل لم يذكر شيئا عن ذلك في أبواب كتابه الأخرى إلا ما كتبه في بابي المنسوجات والتحف المعدنية عن بعض أنواع الزخارف وأشكال التحف الفنية. وقد كنا نود أن نعرف مبلغ هذا التبادل في الأساليب الفنية ومقدار تأثيرها في الفن الإسلامي، إذ أن الإسلام أخذ الشيء الكثير من هذه الأساليب مجتمعة أو متفرقة عن حضارات البلاد التي كانت قائمة قبيل الفتوح الإسلامية، ألا وهي إيران وبيزنطة ومصر، وكون لنفسه منها فنا ذا شخصية خاصة به

أما عن تقسيم الطرز الإيرانية في الفن الإسلامي إلى أربعة طرز مبتدئاً بالطراز العباسي فالسلجوقي فالإيراني المغولي أو التتري ثم الطراز الصفوي، فأن المؤلف لم يذكر لنا الأسباب التي جعلته يفضل هذا التقسيم. وإني لا أتفق مع المؤلف فيما يخص بالطراز العباسي، إذ أن هذه التسمية لا تطابق التقاليد الفنية التي ورثتها إيران عن الساسانيين، لأن حالة سائر الفنون الإيرانية فيما قبل العصر السلجوقي ظلت - كما قال المؤلف في ص214 - (مدة طويلة لا تعرف من التجديد ما يخرجها تماما من دائرة الأساليب الفنية الساسانية). ففي العمارة (ص44) (تطورت الأساليب الساسانية تطورا بطيئا)، وفي التصوير (ص84) أولى مدارس التصوير هي مدرسة العراق أو المدرسة السلجوقية، وفي السجاد (ص148): (أن أقدم السجاجيد الإيرانية المعروفة ترجع إلى العصر السلجوقي) وفي الخزف (ص161) (كانت صناعة الخزف من أهم الميادين التي حاز فيها الإيرانيين المكانة الأولى بين الأمم الإسلامية)، وإذا استثنينا الخزف ذا البريق المعدني الذي اختلف مؤرخو الفن في موطن صناعته - إيران أو مصر أو العراق - فإن أنواع الخزف الأخرى حافظت كلها على الأساليب الفنية الإيرانية، وفي المنسوجات (ص214): (إن صناعة النسيج في إيران ظلت في القرون الأولى بعد الإسلام متأثرة بالطراز الساساني)، وفي التحف المعدنية (ص238) (أن ما صنع منها في العصر الإسلامي ظل محتفظا بالأساليب الفنية الساسانية إلى حد كبير)

ومن العبارات السابقة المنقولة من كتاب المؤلف نجد أن الأستاذ زكي محمد حسين نفسه يعترف باستمرار أثر الفن الساساني في إيران في القرون الأولى من العصر الإسلامي

وإذا استعرضنا تاريخ إيران في العصر الإسلامي نجد أنها ظلت تحت الحكم المباشر للدولة العباسية في بغداد إلى سنة 205هـ (820م) أي سبعين سنة فقط. فقد قامت في إيران بعد ذلك عدة دول كان بعض أمرائها يدعون أنهم من نسل الساسانيين، وكانوا يشجعون الشعراء والفنانين على إحياء التقاليد الفنية الساسانية وقرض الشعر باللغة الفارسية، فظهر بينهم (رودكي) عميد شعراء الفرس، وكتب الفردوسي ملحمته (الشاهنامة) وهذه الدول هي: الطاهرية والصفارية والسامانية ودولة بني بويه

ويقول المؤلف (ص17): أن الطراز العباسي في إيران يمتاز في الفنون التطبيقية أو الفرعية باستخدام الموضوعات الزخرفية الساسانية مع تهذيب بسيط يجردها في بعض الأحيان من العنف والقوة

وهذا يقارب في مجمله - وإن كان يتناقض في الموضوع - مع ما قاله الأستاذ بوب من أن الطرز الإيرانية أيام حكم الخلفاء العباسيين، استمرت تظهر في صفات الحماسة والبطولة الساسانية، فكل شيء كان بسيطاً وجريئاً وقوياً. . . وفي جهات معينة من إيران تحكم خلق البساطة والقوة هذا في الفنون خمسة قرون أخرى بعد الفتح الإسلامي

وإذا بحثنا في إيران عن تأثير الطراز الإسلامي - أو بعبارة أخرى طراز سامرا (838 - 883م)، وهو أول الطرز الإسلامية الحقة - نجد أن هذا الطراز الجديد في الإسلام يظهر في إيران بعد هجر سامرا بمدة طويلة، أي في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، وذلك في جامع نايين، وقد قال الأستاذ بوب في ذلك:

(حوالي سنة 1000 للميلاد نجد الطراز الجديد مجسماً تجسيماً بديعاً في الزخارف الجصية في نايين، وأخذت هوامش نسخ القرآن الشريف تغنى بالرسوم الدقيقة؛ وفي هذا الوقت بدأت تختفي التقاليد الساسانية في الحيوانات الخرافية، ولكن قوة الفن الساساني لم تنهك بعد، بل استمرت في التعبير عن نفسها في الأشكال القوية النبيلة من الأواني النحاسية التي كانت تنادي بما ورثته من شعب الأبطال الساساني بالرغم من التكفيت (التطعيم في النحاس) الذي كانت غنية به، ولا تزال الموضوعات والزخارف الساسانية ترسم إلى يومنا هذا)

ومما تقدم يتبين أن اصطلاح (الطراز العباسي) لا يمكن إطلاقه على الفن الإيراني فيما بين الفتح الإسلامي لإيران والعصر السلجوقي، وكذلك لا يمكن إطلاق اصطلاح (عصر الانتقال) على هذه الفترة لأن التأثيرات الساسانية الفنية - كما رأينا - استمرت حتى بعد ذلك العصر. وإني اقترح لهذه الفترة استعمال (العصر الإسلامي الأول) وهو نفس التعبير الذي يستعمله مؤرخو الفنون الإسلامية الذين اشتركوا في كتابة كتاب عند تقسيم كلامهم في الموضوعات المختلفة عن الفن الإيراني في العصر الإسلامي

وإذا رجعنا إلى كلام المؤلف نجد أنه لم يستعمل اصطلاح (الطراز العباسي) في كتابه إلا في موضعين اثنين: أحدهما (ص17) عند تقسيم الطرز الإيرانية، والثاني (ص290) حين تكلم عن (أثر إيران في الطراز الإسلامي العباسي). أما في باقي أبواب كتابه فلم يحافظ على هذه التسمية، بل استعمل اصطلاح (فجر الإسلام) متأثرا في ذلك - كما يبدو لي - بطريقة

وفي كلام المؤلف عن الطراز السلجوقي قال في (ص24) (أجل، وفق الخزفيون بمدينة الري في القرن السادس (منتصف القرن الثاني عشر الميلادي) إلى صناعة الخزف ذي البريق المعدني ويسمونه مينائي)

وأظن أن هذا غير ما يقصده المؤلف، لأن الخزف ذا البريق المعدني نوع أخر يختلف عن الخزف المسمى مينائي كما ذكر ذلك فيما بعد (ص168، 189). وأظن كذلك أن المؤلف يقصد هنا النوع الثاني فقط، لأن الخزف ذا البريق المعدني معروف منذ القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) (ص172)، ولأن نسبته إلى إيران لا تزال موضع خلاف بين مؤرخي الفنون (ص169)، وفضلا عن ذلك يقول الأستاذ بوب إن نوع الخزف في البريق المعدني في مدينة الري (أخذ في الانحطاط المستمر منذ أواخر القرن الثاني عشر الميلادي، وبما يرجع ذلك لسببين: ازدياد ضغط مزاحمة الخزف ذي البريق المعدني المصنوع في مدينة قاشان، وارتقاء صناعة جديدة في نوع معين من الزخارف على الخزف، قدر لها أن ترفع الفن إلى منتهى درجات الكمال) إلا وهي صناعة الخزف المسمى (مينائي)

والآن إذا حذفنا كلمات (الخزف ذي البريق المعدني) من جملة الدكتور زكي السالفة الذكر، فأن العبارة التي تتلوها في كتابه لا تتناسب تماما في معناها مع وصف الخزف من نوع (مينائي) وفي كلام المؤلف عن العمارة يقول (ص50) تحت عنوان (العقد المدبب الإيراني)، (وفي القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) ذاع استخدام العقد المدبب، والذي أصبح من ميزات العمارة الإسلامية. وسرعان ما عم استخدام العقد المدبب في كل العمائر الإيرانية وصار ينسب إلى إيران)، وكذلك في (ص290) يقول المؤلف: (ويمكننا أن نتبين الأساليب الفنية التي انتقلت منها (بغداد) إلى سائر الأقطار الإسلامية، والتي لاشك في أنها إيرانية الأصل، ومن ذلك العقد المدبب)

ولم يذكر لنا المؤلف هنا المراجع التي اقتبس منها والتي جعلته يقطع بأن العقد المدبب إيراني الأصل، مع أنه ذكر بين المراجع التي جمعها في آخر الكتاب عدة كتب عن العمارة. يقول الأستاذ كريسويل في أحدهما ما يأتي: (وهكذا يتبين أن السبعة نماذج الأولى من هذا الشكل (العقد المدبب) توجد كلها في سوريا، وبناء على هذه الحقيقة يجب أن لا نأخذ بآراء الأساتذة رودوكانا كيس وديسو وديل وهرتزفلد الذين يقولون أن العقد المدبب إيراني الأصل)

وهذا رأي جدير بالاعتبار في أن العقد المدبب ليس إيراني الأصل. وقد كنا نود لو أن المؤلف ناقش هذا الرأي لنعلم الأسباب التي جعلته يقطع بأن العقد المدبب إيراني الأصل. وكذلك في كلامه عن الأقباء والقباب والمآذن والمقرنصات لم يذكر من المراجع سوى (دائرة المعارف الإسلامية)

وعلى ذكر المراجع أقول: إنني عندما لاحظت قلة عدد المراجع التي ذكرها المؤلف في حواشي كتابه بالنسبة للعدد الكبير من المراجع التي جمعها في آخر الكتاب، رأيت أن أعدها بنفسي على سبيل العلم بالشيء، فوجدت أنه ذكر في حواشي الكتاب واحدا وستين مرجعاً فقط من المئتين والثلاثة والعشرين مرجعاً المذكورة في آخر الكتاب. وقد كان بودي لو أن المؤلف أكثر من كتابة الحواشي وذكر المراجع التي أخذ منها لتعم الفائدة العلمية. وبهذه المناسبة أقول أن عدد المراجع 221 لا 223 لأن المرجع رقم 4 تكرر في رقم 19، والمرجع رقم 126 تكرر في رقم 130. وإذا أضفنا إلى هذه المراجع 64 مرجعا أخر ذكرها المؤلف في حواشي الكتاب ولم يذكرها مع المراجع في آخره، وكان عدد المراجع التي جاء ذكرها في هذا الكتاب 285 مرجعاً.

(له بقية)

محمد مصطفى