انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 400/فارس وفارس

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 400/فارس وفارس

ملاحظات: بتاريخ: 03 - 03 - 1941



للأستاذ محمود الخفيف

بَنَى الشرْقِ أَيَّام أَبْطاِلكُمْ ... شَدَوْتُ أَحَدِّثُ أَخبارَها

أُغَنِّي لكمْ لَحْنَ قيثارَةٍ ... تَهُزُّ البطولاتُ أوْتارَها

وَأُسِمُعكُمْ من حديثِ الْخُلودِ ... أغاني الّليالي وأسمارَها

بَنُو السفِ نحنُ، بُنَاةٌ العُلاَ ... رَكِبْنَا الرِّمَالَ وَخُضْنَا البِحارا

شَرَعْنَا عَلَى الدَّينِ منهاجَنَا ... وسِرنْا إلى حيثُ شِئنا اقتدارا

وأخلاقنا. . . كم بأخلاقِنا ... رَكزْنا صُوًى وَرَفَعْنَا مَنارا

وكم أُفقٍ في سماءِ العُقولِ ... شَأَوْنَا بني الأرْض فيهِ ابتكارا

إلى فْتَيِة الشرقِ هذا النشيد ... تقارَعَ فيهِ القَنَا واشتَجَرْ

وَقعْقَعَتِ البيضُ بين الصفوفِ ... وَغَالَ الكُمَاةَ الرَّدَى وَاستَعَرْ

وَحَمْحَمَتِ اْلَخْيُل تَحْتَ الْغُبَارِ ... أضاَءتْ جوانِبَهُ بالشّرَرْ

أدِيرُ الّنشِيدَ إلى فارِسَيْنِ ... حَوَتْ رُكنَيِ الأرْض لُقْيَاهُما

فمِنْ أَنْجُمِ الشّرْق هَذا الكمِيُّ ... وَمِنْ أُفُقِ الْغَرْبِ ثَانيهِما

وكلٌّ يُرَى بين فُرْسانهِ ... غَدَاةَ الوَغَى الفارِسَ الْمُعْلَمَا

على هذه الأرْضِ تَفنَى القُرُونُ ... وَتُوحِي البُطولةَ ذِكراهُما

سَمَا بابْن أَيُّوبَ مُلْكٌ بَنَاهُ ... فأَعْلَى عَلَى السَّيْفِ هذا البِنَاء

أخو الْخَيِل والسَّيْفِ والبيد واللْ ... يلِ يَمْضِي فيزُجي الردى كيفَ شاء

فتى كان في الشّرقِ بعد الظّلام الضيَ ... اَء وكان بمِصرَ الرَّجَاَء

كَرِيمُ الْخٌصومَةِ عَفُّ الْحُسَامِ ... يُرِيكَ التُّقَى وَيُرِيكَ الْمَضاَء

فتَى الغَرْبِ إِفْرِنْدُهُ فَيْصَلٌ ... به المُلكُ في ظِلّهِ يَحْتَمِي

لهُ لَقَبٌ فوق تاجِ الْمُلوكِ ... به باتَ يُقْرَنُ بالضَّيْغمِ

على الماءِ كرْسِيُّهُ قَائِمٌ ... وَذِرْوَتٌهُ في ذرى الأَنجُمِ

مَشَتْ في النّجيِع إلى (أُرْشِلِيمَ) ... جيَادٌ من الغربِ رُعْنُ الخَبَبْ

خَبَبْنَ بِكلِّ مُدِلِّ الْحُسامِ ... صَرِيم الخِصامِ دَعِيِّ الْحَسَبْ لقَدْ كان للدِّينِ ما هَزَّهُ ... فأَصْبَحِ لِلْمُلْكِ حين أغْتَرَبْ

مَضَوا يَزدَهِي الفوْزُ أفراخَهُمْ ... وَيُغْرِي بُزَاتَهُمُ الْمَأْرَبُ

غِلاَظٌ، سَرَابيلُهُمْ مِنْ حَدِيدٍ ... مِنَ الصَّخْرِ أكبادُهُم أَصْلَبُ

يُحَدِّثُ كلاًّ هَوَاه بما ... يُجَنْدِلُ في القُدْسِ أو يَسْلبُ

وَيَسْتَهْزِؤُونَ بدُنيا الْهِلاَلِ ... وَحَشْدُهُمُو بالْمُنَى يَصْخَبُ

فما إنْ نَجَا قَط مِنْ بَطْشِهمْ ... صَبِيٌ ولا طِفلَةٌ لاَعِبَهْ

وَلاَ مُقْعَدٌ قَوَّسَتْهُ السُنونَ ... وَلاَ جَدَّةٌ شَمْسُها غارِبَةْ

وَلاَ سَلِمَتْ من بناتِ الحِجَالِ ... عروسٌ مُلَّفَقٌة هَائِبَةْ

لدَى مَدْرَج السَّمْح عِيسَى الَمسِيح ... أثارَ دُعاةُ السلامِ القِتالا!

مُسُوحُ الرَّهابينَ باتَتْ حديداً ... وَأَلسِنَةُ الزاهدينَ نِصالا

وَعُدَّ هُدّى كلُّ غَيّ جَسورٍ ... وأصبحَ كلُّ حَرام حَلالا

وطالَتْ عَلَى الشرْقِ سودُ السِّنين ... أَذَلَّ الصَّليبُ بِهِنَّ الهِلالا

أقاموا على الْبَغْيِ بُنْيَانَهُمْ ... وعاشوا على البغيِ دهْراً طويلا

وَغُمَّ عَلَى الشرقِ تِسعينَ عاماً ... فَمَا يَلْمَحُ النورَ إلاْ ضَئِيلا

يَسيلُ عَلَى الأُفْقِ جُرْحُ الِهلال ... إذا ما أطَلَّ، سَقيِماً هَزِيلا

وتَسمعُ مِصْرُ وَمَنْ بالحجازِ ... وَمَنْ بالعراقِ الأذَان عَوِيلا

وما زال يَبْطِشُ طُغْيَانُهُمْ ... إلى أن تَألَّقَ فجرُ الأملْ

وَهَلَّ من الشرقِ مثلَ الصباحِ ... زعيمٌ ترَدَّى ثِيابَ البَطَلْ

تُجدِّدُ وَثْبَاتُهُ أبنَ الوَليدِ ... وَسَعْداً وعَمْراً بنيه الأوَلْ

إذا سارَ فالنصرُ من يُمْنِهِ ... فتّى لا يرَى العيْشَ إلا كِفاحا

فتًى ذِكرُهُ هَزَّ شم الْحُصونِ ... ويغزو اسمُهُ إذ يَهُزُّ السَّلاحا

صلاَحٌ ومن كابن أيوبَ سيفاً ... إذا ذكرَ الدَّارِعونَ صَلاحا!

وَمَنْ مِثلُهُ حينَ يُعْطِي العُهُودَ ... وَيَرَعى الحُدودَ وَيأسو الجراحا

مشى نحوَ (حِطَّينَ) في فَيْلَقٍ ... يَرِفُّ له النصرُ حوْلَ العَلمْ

يَدِينُ لأِرْوَعَ ثْبَتِ الجنانِ ... جَمِيِلِ الفَعالِ كريمِ الشِّيَمُ ذَلولِ السَّماَحَةِ حُلْوِ اللِّسَانِ ... عَصِيِّ الأبَاءِ بعيدِ الهِمَمْ

تقدَّم فانهارَ مِنْ حَوْلِهِ ... عَلَى الْبَغْيِ رُكنٌ أقِيمَ اغْتِصابا

رَأَى يوْمُ حِطَّينَ تحتَ العجَاج ... جُنودَ صلاَحٍ أسُوداً غِضابا

ألوفُ الرجالِ لدَيْهِ أسارَى ... ومَن فَرَّ ليس يطيقُ اقترابا

وَيُذْعِنُ كلُّ قوِيٍ عزيزٍ ... وتهوِى المعاقِلُ باباً فبَابا

وَدَانَ له القُدْس بعد الإباءِ ... وَأَعْظِمْ بهِ لِلْهِلاَلِ انتِصَارا

وراحَ الْمُظَفَّرُ يُولي الأمانَ ... ويُطِلقُ في (أرْشِليمَ) الأسارى

وَأَجْمَلُ ما كان عَفْوُ الرِّجالِ ... إذا ساقَهُ ما نحُوَه اقتدارا

تَرَفَّعَ لا سَيْفُهُ قاتِلٌ ... بريئاً، ولا وعْدُهُ خاتلُ

ولا غرَّهُ النَّصْرُ في أَوْجِهِ ... ولا خابَ في عَدْلِهِ آمِلُ

وديعُ السِّماتِ جَمِيلُ الأنَاةِ ... وفي دِرْعِهِ أَسَدٌ بَاسِلُ

يَلوذُ بهِ الحقُّ مُسْتَعْصِماً ... وَيَفْرَقُ من وَجْهِهِ الباطلُ

وَأَدْهَشَ أعداَءهُ نُبُلُهُ ... وذاعَتْ أحادِيثُ أفعالِهِ

وأروَعُ ما هَزَّ سَمْعَ الفِرِنج ... من الفضل غُرَّةُ أفضالِهِ

يجود لفدِيْةِ بعضِ الأَسَارى ... لفُرْسانهِ الشُّمِّ من مالهِ!

تَأَلَّقَ في الشرق نور الهلال ... وصاحبه اليُمْنُ في طَلْعَتِهْ

وكان غريباً بأوطانِهِ ... خَيَالُ المذَلَّةِ في هالَتِهْ

تَبسَّمَ في الأُفْقِ بَعْدَ الشُّحُوبِ ... فغاَظَ وَأعجَبَ في بَسْمَتِهْ

وَدَوَّى فأَطَربَ صوْت الأَذَانِ ... جلالُ المصلِّينَ في نَبْرَتِهْ

أفاقَ على نَبَأٍ جاءهمْ ... بنو الغَرْبِ، يَكرَهُهُ السامِعُونا

تثيرُهُمُ النُّذُرُ الشائِعَاتْ ... وَيَقَتِنصُ الفرصةَ الطّامِعُونا

وَيَنْفُخُ في الصُّورِ رُهْبَانُهُمْ ... فيأتي على الصَّيحَةِ الدَّارِعُونا

وهَّبتْ منَ المغْرِب العاصفة ... على الشرْقِ تُنْذِرُ بالراجفَةْ

ففي البحْرِ طائِفَةٌ في السَّفِينِ ... تُسَارِعُ في إثْرِهَا طائِفَةْ

وفي البَرِّ فَوْق مُتُونِ الجِيادِ ... ألوفٌ مُدَجَّجَةٌ زاحفَةْ إذا هاجَها الزَّحف غَنَّى الحديدُ ... وغنَّتْ حناجرُهم هاتفةْ

أطَلَّتْ على الحشْدِ أسوارُ عَكا ... خِضَمًّا يَزيدُ لديْهَا ارْتِطاما

حَوَى الْمُرْدَ والشِّيبَ والعِلْيةَ الصِّ ... يدَ والتَّابِعبهم خليطاً تَرَامى

نَشَاوَى النِّصَالِ، بأرماحِهِمْ ... جُنونٌ سَقَاهَا هناك احتداما

ومِن دون عَكا شُبُولُ العَرِينِ ... من الشرْقِ يمْنَعُ أسوارَها

يطوفُ على الْجُنْدِ سلطانُهُمْ ... مَهِيبَ الملامِحِ قَهَّارَهَا

مُطاعاً له طَلْعَةٌ في الصُّفوفِ ... تَعَوَّدَتِ الْجُنْدُ إكبارَها

وَيَفْدِيهِ في الحرْبِ أجنادُهُ ... إذا رَاحَ يَرْكَبُ أخطارَها

وَعَزَّتْ على الطالبينَ القِلاعُ ... وإذ مَرَّ عامانِ زِدْنَ امتناعا

وَذَاقَ حُماَةُ الصليبِ الهوانَ ... فما شَهِدوا مِثل هذا صِراعا

أهابوا وقد عَجَّ مَوْجُ المنَايا ... بأَوْطانِهِمْ فأجابَتْ سِراعا

وَلبَّى الملوكُ النِّداَء ففي البَ ... رِّ جيشُ (فِرِدريكَ) جَمُّ العددْ

وجيشُ الفِرِنْسِيسَ حشدٌ عظيمٌ ... وفي البحرِ أسطولُ قلبِ الأسدْ

فتَى الغربِ ريكَرْد خيْرُ السيوفِ ... الجسورُ النَّجيدُ القَوِيُّ السَّنَدْ

فتَى ليسَ يَنْزِعُ عن قَوْسِهِ ... سِواهُ ولا جَلَّ عنهُ أحدْ

وَأَرْغَمَ (رِيكَرْدُ) تلك الحصونَ ... فما إن تَطَامَنُ إلاّ لهُ

وَإِنْ كان لاَقَى من ابنِ القِفارِ ... من البطشِ والبأسِ ما هالهُ

وكانَ (صلاحٌ) رَمَى بالرِّجالِ ... (فِرِدْرِيكَ) يَدْفَعُ إِقبالهُ

وما كادَ يُزْهَى بإِكليلهِ ... فَتى الغَربِ حَتَّى اعتراه الهزالُ

أَلَحَّ على جِسْمِهِ الْقَسْوَرِىِّ ... لدى ساحِة المَوْتِ داء عُضال

ثَوَى اللَّيْثُ حيناً على رَغمِهِ ... وَعُلِّقَ - حَتَّى يُبِلُّ - القِتال

يُعَذِّبْهُ خَوْفُهُ أن يطولَ ... ضناهُ، وأن يَتراخى الرِّجال

وَأَعْجَبَ ذاكَ الهصورَ المريضَ ... طَبيبٌ سعى من لدُنْ خَصْمِهِ

يقول لهُ قومُهُ: أَقْصِهِ ... وَنَجِّ دِماءكَ من سُمِّهِ

فقال: جَهِلتُمْ لعَمْرِي صلاحًا ... تَنَزَّهَ عن ذاكَ عالي اسمِهِ! سقاهُ وناولهُ رُقعةً ... تَنَزَّي وَغَمْغَمَ لمَّا تلاهَا!

تمنى لهُ البُرَْء في طيِّهَا ... صلاحٌ لِتَدْرِى الوَغَى من فَتاها:

(إذا رُمْتَ سِلماً مَنَنتُ بها ... وإن رُمْتَ حَرْباً أَدَرْتُ رَحاها

وأَعْزِزْ بِنَفْسٍ كَنَفْسِكَ أن ... يكونَ بِغَيْرِ الحُسامِ رداها)

وَأَكْبَرَ (ريكرْدُ) هذا العَدُوَّ ... فأثنَى وأطنبَ في حَمْدِهِ

وكم أخجلت لدى ذِكْرِها ... شمائلهُ الغُر في جُنْدِهِ

أخو البيدِ أسمَى فروسيَّةً ... فأَنَّى لهُ ذاكَ في بِيدِهِ؟

أَتَتْ بَابَهُ من بَنَاتِ الفِرِنْجِ ... تُوَلْوِلُ أُمٌّ، وَتَدْعُو بهِ

قَدْ اختَطَفَ ابناً لها فارِسٌ ... وَيَا هَوْلَ ما كان من غَصْبِهِ

بكى رَحْمَةً وَهْوَ ذاك الذي ... إلى اللْيثِ يُنْسَبُ في وَثْبِه

وَأَجْزَلَ لِلْجُنْدِ من مالِهِ ... فِدَى للصَّبيِّ، فَجيَء بهِ

وَمَالَ إلى السِّلمِ قَلْبُ الأَسَدْ ... وَلَبَّى صلاحٌ فأمضَى العُهُودا

وَلَكِنَّهُ رِيعَ أَنْ جَاَءهُ ... من الْخَصْمِ خُلْفٌ أثارَ الْجُنودا

لقد فتَكَ القَوْمُ بالأبرِياء ... وما إن رعَوا لِعُهُودٍ وُجُودا

سقَتْ أَرْضَ عَكّا دِمَاءٌ حَراٌ ... وَطافَ الفِرِنْجُ بها باطشينا

فوارِسُهُمْ يَذبحونَ النِّسَاَء ... وَزُغْبٌ البناتِ بها وَالبنينا

وَكم ذَكَرُوا الشرق سُلطَانَهُ ... وَصَفْوَةَ فُرْسَانِهِ هازئينا

أَهَابَ صلاحٌ بفُرْسانِهِ ... فَسَلّوا سُيوفَهُمو صائحينا

لدى غابِ أَرْسُوفَ سَوَّى الرجالَ ... صُفُوفاً تَلاَحَق تحتَ العَلَمْ

مِنَ الغِيِل أَصْحَرَ أجنادُهُ ... وَجَرَّ الحدِيدَ أسُودَ الأَجَمْ

ونَادَى المنَادُون فيهم هَلُمُّوا ... تراءى العَدُوُّ لنا من أُمَمْ

هُنَا الشرْقُ جُنْدُ الهلالِ، هنا ... بنو الشَّمْسِ والبِيدِ شُمُّ القَنَا

دماءُهُموكم كَوَنْهَا الصَّحَارى ... وأعْظِمْ بِصَحْرَائِهم مَوْطِنا

خِفَافُ الهياكِلِ ضُمْرُ الْجِيَادِ ... إذا زَحَفُوا قلتَ وَمْضُ السَّنَى!

تَنَادَوْا على نقَرَات الطَّبولِ ... فداعٍ هناك وشادٍ هنا على فْرسخين يُرَي الغَربُ حَشْدَاً ... خَلِيطاً هناك تَلاَقَوْا دِرَاكا

فَمِنْ كلِّ لِسْنٍ ومن كلِّ شَعْبٍ ... وَمَلْكٌ هنا وَأَمِيرٌ هناكا

حُمَاةٌ الصَّلِيبِ نَسُوا الصَّلِيبِ ... خِصَاماً فَشَى بينهم واعتِراكا

وَدَارَ القِتَالُ فَطَارَت سِهامُ ... بَنِي البِيدِ يَغْرِقُ فيها البَصَرْ

تُصَوَّبُ تحْتَ مُثَارِ العَجَاجِ ... وَتَنقضُّ يقْدَح منها الشَّرَرْ

فَتُصْمِى الْجَيادَ وَتُلْقى الرِّجالَ ... على الرَّمْلِ مُلْتَهِباً وَالصَّخَرْ

كأَنَّ الْجَحيمَ رَمَتْ بالّلظي ... على مُلتَقًى بالغُبَارِ أعْتَكِرْ

وَذَاقَ الفِرِنجُ صُنُوف العَذَاب ... ففي كلِّ يوْمٍ يَرَوْنَ الرَّدى

وَرَاحَ قَبِيلٌ يقولون: ماذا ... نَرَى من سِهام العَدُوِّ غدا

يُسِرُّونَ سُخْطاً على من دَعاهمْ ... وَأَوْرَدَهُمْ ذلِكَ الموْردا

وَغِيظَ الفِرِنْجُ فَشَدُّوا الوَثَاقَ ... وَجَدَّتْ لهمْ كَرَّةٌ خاسِرَة!

وَهَرْوَلَ ريكردُ بين الصُّفوفِ ... يَشُدُّ عَزَائِمَهَا الخائِرَةْ

وَزَمْجَرَ كالْليثِ يَدْعُو الْجُنُودَ ... وَيَجْمَعُ آلافَهَا النّافرَة

وَهَاجَ، فَجُنَّ جُنونُ الرِّجالِ ... وَكَرَّتْ عَلَى صَوْتِهِ زائرَة

دَعا وَتَقَدَّمَ تحتَ السِّهام ... بِيُمْنَاهُ صَمْصَامُهُ الهائِلُ

تحَدَّى الرَّدى وَمَشَى تحْتَهُ ... فما إن تَصَدَّى لهُ صَائلُ

يُهَزْهِزُ في النَّقْعِ إِفْرِنْدَهُ ... فيُومِضُ عالِيهِ وَالسّافلُ

مَضى مُغْضَباً خَلْفهُ جُنْدٌهٌ ... يُفَزَّعُ ذاك وذا يَضربُ

يُجِنْدِلُ كلَّ فتًي مِن عِدَاهُ ... وَما كَلَّ من سيِفِه الْمَضْرِبُ

لهُ وَثبَةُ الأسْدِ، صَمْصَامُهُ ... كما أنقَضَّ في الُحلْكةِ والكوكَبُ

وَطاشَ الكماة جنودُ صلاحٍ ... وَطابَ لهم في الوغَى المهْرَبُ

تَلَفَّتَ تحت الِّلوَاء صلاحٌ ... إلى جَحْفلٍ حَوْلهُ رُوِّعا

تَفَرَّقَ في البيدِ إِلاّ فَريقاً ... يُفَدَّوْنَ ذا الباسِلَ الأرْوَعا

وَمَا طاشَ في الرَّوْعِ مِمَّا رَأَى ... وَهَلْ شِيمَةُ اللَّيثِ أن يَفْزَعا؟

رَأَى جُنْدُهُ اللَّيثَ تحت اللِّوِاءِ ... فعادُوا يُموتُونَ دُونَ اللِّوا وَجدَّ اللِّقاءُ وَحَقَّ الفِداءُ ... وَأَجْفَلَ بَعْدَ الصِّيالِ العدا

وَخَفَّ صلاحٌ فقادَ العديدَ ... وَأَعمَلَ في الزاحِفين الظُّبَا

رَأى هَبَّةَ الأُسْدِ من دُونهِ ... فخافَ العَدُوُّ الوَغى وانثنى

وأرسَل ريكرُدْ يدعُو صلاحاً ... إلى السَّلمِ حينَ توافى الأَمَلْ

يقول: لَقيتُ هنا مُشْبِهي ... وَأَحْبَبْتُ في الشَّرْق هذا البَطلْ

وَلبَّى أبنُ أيُّوبَ عالي الجبين ... عَلَيهْ من المجدِ أضفَي الْحُلل

الخفيف