مجلة الرسالة/العدد 393/من أساطير الهند
مجلة الرسالة/العدد 393/من أساطير الهند
شاد لها الحب لؤلؤة
(بتصرف عن اج. جي.
للأستاذ إبراهيم العريض
إني لا أستطيع أن أحكم لنفسي في الخلاف الناشئ منذ العصور حول هذه القصة. أهي أشد القصص مرارة في الحب، أم إنها مثل رائع لخلود الحسن؟ فالقصة وما دار حولها من نقاش بات في علم أولئك الذين يدرسون الأدب الفارسي في العصور الوسطى.
إنها أقصوصة جد قصيرة. وإن كانت شروحها قد شغلت حيزاً كبيراً من أدب ذلك الجيل المنثور، فحسبها بعضهم خيالا شعرياً، وأعتبرها آخرون رمزية، فكثرت في مغزاها الأقاويل؛ وذهب رجال اللاهوت فيها مذاهب شتى، واهتموا منها في الأخص بالجانب المتعلق بالبعث بعد الموت؛ وضرب رجال الأخلاق بها الأمثال، واتخذوها موضوعا للعبرة. وهناك غيرهم من لا يرى فيها إلا الحقيقة عارية من كل لبوس.
اج. جي. ولز
جلَوْها له في نقابِ الجمالِ ... عروساً أتمَّ الصِّبا عامَها
وكانَ قريباً بعهدِ الطُّفول ... ةِ لمَّا تتوَّج إذ رامَها
فحلَّت على قلبِه كالشُّعاعِ ... ترى عينُه فيهِ أحلامها
سل الزهْرَ عنِ ضَحْكِها عندَما ... تُفتحُّ للطلِّ أكمامها
سل الطير عن نُطقِها عندما ... تبثُّ مع الفجرِ أنغامها
وما حكَتا من معاني الفُتو ... نِ ما يُلْهِمُ الشِّعْرَ إلهامها
وما شَرِقَتْ عينُها بالسُّرورِ ... فتنفُضَ من خمْرِه جامها
إذا خطرتْ شذَّ بينَ القلو ... بِ من لا يُباركُ أقدامها
وكانت يدُ الحكمِ عن أمْرِه ... تُنفذُّ في الخلْقِ أحكامها
فعاشَ لإِمتاعها بالوُجودِ ... ونَّور بالحبِّ أيامها
وعاشتْ وإيَّاهُ في روْضةٍ ... من الْحبِّ أفنانُها دانِيَهْ
إذا عادَ من هَمِّه بالنها ... رِ أَلْفَى لديْها المُنى غاف فَمِجْمرةُ العودِ في جانبٍ ... ومِعْزفةُ العودِ في ناحيه
ومن حولِ هاتْين شفّت ستائِ ... رُ عن كلَّ نُمْرقَةٍ غاليه
وقد عقدَ الورْدُ حولَ السري ... رِ من مثْلِ ألوانِها حاشيه
فتُسرعُ باسمةً نحْوه ... وتأخذُ يُمناه كالشاكيه
وتهْويِ به بينَ تلكَ الظِّلالِ ... وتبْقَي الظِّلالُ على ما هِيه
فلا تسْمَعُ الأذنُ غيرَ الصَّدى ... صدى الرُّوحِ تهفو إلي ثانيه
وَلاَ تُبْصِرُ العينُ إلاّ يداً ... تمرُّ برِفْقٍ على ناصيه
إلى أن تذُوبَ الشِّفَاهُ التي ... تُنَاغِيهِ في هَمْسَةٍ خافيه
وكانت قِصاراً ليالي الهناءِ ... ولكنّها ازْدهرتْ كاملَهْ
فلمْ يشْعُرا بحُدَاءِ الربيعِ ... ولا كيفَ مرَّتْ بهِ القافلة
وحلَّ الخريفُ لتنْعَى الطيورُ ... إلى الروْضِ أوراقَه الهاطلة
تبدَّلَ في عيْنِها كلُّ لونٍ ... فيا لكِ مِنْ صُفْرَةٍ قَاتلَةْ
فهامتْ فرادَي علي وجْهِهَا ... وكانت تقِرُّ مَعاً نازِلة
وماذا تُؤمّلُ بَينَ الغُصُون ... وقد تركَتْهَا الصَّبَا عَاطِلة
على كلَّ صَاوٍ لها رَنّةٌ ... تُسَائله، لو وعَي سائلَه
وأمْسى أدِيمُ الثرَى صورةً ... لِما رَسَمَتْهْ الخُطْا العاجلة
ومن بينَ مِنْ شيَّعَتْها الطيورُ ... إلى عالَمٍ لا ترَى ساحلَه
على صِغَرِ السِّنِّ بين الحسا ... نِ زهْرَةُ آمالِه الذّابلة
وأدْمَى الْمصَابُ فؤادَ الأمير ... وأفقدَهُ رُشْدَهُ في أساهْ
فظلَّ ثلاثاً بلا بُلْغةٍ ... وقد برِمَتْ نفسُه بالحياة
يلوحُ لناظِره طيْفُها ... فيَجْزَعُ من دمْعِه إن محاه
ويضحكُ مِنْ قلْبِهِ سَاخِراً ... إذا لم يرِنَّ اسْمُهَا في صداه
وكم أطْرَقَ الرأسَ حتّى إذا ... أحَسَّ بذلكَ جُنَّتْ يداه
وكم لبِثتْ عينه في الظلام ... شاخِصَةً لا ترى ما يراه
وتلّى على صَوْمِهِ رَابعٌ ... وما زال جُثْمانُهَا في كراه فلم يجترئ أَحَدٌ بَعْدُ أَنْ ... يواريَ هَيْكلَها في ثراه
تمُدُّ النِّسَاءُ عليها الحريرَ ... فيحسَبْنَهُ قائماً في صلاة
إلى أن تمثّلَهَا فِكْرَةً ... فقرَّرَ تنْفيِذَها، في ضُحاه
فأصدَرَ أمراً إلى شعْبِه ... دعا فيه بادِيَهُمْ واَلْحضَرْ
فما خطَرتْ قبْلَه فِكرةٌ ... كتِلْكَ ببالِ جميعِ البشر
ووافاهُ مِنْ كلِّ فّجٍ عَمِيقٍ ... بُراةُ الدُّمَى الفنُونِ الأُخر
وتمَّ له من مُعِدّاتِهْم ... وأسبابهم ما اقْتَضَاهُ الأثر
فصبَّ لتابُوتِهَا فِضّةً ... وزخْرفَ أطرافَه بِالصُّوَر
وقوَّمَ بالعاجِ أركانه ... وزانَ قوائمَه بالدُّرر
وشادَ على قُدْسِهِ حَضْرةً ... بناها من المرمر الْمُحْتَفر
وقدَّرَ شُبَّاكَهَا صَنْدَلاً ... وجَمَّلَ كِسْوتَه بِالطُّرَر
وقامت له شُرْفَةٌ في البِنا ... ءِ مقْصورَةٌ غَلِفّت بالسُّتُر
فكان يُفارِقُهَا بالعِشاءِ ... ويأتي لزَوْرَتِهَا في السَّحر
ومرَّتْ سِنونَ على صرْحِه ... وما زالَ يعْملُ في شأنِهِ
يُحِسُّ إلى حُبِّها في الضُّلو ... عِ كالبحر يغْشَى بطُوفانه
فيَسْعَى ليُعْلِنَهُ للأنامِ ... ولا يستريحُ بإِعلانه
وتلكَ التي أجَّجَتْ قلْبَهُ ... فأغرتْ حَشاه بطُغْيانه
ففي طَرْفِهِ أبداً حيْرةٌ ... إذا جالَ في حُسْنِ بُنيانه
فكم عاودَتْ يدُه بالصلا ... حِ شَكْلاً يُدِلُّ بإِتقانه
وكم أعْجَب الناسَ ما شادَهُ ... وأنْكَره هُو في آنِه
فهدَّم من سقْفِه ما اسْتقرَّ ... وبدَّل هيْئَةَ أركانه
وفي البدْءِ كانتْ له نزْعةٌ ... إلى المُسْتقلِّ بألوانه
فخفّفَ حِدّتَها تَوْقُه ... حَدِيثاً لإظهار سُلْطانه
مضى في التطوُّرِ ذاكَ البِناء ... ومَّهدَ أَوَّلهُ آخِرَهُ
فيأخذ إيوانهُ في اتِّساعٍ ... تحيط السواري به دائِرة وتلكَ هيَ النارُ في صدْرِه ... ولكنها التهبَتْ زاهرة
ففي كلِّ رُكْنٍ لها آيَةٌ ... تُحَدِّثُ عن حُسْنِها شاعِرة
لقد كانَ يُرْضِيه منها البَهاء ... فأصبَحَ لا يرْتضِي الباهرة
وأكْسَبَهُ ضرْبُه في الفنُو ... نِ ذوْقاً هدَى فِطْرَةً طائِرَة
ليختارَ من وحْيِها ما يَجِلُّ ... ويُهْمِلَ عن عَمدٍ سائرة
فكم شُرْفةٍ أثْقلَتهْا النُّقو ... شُ ردَّ سُرادِقَها حاسرة
لِتَنْهَضَ من فوْقِها قُبَّةٌ ... تخالُ السماَء بها غائرة
يغيبُ عن الحسِّ مَنْ زارها ... ويَشْهَدُ في ظلَّها الآخرة
تهلَّل بالحُسْنِ وجهُ الضريحِ ... وقامتْ منائِرُه باتَّزان
تُطِلُّ على أَثَر للخُلو ... دِ قامَ على آخر وهْو فان
وكانت تجيءُ إليه الوفود ... تُبارِكُ سُمْعَتَهُ بالعِيان
فتَشدُو أدِلاَّوهُمْ بالتي ... على حُسْنِها عُقِدَ المهْرَجان
وكيفَ قضتْ في صِباها فشادَ ... لها الْحُبُّ لُؤلُؤةَ في الزمان
فَتَخْشَعُ أطْرَافُهم للمكينِ ... وتخْفِتُ أصواتُهم في المكان
وكم شاعرٍ هائمٍ في الخيالِ ... تمثَّلَها فبكَي من حنان
وحسناَء تحبْسُ أَنفاسَها ... لعاقبةٍ - مِثْلَهَا - في الحسان
وَعَاشَ الأمير على عَهْدِهِ ... يقومُ لها كلَّ يومٍ بشان
وَمِنْ حَوْلِه مُلْهِمَاتُ الْفُنُونِ ... تَرِفُّ على قلْبِهِ بالأمانِ
وَأَمْسَى بشَيْبَتِهِ ذَاتَ يومٍ ... تُنَادِمُه روحُها الساريَةْ
يرى الوافِدَاتِ إلى قبْرها ... وهُنَّ يزَغْرِدْنَ في عافية
فيُثمِلُه حُسْنُ ما قدْ أَتمَّ ... وَيَذْكرُ ما لم يَكُنْ نَاسيَة
لقد لبِسَ الصْرحُ هذا الجلالَ ... بأشرافِ قُبَّتِه الْعالية
ولم يبْقَ ركنٌ على حَجْمِه ... سِوَى موْضِعِ التُّربة الزاكية
ونظْرَتُه ترْتمي في البِنَاء ... فتسْبحُ في جَوِّ صافية
ولكِنهَا كلّما راجعَتْ ... سوارِيْهِ. . . ساريةٍ سارية أصابتْ عِثاراً على نُقْطَةٍ ... فكَرَّتْ على نفْسِها ثانية
فيشْعُر كالّشَوْكِ في صدْرهِ ... يُوخزّ من قلْبِهِ دَامِيَةْ
فيَنْهَضُ فِي قبْضَةٍ منْ ذُهُولٍ ... يَجرُّ خُطاهُ بلا واعِيَة
وعادَ غداةَ غَدٍ واجِماً ... وفي سِرّهِ الْخُطْةُ التالَيةْ
وسادَ الكونُ على الْمُلْهمينَ ... كأنّهُمُ الْجَمْرةُ الْخَابية
فشاعِرُهم قائمٌ بِالوَصِيدِ ... يُسَائِلُ عمّا جَرَى رَاوِيَة
ودارَ بنظْرَتِه في الْمَكانِ ... وأَلْقَى على صَحنِه ثانِية
ورَوَّى طويلاً وقال: ارْفَعُوهُ! ... وَأَوْمَأ َلِلتُّرْبةِ الزاكية
(البحرين)
إبراهيم العريض