انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 390/بعد عام

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 390/بعد عام

ملاحظات: بتاريخ: 23 - 12 - 1940



ثورة. . .

(مهداة إلى أخي الأستاذ محمود الخفيف)

للأستاذ أحمد فتحي مرسي

أَسْبِلْ جُفُونَ الْعَيْنِ يَا سَاهِرُ ... وَخَفِّضْ الثَّوْرَةَ يَا ثَائِرُ

اللَّيْلُ حَوْلَيْكَ بَعِيدُ المَدَى ... لاَ أول يُرْجى وَلاَ آخِرُ

والنَّجْمُ رَجَّافُ السَّنَا واهِنٌ ... يَنْفُخُ فِيهِ الْعَاصِفَ المَاطِرُ

والكأْسُ في كَفَّيْكَ قَدْ أَوشَكَتْ ... تَنْطِقُ: دَعْ جَنْبَيَّ يَا سَاكِرُ

خَوَاطِرٌ زَارَتْكَ مَا تَنْتَهِي ... فَزَائِرٌ مِنْ بَعْدِهِ زَائِرُ

أَثَابَكَ اللهُ. . . أَمَا لَحْظَةٌ ... يَثُوبُ فِيهَا رَأْسُكَ الحَائِرُ

يَا نَفْسُ قَدْ أَوْهَيْتِ جِسْماً وَهَى ... وَهَدَّ مِنْهُ وَحْيُكَ الآمِرُ

مَا الخُلْدُ؟ مَا يُغْرِيكِ؟ مَا لَفْظْةٌ ... جَوْفَاءُ قَدْ أَرْسَلَهَا سَاخِرُ

فالنَّجْمُ إِنْ غَابَ عَلَى أُفْقِهِ ... لاَ يَحْفِلَنْ بالْغَيْبَةِ الْنَّاظِرُ

رفِيقَةَ (الدَّانُوبِ) طَالَ المَدَى ... وَنَالَ مِنَّا الزَّمَنُ الْجَائِرُ

وَاسْتَأْنَتْ الأيام في سَيْرِهَا ... وَعَادَ يَحْبُو الْفَلَكُ الدَّاْئُر

وَبَيْنَنَا دُنْيَا عَلَى رَحْبِهَا ... يَزْحَمُهَا الْقَاتِلُ وَالآسِرُ

يَجُولُ فِيهَا السَّابِحُ المُتَّقَي ... في سَبْحِه وَالصَّاعِقُ الطَّائِرُ

تَسَاقَطَ الضَّعْفَى بِأَرْجَائِهَا ... وَسَارَ فِيهَا الْغَالِبُ الظَّافِرُ

لوْ تَعْلَمِينَ اليَوْمَ مَا سَطَرتْ ... كَفِّي وَمَا فَاضَ بِه الْخِاطرُ

لفَاضَ مِنْ عَيْنَيْكِ - أفْدِيهمَا ... بالرُّوح - يَجْرِي دَمَعُكِ الطاهِرُ

أَتَذُكرِينَ اللَّيْلَ إذ لفنَا ... وَضَمَّنَا زَوْرَقُنَا ألعابرُ

مُدَلَلُ الْخُطْوَةِ فِي عَبْرِهِ ... يبدُو ويَخفىَ صَدْرُهُ الماخِرُ

وَيَنْثُرُ الأَمْوَاهَ فِي هَيْنَةْ ... مِنْ حَوْلِه مجْدَافُهُ النَّاثِرُ

وَزُرْقَةُ (الدَّانوبِ) تمضْي بنا ... وَيَسْتبَينَا لَوْنُها الزّاهِرُ تَلَصُ مِنْ عَيْنَيكِ لوْنَيِهِمَا ... وَأَيْنَ منها سِحْرُكِ السَاحِرُ

وَالكأسُ فِيّ كفيْكِ قد أشْرقَتْ ... وَضَاَء مَنْهَا وَجْهُكِ النَاضِرُ

وَقُلْتِ و (الدَّانوبُ) فِي لَغْوهِ ... مَاذَا يَقُولُ الأزرق الهادِرُ

فَقُلْتُ وَالقبْلَةُ فِي خَاطِرِي ... يقولُ هيَّا. بادِرُوا: بادرُوا

وَاقْتَربَتَ أعْطافُنا وَاحْتَوَى ... صَدْرَكِ صَدْرِي النَّاحِلُ الضَّامِرُ

وَاتَحَدَ النَّبْضَانِ فِي لحظةٍ ... فِدَى لها مَاضِيَّ وَالحَاضِرُ

لوْ قُلِبَ الزَوْرَقُ مِنْ تَحْتِنَا ... لمْ يَشْعُرَنْ مِنَّا به شاعِرُ

أوْ لفّنَا الزَّاخِرُ فِي مَوْجِهِ ... لمْ نَدْرِ مَاذَا فَعَلَ الزاخِرُ

وَأَيُّنَا المبْتَلُّ فِي مَائِهِ ... وَأَيُّنَا المرضُوضُ وَالْخَائْرُ

يا قلبُ ما الذِّكْرَى لنا، خَلِّهَا ... لاَ يَنْتَهِيَ ما يْذكُرُ الذَّاكرُ

يا طَاوِيَ الْصَّحْراَء، فِي ظُلْمَةٍ ... ضَللْتَها، ما أنتَ وَالآخِرُ

وَسَائِلٍ أَيْنَ أَغَانٍ مَضَتْ ... وَأَيْنَ أَلْحَانُك يَا شَاعِرُ

وَمُسْكِراتُ اللفظْ أَيْنَ انْطَوَتْ ... وَأَينَ وَلَّي وَحْيُكَ النَّافِرُ

وَأَيْنَ مِنْ وَجْهِكَ إِشْرَاقَةٌ ... وَضاَءةٌ، أَيْنَ الصِّبَا البَاكِرُ

مًرَّتْ بِكَ الْبَسْمَةُ فِي جَفْوَةِ ... كما يَمُرُّ العَاجِلُ السَّائِرُ

فقلتُ ما ضَرَّكَ صَمْتُ امرِئٍ ... طَوَاهُ جَدُّ مُظْلِمٌ عَاثِرُ

الصَّمت أَحْرَى بِيَ فِي أَمةٍ ... أُمِّيُهَا كاتِبُهَا القَادِرُ

يَسُودُهَا العِيُّ وَيَسْمُو بها ... وَلاَ يَسُودُ النَّاطِقُ الجَاْهِرُ

أَشِرْعَةُ الإنْصَافِ فِي الدَّهْرِ أَنْ ... يَسْتَوِيَ الْمَقْهُورُ وَالْقَاهِرُ

وكلُّ ما أَعْجَزَ فِي فَهْمِهِ ... بها بَيَانٌ سَائِغٌ بَاهِرُ

لله صَوْتٌ رَنَّ في أُفْقِهَا ... أَخْفَتَهُ دَهْرٌ بِهِ غَادِرٌ

وَأَنْكَرَتْ دُنْيَايَ سَعْيِي بِهَا ... وَالضوْءُ لاَ يُنْكِرهُ النَّاكِرُ

حَتَّى يَكَادَ الصَّبْرُ مِنْ ضِيقِها ... يَهْتِفُ لاَ كَانَ الفَتَى الصَّابِرُ

إِنْ نَالَ قَلْبِي الْيَأْسُ في سَاحِها ... فَغفْرَك اللَّهُمَّ يَا غَافِرُ

كَأنَنِي في يَدِهَا مُصْحَفٌ ... ضَافِي السَّنِا يَحْمْلُهُ كَافِرُ شِعْرِي وَأنْتَ القلب قد صاغَهُ ... لفظاً بَنَانٌ صَنَعٌ مَاهِرُ

أَنْتَ مَلاَذِي إِنْ أَلَمَّ الأَسَى ... وَسَامِرِي إِنْ أَعْوَزَ السَّامِرُ

كنْ نَاصِرِي في عاَلَمٍ خَادِعٍ ... إِنْ عَزَّ فِيهِ الخِلُّ وَالنَّاصِرُ