انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 387/نفسية المرأة الحديثة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 387/نفسية المرأة الحديثة

ملاحظات: بتاريخ: 02 - 12 - 1940



مقتبسة من آراء العلامة (يونج)

للدكتور محمد حسني ولاية

لا شيء يضر طبيعة المرأة نفسياً أكثر من قيامها بأعمال الرجال. ولما كانت طبيعة الإنسان مشتملة على عنصري الأنوثة والذكورة معاً، فإن الرجل يستطيع أن يعيش بالمرأة التي في نفسه، كما أن المرأة بدورها تستطيع أن تحيا بالرجل الكائن في طبيعتها، وفي ذلك ما يقيد ذاتية الشخص الأساسية ويقضي عليها. فلا بد للرجل من أن يعيش كرجل، ولا بد للمرأة من أن تعيش كامرأة

إن تصرفات المرأة وانفعالاتها لا تتأنى من عقلها الباطن مباشرة، بل هي من خصائص طبيعتها الأنثوية، فليست انفعالاتها ساذجة، ولكنها ترمي إلى غرض لا تصرح به.

إن ما يصدر من الآراء عن عقل المرأة الباطن يسير بها في طريق شاذة، فهذه الآراء تنتحل

صفة الصدق والواقعية ما دامت لم توضع رهن الانتقاد الواعي.

وهي تشبه تصرفات الرجل في غموضها إلى حد ما، كما أنها تشبهها في عدم وصولها إلى العقل الواعي غالباً، وعلى ذلك يندر أن ندرك ألوانها على حقيقتها

إن الافتراضات والأفكار المنتمية إلى العقل الباطن لهي ألد عدو للمرأة، وذلك لأنها قد تنمو وتكبر في شكل هوى شيطاني يستقبح الرجال ويحنق جاذبية المرأة وأنوثتها، وينتهي مثل هذا الاتجاه إلى انفصام عميق في الذاتية أو بعبارة أخرى إلى عصبية. على أنه ليس من الضروري أن يصل الأمر إلى هذه الخاتمة، لأن تلوين عقلية المرأة بالذكورة يؤدي في حد ذاته إلى نتائج سيئة غير العصبية. فقد تكون مثل هذه المرأة زميلة طيبة للرجل ولكنها لن تشق طريقها إلى مشاعره وعواطفه، وهذا من قبيل تفاعل دفاعي ضد طابع الجنسية الذكرية.

إن كل ما حرم على المرأة في العصور الخالية قد تجمع الآن وتمخض عن حدوث عمليات تعويض نفسي، ورسل هذه العمليات هن كاتمات السر والمختزلات والمشتغلات بالأزياء، وهن اللاتي يقوضن أركان الزواج باتباعهن ملايين من الطرق الخفية وليست رغبة أولئك النساء موجهة إلى مناصبة العلاقات الجنسية والمجازفات الغرامية العداء، بل محاربة الزواج هي غايتهن، فهن يرمين إلى مطاردة المرأة المتزوجة، ولكن بوسائل غامضة هادئة عنيدة تعمل كالسحر مثل عين الثعبان الجامدة.

فما هو موقف المرأة المتزوجة من هذا؟. . . لا ريب في أنها تتعلق بالفكرة القديمة التي تلقي اللوم على عاتق الرجل والتي تتضمن استطاعة الإنسان أن يصنع الحب بمحض اختياره، وأنها على أساس هذه التصورات الجاهدة تنطوي على نفسها في جو من الغيرة. على أن هناك أثراً أعمق من هذا، فما من امرأة تستطيع أن تتفادى أثر الحافز الذي يعمل في الخفاء في ذلك الجو الذي ربما غمرتها به. . . أختها مثلاً. . . ذلك الجو القاسي الذي لم تعش فيه بعد وحينئذ يستبد بالمرأة المتزوجة ريب في أمر الزواج.

أن إمكان منع الحمل قد مهد السبيل للمرأة غير المتزوجة لأن تحيا حياة تشبه الزواج، بل هو قد أصبح ذا أهمية للنساء المتزوجات. ولكن التخلص من حوافز نفسية عظيمة متعلقة بإنجاب الأطفال يؤدي إلى حدوث اضطراب في التوازن العقلي؛ فالطاقة التي لا تجد هدفاً واعياً تقوي العقل الباطن وتسبب الشك وعدم الاطمئنان.

ينطوي الزواج في عرف المرأة على علاقة مطلقة لا تربطها بالزوج فحسب، بل بالأطفال والأقارب، فإذا كان الرجل مستحوذاً على المرأة ضاق بهذا الإطلاق ذرعاً لأنه يجدها موزعة بين أطفالها والأقارب وبين نفسه. ولما كان أكثر الرجال عمياً في غرامهم بزوجاتهم فإنهم يعتقدون أنهم ملكوا نواصي زوجاتهم واستحوذوا عليهن كلية

وترى المرأة أن الزواج علاقة روحية، وأن المسألة الجنسية ليست سوى عامل ثانوي مرتبط بالزواج.

وكما ابتدأت المرأة في نهاية القرن التاسع عشر تنحاز إلى الذكورة فقد انحاز الرجل بدوره في شيء من التردد إلى الأنوثة.

المرأة أغنى نفسية من الرجل، فهو يقتنع في أكثر نزعاته بالمنطق فقط، ويعاف ما ينضوي نفسياً تحت لواء العقل الباطن لأنه لا يعبأ إلا بالواقع، ولا يعني بالبدوات والمشاعر التي لا تنطبق على الواقع.

أما بالنسبة للمرأة فإن أكثر ما يهمها معرفته ماهية شعور الرجل إزاء أمر أكثر من فهمها الأمر نفسه. وكل ما يعده الرجل سفاسف وترهات ينال اهتماماً خاصاً من ناحية المرأة، وإن كثيراً مما يمكن رؤيته بوضوح في المرأة لا يمثل في الرجل إلا عملية ضئيلة غامضة لا يرغب غالباً في أن يعبر عنها.

حملت الظروف المرأة على أن تتحكم في شيء من الذكورة، وهذا هو الشيء الوحيد الذي ينقذها من البقاء في أنوثة عتيقة غريزة. أما الرجل فيضطر لأن ينشئ في نفسه بعض صفات أنثوية وهذا واجب عليه نحو نفسه لا قبل له بأن يتفاداه ما لم يفضل أن يتعثر خلف المرأة في شكل طفلي بائس لأنه مستهدف لخطر سيطرة المرأة عليه.

يرى رجل اليوم أن الزواج الحديث حافل بالمشاكل وترى المرأة الحديثة أن زواج القرون الوسطى لم يعد زواجاً مثالياً، فالذكورة التي اكتسبتها المرأة تجعلها ترفض أن تقول: (إنه سيكون سيدي) فالذكورة تعني أنها تعرف هدفها فهي تعمل كل ما هو ضروري لإصابته.

واكتسب الرجل بدوره أنوثة في نفسه بعد بذل مجهود ليس بالقليل وعلى حساب الكثير من الألم الذي عاناه. وهو لن يفرط فيما اكتسب لاقتناعه بأهميته.

إذا نظرنا عن بعد إلى الرجل الحديث والمرأة الحديثة تبادر إلى ذهننا أنهما لا شك ناجحان في زواجهما، ولكننا إذا رأيناهما عن كثب بدا لنا الأمر على النقيض لأن زواجهما إنما ينطوي على كفاح جديد، فكل ما تريد أن تفعله المرأة كصدى لإرادة وعيها الحديث النشأة لإيلام الرجل، كما أن المشاعر التي يستكشفها الرجل في نفسه ليست مناسبة للمرأة، فهما يريان أن ما استكشفاه في نفسيها حديثاً يمثل الجانب الوضيع من كل منهما؛ ذلك لأن ذكورة المرأة لا تقل ضعة عن أنوثة الرجل. ولكننا من ناحية أخرى نرى أن في المجموعة التي نسميها (الشخصية) ناحية غامضة، فلابد أن يكون الرجل القوي ضعيفاً من جانب ما وأن يكون الرجل الذكي غبياً من ناحية ما حتى يمكن للمرأة أن تعيرهما الثقة، فالمرأة تحب ضعف الرجل القوي أكثر من قوته، وغباوة الرجل الذكي أكثر من ذكائه.

إن حب المرأة يلتمس الرجل كله كوحدة. . . ليس الجانب الذكرى منه فحسب بل ذلك الشيء الذي ينافي الذكورة فيه أيضاً وليس حب المرأة بعاطفة مجردة بل هو رغبة حيوية تخلو أحياناً من العاطفة، وقد تدفع المرأة أحياناً إلى التضحية بنفسها. والرجل الذي تغمره المرأة بمثل هذا الحب لا يستطيع أن يتجاهل الشطر الوضيع من نفسه إذ ليس في مقدوره أن يواجه المرأة إلا به وأن يكون مغموساً في قرارة نفسه.

وليست قرارة الإنسان متشابهة فحسب بل متكافئة مع طبيعة الإنسان الأبدية التي تربط كل الإنسانية التي تمثلها صورة الحياة البشرية في أعاليها وأعماقها المشتركة بيننا جميعاً، فنحن لن نكون أشخاصاً مختلفين في قرارة نفوسنا بل ندرك الروابط المشتركة التي تربط الإنسانية جمعاء. وفي هذه الأعماق نطرح الفوارق الاجتماعية السطحية من شخصياتنا.

ونصل إلى أساس المشاكل التي تعرض لنا في حياة اليوم. وهذه المشاكل تمثل الحقيقة الواقعة، لأنني هنا أشعر وأعرف أني واحد من كثيرين وأن ما يحدوني يحدو الكثيرين. إننا في ناحية قوتنا مستقلين ومنفردين بحيث يمكننا تشكيل مصيرنا بما نريد، ولكننا في ناحية ضعفنا بعضنا معتمد على البعض الآخر ومرتبط به، وهنا يمثل كل منا آلة في يد القضاء، فليس الفرد هنا هو الذي يحكم بل هي الإرادة البشرية.

ينطوي معنى الحياة الحقيقي على اكتساب الشخص قوة على التغلب العزلة الشخصية والابتعاد عن الأنانية في سبيل اشتراك فعال في حل المعضلات الحديثة.

فإذا أرخت امرأة اليوم تماسك الزواج واعية أو غير واعية ومستقلة استقلالاً روحياً أو اقتصادياً فإن هذا لا يأتي بدافع الرغبة الشخصية ولكن بدافع الرغبة الحيوية ذات القوة المسيطرة المستقرة في أعماق البشر التي تتخذ من المرأة الفردية آلة لها

يمثل الزواج قيمة اجتماعية أدبية لا نزاع فيها، وليس الحط من هذه القيمة إلا من قبيل الفوضى. إن عدم تكامل الإنسانية ليس إلا نشوزاً يقطع انسجام نغمات مثلنا، ومن سوء الحظ أننا لا نعيش في دنيا التي نريدها بل في دنيا الواقع حيث يتناحر الطيب والخبيث ويهدم أحدهما الآخر، وحيث لا تستطيع الأيدي البيضاء التي خلقت للابتكار والإنشاء تفادي التلوث بالدنس. . . وكلما أستجد شيء عرضة للنقد ومحط للريبة فهناك دائماً من يؤكد لنا وسط عاصفة من التصفيق أن لا شيء حدث وأن كل شيء يسير في نظام

وإذا نفذت أبصارنا إلى كثير من لزيجات ألفينا بها كثيراً من أعراض ضعف خفي يتمخض عن مشاكل زوجية تشمل كل تصرفات الزوجة (والزوجة فقط) التي لا يمكن احتمالها كالعصبية والخيانة الزوجية.

إن أولئك الذين يرون أنفسهم غير مضطرين إلى مجاراة ميول العهد الحديث يعتقدون في مثال الزوجية ويعتنقونه، وعندما يتهدم مثال الإنسان دون أن يحل محله شيء أفضل منه فإن الخسارة لا تعوض، ولذا تظل المرأة مترددة سواء أكانت متزوجة أم غير متزوجة فهي لا تجسر على العصيان بكل قلبها وإنما تظل في حيرة لقد أصبح الزواج أحسن حل وكل من لم يدخل في حظيرته عليه أن ينحني على أخطائه.

لم يعد الزواج سهلاً بالنسبة للمرأة الحديثة. ما دامت هناك فقرات قانونية تشرح ماهية الخيانة الزوجية فإن المرأة لابد أن تظل متخبطة في شباك الشك.

ويصح أن نتساءل (هل تعرف الفقرات التشريعية ما هي الخيانة الزوجية. . . وهل تعريفها لها هو الشكل النهائي الأبدي الصادق؟) فمن الناحية النفسية - وهي الناحية التي تعني امرأة - ترى في هذه الفقرات تشكيلة هازلة كما هو الحال في كل ما يصطنعه الرجل لوضع قوانين تتعلق بمسائل الحب.

وكثيراً ما يتعدى المؤمنون بالقانون حدود قوانينهم بما اتسموا به من غباوة، أو بالخنوع لإغراء المرأة أو لمجرد الرذيلة المختلطة بنفوسهم. وإن المرأة الحديثة لتتساءل عما إذا كانت تنتمي إلى هذه الفصيلة. . . أما من الناحية التقليدية فهي بلا ريب منتمية إليها. وعليها أن تفكر في ذلك لاستجلاء الحقيقة حتى تتهدم أصنام الاحترام التي نصبت في نفسها.

فما معنى أن يكون الإنسان محترماً. . . أمعنى هذا أن يلبس قناعاً مثالياً يستر به حقيقته عن الناس. . . أمعناه أن يكون خادعاً. . . إن الطيبة ليست خدعة، ولكن عندما يحبس الاحترام الروح. . . تلك الروح الحقيقية المقدسة لا يصبح الإنسان إلا ذلك الشيء الذي وصفه المسيح بأنه (القبر الأبيض).

لقد أصبحت المرأة الحديثة على بينة من الحقيقة التي لا نزاع فيها. . . إنها تستطيع أن تبلغ الأسمى والأحسن في مجال الحب فقط؛ وإن هذه المعرفة تحدوها للوصول إلى نتيجة أخرى هي أن الحب أبعد وأسمى من القانون. وإن احترامها الشخصي ليضيق حينئذ بنفسه ذرعاً. ولكن هناك ميلاً غريزياً يوفق بين تفاعلها والرأي العام هذا أهون الشرين. أما أهول الشرين فهو أن يسري هذا الرأي أيضاً في دمها. وهو يبدو لها كصوت داخلي يبعثه الضمير وكقوة كامنة تقفها عند حدها إنها لم تكن قط واعية للحقيقة المنطوية. على أن أعمق ما تملكه في ذاتها يمكن أن يجعلها تصطدم بالتاريخ؛ ولا ريب في أن هذا الاصطدام يبدو لها مستهجناً وغير منتظر. ولكن أين هي التي فهمت واستوعبت جيداً هذا التاريخ كحقيقة واقعة فليس هذا موجوداً في المجلات الضخمة ولكنه يعيش في الدماء

وما دامت المرأة تحيا حياة الماضي فهي لن تصطدم بالتاريخ ولكن يندر أن تنحرف المرأة عن ميل ثقافي سيطر على التاريخ. والآن نرى أن ترددها أصبح مفهوماً لأنها إذا خضعت لقانون الحب وقعت في هاوية الألم والشك والحيرة، وتعثرت بين عاملين كبيرين: الجمود التاريخي والقوة الإلهية المبتدعة.

ففي النهاية لا تجد حلاَّ سوى أن تنبذ الجمود التاريخي، وحينئذ يتعين عليها أن تبتدع لنفسها تاريخاً جديداً أو أن تتعلق بالتاريخ وتخضع له. ولكنها لا تستطيع أن تبتدع تاريخاً حديثاً ما لم تجرؤ على المخاطرة بكل شيء لتحقيق غرضها ولو ضحت بنفسها، لأن موضوع التجربة هو ذاتها التي تنتهي بها إلى نهاية مريرة. وهي عند هذا الحد لا ترى حياتها خلفاً لسلف بل تبدأ حياتها هنا. وهذا بمثابة تعبير ثقافي موروث يرمي إلى إيجاد شكل إنساني أتم، وإلى إيجاد معنى للحياة، وإلى نبذ انتحاء الإنسان ناحية واحدة من الحياة، وإلى تطليق حياة عزيزة محضة

إن المرأة تعي الآن أن الحب وحده هو الذي يمنحها قوامها، وأن الرجل الآن يستطيع أن يدرك أن الروح فقط هي التي تمنح حياته أسمى معانيها. وكل من المرأة والرجل يسعى إلى علاقة نفسية تربطه بالجنس الآخر، فالحب في حاجة إلى الروح والروح في حاجة إلى الحب.

إنها تشعر الآن بأنه لم يعد في الزواج طمأنينة ولا استقرار حقيقي؛ فأي معنى سام يحمله إخلاصها إذا كانت تشعر بأنها مكبلة بأغلال الشهوة التي ترمي إلى اقتنائها اقتناء قانونياً يحبس روحها. هناك إخلاص أهم من هذا يلوح لها، إخلاص للروح والحب، إخلاص يقوى على غزو الضعف الإنساني وعدم نضوجه ليقضي عليه. وربما تستطيع الوقوف على أن ما هو ضعيف وغير ناضج ليس إلا فوضى مؤلمة أو طريقاً محوطاً بالقلق، وأنه يستطاع تفسير ما استكشفته تفسيراً مزدوجاً تبعاً لطبيعته المشكوك فيها وهناك في هذه التطورات طريق يؤدي إلى الإنسانية العتيقة التي تهوي إلى مستنقع العقل الباطن، طريق تؤدي إلى هدم الشخصية والقضاء عليها

إن الإنسان الذي يستطيع أن يحتفظ بما اكتسبه هو الذي يستطيع أن يختبر لأول مرة معنى الذات، وحينئذ يستطيع أن يغوص في نفسه حتى يبلغ الإنسان الفطري المستقر فيه

فكيف يستطيع أن يحرر الإنسان نفسه من ذلك الإنسان الفطري المتغلغل في أعماقه. . . كيف يستطيع أن يقيم قنطرة تربط ذاته بالإنسان الناضج؟

كلما أنكر الإنسان ذاته واكتسب الفضائل العليا، كان بعيداً عن ذلك الإنسان الفطري.

إن كلمة الإنسان ذات الرنين الجميل لا تعني في أساسها شيئاً جميلاً أو فاضلاً أو ذكياً ولكنها تعني دركات منحطة من هذه الصفات. إن الكفاح والخوف الذي يراودنا عندما نحاول الانفصال عن الإنسان الفطري يبين لنا أن قوة جاذبية عالمنا السفلي (أي العقل الباطن) ما زالت هائلة، هذه القوة التي لا يمكن إنكارها وإذا أنكرناها فإن هذا لا يعني الخلاص منها

لا يستطيع أحد أن يبدأ حياته بالحاضر ولكنه ينمو إليه رويداً رويداً، ومن لم يكن له ماض فليس له حاضر. فالإنسان الصغير لا يقوى على ابتكار الثقافات، فهو لا يملك شيئاً من المعرفة سوى أنه موجود، وإن العمر الناضج الذي عبر منتصف الحياة هو الذي يخلق الثقافات

مزقت بربرية الحرب الجهنمية روح أوربا. . . وفي الوقت الذي تعكف فيه أيدي الرجال على إصلاح الخراب الخارجي تبدأ المرأة بدافع من سريرتها العمل على التئام جروح البشر الداخلية بتأسيس العلاقات النفسانية البشرية على أساس وطيد، ولا شيء يحول بينها وبين تحقيق أهدافها أكثر من الزواج التقليدي. . . زواج العصور الوسطى. . . ولن تتأسس تلك العلاقات على أساس عرفي ما لم تتعطر بشذى الحرية

المرأة الحديثة في حاجة إلى وعي أوسع مدى حتى تتعرف هدفها وحتى لا تكون آلة الطبيعة العمياء. إن وسيلة المرأة هي وسيلة الطبيعة التي تعمل بطرق غير مباشرة بدون أن ترمي إلى هدف ظاهري، وأن يكون الهدف موروثاً في سريرتها. على أن هذه الطرق الملتوية التي تنتهجها المرأة خطرة، فعبثاً تحاول أن تصل بها إلى أهدافها إن على عاتق المرأة واجباً ثقافياً كبيراً ربما كان مستهل عصر جديد

محمد حسني ولاية