انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 386/كتب لم أقرأها

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 386/كتب لم أقرأها

ملاحظات: بتاريخ: 25 - 11 - 1940



(شتاء في بلاد العرب)

للأستاذ عبد اللطيف النشار

قد يظهر غداً من يترجم هذا الكتاب، وقد يظهر من يكتب عنه بعد الفراغ من قراءته، فلك أن تقول: لم يكتب عنه هذا الذي لم يقرأه؟

والجواب أنه ما من يوم إلا والصحف والإنجليزية تتحدث عن مؤلفات تعد بالمئات وفيها عشرات تهمنا. وقد يمر العام تلو العام ولا تظهر في لغتنا ترجمة لأحدها، ولا كتابة وافية عن ثلاثة أو أربعة منها. وليس بمتسع عمر كاتب لقراءة كل كتاب يقرأ عنه في غير لغته ويتمنى أن تظهر له ترجمة في لغته لما يتوسمه فيما كتب عنه من أهمية عند ذويه

وعن هذا الكتاب (شتاء في بلاد العرب) نشرت مقالتان في عدد 18 نوفمبر سنة 1940 من جريدة الأجبشان غازيت. أما إحداهما فهي افتتاحية الجريدة لمحررها بعنوان (الشرق والغرب) وأما الثانية ففي صحيفة (الكتب) بقلم المستر آرثر بنفولد

أما والكتاب يشغل من جريدة واحدة في عدد واحد خمسة أعمدة طوال، وأما وهو عن العرب، وأما وهو واحد من عشرات تهمنا كلها موضوعاتها فلا أرى بدا من اقتراح أقترحه على أدبائنا. هو تلخيص ما يكتب عن كتب تهمنا ليكون هذا التلخيص تعريفاً بالجديد في الأدب الغربي مما يهم العرب، ولمن شاء أن يزيد فضله؛ وغير مجحود فضل السابق وإن بزه اللاحق، وغير مغموط فضل المشير وإن لم يأت بالكثير

الكتاب من وضع الآنسة فريا ستارك - طبعة موراي. وهو يصف حياتها واثنتين من زميلاتها في حضرموت في فترة الشتاء الذي وقع بين عامي 1937 - 38

أما إحدى الثلاث الأوانس فعالمة في علم الآثار، وأما الثانية فعالمة في علم طبقات الأرض، وأما الثالثة وهي المؤلفة فأديبة ذات شهرة خاصة بجمال الأسلوب وروعة البيان؛ ولها كتب أخرى قبل هذا الكتاب

ويظهر من كتابة الكاتبين أن أداة البيان ضرورية جداً في كتاب مثل هذا يتضمن شطر كبير منه وصف الطبيعة الدائمة التغير في الصحراء، ووصف الحياة بين الرمال وبين الصخور في عزلة عن الناس وفي أجواء وأحوال مغايرة لما ألفه من يكتب هذا الوصف وقد أقتبس المستر آرثر بنفولد فقرات كثيرات من هذا الكتاب للاستشهاد بها على تمكنها من ناصية اللغة والقدرة على الوصف

فإذا ما تخطينا هذا إلى ما هو أشبه بأن يهمنا وجدنا محرر الجريدة يقتبس الفقرة الآتية من مقدمة الكتاب بقلم السير كينان كورنواليس:

(والعربي إذا عومل كما ينبغي أن يعامل على أساس المساواة والمودة نيل منه خير ما يمكن أن ينال. أما إذا أحس بالتعالي عليه أو الانصراف عنه أو الميل إلى التحكم فيه، فلن ينال منه من يعامله كذلك إلا بما هو أهله. والعربي أكثر حساسية من الرجل العادي؛ فهو سريع اللمحة للدقيق، سريع الاستجابة للود والمحبة. وقد زادت وضوحاً أمامنا قيمة الصلات الشخصية والصداقات مع أهل الشرق الأوسط، كما وضح للجميع أذى الصلف والتعالي. وليس الإنكليزي العادي بالرجل المسرف في إظهار مشاعره نحو أبناء الشعوب الأخرى؛ ولكن الذي يقرأ كتاب الآنسة ستارك يتعرف الفوارق بين ما ينبغي وما لا ينبغي فيفيد من ذلك)

ويقتبس المستر بنفولد من صلب الكتاب فقرات يؤخذ منها فقرات أن في قبائل حضرموت سيادة دينية لرجال من قريش يقال لأحدهم (منصب). وهي تصف (المنصب) هذا بأن الناس يقبلون يده، وأنه مهيب الطلعة، يضع على رأسه عمامة خضراء، وأن سلطانه يتجاوز النفوذ الروحي؛ فهو يفرض ضرائب على الرؤوس، ويستولي على مواشي الذين يتأخرون عن دفع الضريبة حتى يؤدوها

وتقول المؤلفة إن الخطوة الأولى من خطوات الشرقي في سبيل الانحدار والسقوط هي تذمر من عوائده الموروثة، لأنه لن يستطيع أحد في تلك البلاد أن يشعر بالسعادة إلا إذا حرص على عوائدها واقتنع بها. . . إنه متى جنح إلى مثل الذي يجنح إليه الغربي من وسائل الراحة والرفاهية بدت له شدة فقره وصعوبة وسائله في الحياة وتراخي ففقد قوته الروحية، وفقد اعتداده بأهمية القوة الروحية في هذه الحياة

وتقول الكاتبة في وصف المرأة العربية إنها تحتفظ في شيخوختها بالجمال والهداة والعذوبة، ولا تظهر على وجهها تلك التجاعيد التي تظهر على وجه المرأة الغربية، وأحسب هذا نتيجة لنظام الاحتشام القاسي الذي يمنع اختلاف المشاعر المحدثة لتلك التجاعيد. وإذا كان لدى المرأة الغربية من ضبط النفس ما تقهر به تلك المشاعر، فلدى العربية مما فطرت عليه من الجد ما يذلل مشاعرها التي تراد في الغرب لتذليلها قوة ضبط النفس. ومثل العربية في ذلك كمثل الراهبات اللواتي قلما تظهر على وجوههن في الشيخوخة تلك التجاعيد، واللواتي يحتفظن بالوسامة رغم الشيخوخة، ويحتفظن بعلائم الاطمئنان والراحة

وفي الكتاب أقاصيص ونوادر يسرد منها مقرظة قول الكاتبة:

إن قاضي المدينة أخبرها بأنه سيفتتح دكاناً، وإن غرضه من ذلك تمضيه الوقت

قالت في دهشة: وماذا تبيع به؟ فقال: إن رأيه لم يستقر على شيء. ثم أخرج من جيبه أوراقاً وقال إنه لم يعد من مشروعه غير ما تضمنته هذه الأوراق من قصيدة سيعلقها على باب الدكان تحية للزبائن

وسواء أكان هذا القول من جانبها جداً أم هو هزل يراد به تجسيم محبة العرب للشعر في الكتاب هزلاً ولا شك فيه يراد به لفت نظر الغربيين، فمن ذلك ما زعمته من اعتياد الرجل في حضرموت أن يتزوج خمسين زوجة. وفيه إغراق في الوهم فمن ذلك زعمها أن حاكماً من حكام حضرموت أشترى ألف جارية من الصومال، فلما نقلن في سفن إلى البلاد العربية أتضح أنهن حوامل جميعاً وأنهن تركن في مكان ما من الصحراء حتى يضعن فتنشأ جيل من الناس بهذا المكان لا يشبهون العرب بل تدل ألوان بشرتهم وشكل شعرهم على أنهم من نسل صومالي

وتصف الكاتبة اعتقاد الأهلين بالجن وبالسحر وتنصف علماء الدين فتقول: إنهم ينكرون هذا كله، وتقول: إن مهر العروس هناك لا يجوز أن يزيد على أربعة عشر دولاراً ولكن تكاليف حفلة العرس لا تقل عن ستين دولاراً وتروي عن رجل عرفته أسمه السيد علوي أن نفقات زواجه بلغت ثلاثمائة دولار، وانه تزوج بدافع الحب، وأنه يعتقد إن زواج الحب هو الزواج الصالح وأنه لذلك لن يعدد الزوجات

هذا بعض ما وصف به الكتاب، ولعل فيه ما يكفي للتعريف به أو للاستزادة من التعريف

وأحسب أن في الكتابة عما لم أقرأه معتمداً على ما قرأت عنه ما لا تقل جدواه عن كتابتي عن كتاب قرأته إلى من لم يقرأوه، كلا الأمرين تعريف لمن شاء أن يعرف، وفي مجال البحث متسع للمستزيد

عبد اللطيف النشار