انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 378/الحديث ذو شجون

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 378/الحديث ذو شجون

ملاحظات: بتاريخ: 30 - 09 - 1940


للدكتور زكي مبارك

جناية الجمال - ألفاظ صحيحة: الانسجام، الصنائع، النسائم،

مرير، البديه، الهناء، المساهمة، أبحاث - إلى المنصورة، إلى

المنصورة وطن الشعر والخيال.

جناية الجمال

أكتب هذه الكلمة في مساء اليوم الرابع عشر من شعبان بعد إذ نقل المذياع دعاء شيخ الأزهر الشريف بأن يكشف الله الغُمة عن الأمم الإسلامية، وهو دعاء أمّن عليه جمهور كبير بدعوة صاحب الجلالة الملك (ملك مصر بعون الله) أيد الله ملكه، واستجاب دعاءه، فدفع السوء عن بلاد العرب والمسلمين.

وفي هذا المساء يتحدث الناس عن المخاوف التي تساور مصر في الحدود الغربية وفي بعض أقاليم السودان. . . وتلك أحاديث تقبض الصدور، وتحزن القلوب، ثم تقهر النفس على التفكير في جناية الجمال على الجميل، فما تلقى مصرُ المكاره إلا بفضل ما تعد من خيرات وثمرات، وما تُمكّن للظاهرين عنها من السيطرة على الغرب والشرق، لأنها منذ الأزل إقليد الغرب والشرق، وإلا فكيف جاز أن تكون هدفاً أبدياً لكل من جن له الدهر في التاريخ القديم والتاريخ الحديث، بحيث يُمكن الحكم بأن جمالها لم يفارق خيال الطامعين في زمن من الأزمان؟

وهل مر على مصر عام واحد بلا ابتلاء بمكايد الطغاة والمسيطرين؟

من يصدّق أن مصر جشمت الناس المتاعب في التاريخ القديم يوم كانت صعوبة المواصلات لا تسمح بأن يصل إليها المغيرون إلا بعد التعرض للمخاطر والمعاطب في الشهور الطوال؟

وهل يعرف أحد كيف جاز أن تكون المعضلات الأخلاقية والاجتماعية في مصر هي أهم ما شُغلت به الكتب السماوية؟

ومن نحن حتى تكون بلادنا أخطر البلاد التي تحدّث عنها القرآن المجيد؟ من نحن؟ نحن الصابرون على مصاعب الإتقان والتجويد في العلوم والفنون منذ العهد الذي سبق التاريخ بأجيال وأجيال.

وهل لبلادٍ في الدنيا ماضٍ يشبه ماضي هذه البلاد في العناية بالعلوم والفنون؟ فإن سألتم عن الحاضر فإليكم أسوق الحديث بلا تزيّد ولا إسراف:

كانت بلادنا الغالية هي الهدف الأول للحروب الصليبية، وكانت تلك الحروب مبدأ اليقظة في الغرب، وبفضل اصطدام الصليبيين بمصر عرفوا أول مرة كيف تكون الحضارة والمدنية.

ومن أين عرف الصليبيون معنى الاستشهاد في سبيل النصرانية؟

إنما نقلوا ذلك عن مصر، فهي أول بلد تعصب لدين عيسى في القرون الخوالي، كما كانت أول بلد أذاع نظرية التوحيد، يوم كان العالم كله لا يعرف غير الارتطام في أوحال الوثنية، وذلك هو السر في حرصها على إعزاز الإسلام، لأن الإسلام هو التعبير الصحيح عن نزعتها القديمة في إيثار التوحيد.

وجو مصر له فضل عظيم على الإنسانية. وأين من يعرف أن جو مصر هو الذي هدى الناس إلى الطيران؟

فوق جبل المقطّم شرقي القاهرة وقف رجل فرنسي فقير يكسب قوته من العمل بأحد متاجر القاهرة، وقف يرقب حركات الطير فوق ذلك الجبل قُبيل الشروق وبُعيد الغروب، وما زال يصوّب ويصعّد حتى اهتدى إلى سر الطيران.

فهل يذكر الألمان المغيرون بطائراتهم على لندن أو الإنجليز المغيرون بطائراتهم على برلين أن (جو مصر) هو الذي أمدّهم بذلك السلاح؟ وهل يذكر الطليان الذين يهددون (مصر الجديدة) بغاراتهم الجوية أن (مصر الجديدة) فيها تمثال (مويار) الذي نقل عن (جو مصر) سر الطيران؟

ما سمعتُ صفارات الإنذار بالغارات الجوية وأنا قارٌّ بداري في (مصر الجديدة) إلا عجبتُ من إمعان بني آدم في العقوق، فكل بلد يجوز الهجوم عليه بقاذفات القنابل إلا البلد الذي يقوم فيه تمثال الرجل الذي هداه (جو مصر) إلى سر الطيران.

ولكن أين من يحفظ لمصر الجميل؟ وجو مصر صنع ما صنع في تقدم الطب الحديث، فأهل الصين على بعد الدار، وشط المزار، يعرفون أنهم أصبحوا في أمان من أمراض لم تكتشف جراثيمها إلا في البلاد التي أنجبت البارودي وشوقي وحافظ ومحمد عبده وعبد العزيز جاويش ومصطفى كامل وسعد زغلول، كما أنجبت الفلكي والبقلي وعثمان غالب.

وما استوطن أجنبي مصر إلا خلعت عليه أثواب القوة والبهاء، وما دخل غريب مصر إلا نسي بلده الأصيل أبد الآبدين.

فإن قيل إن بلدنا موطن الأخياف فهذا حق، لأن حوض الزهر هو الوطن لجميع أمم النحل.

وهنا أذكر أن النحل المصري تفرّد بالشراسة والحمق، لأنه يعرف أنه معدوٌّ عليه، ويعرف أن أسراب النحل تأتي لمنافسته من جميع بقاع الأرض، وكذلك يُسهمُ المصري بالثورة على (الأجانب) من حين إلى حين.

وطني! إن جمالك هو الذي يجني عليك.

أما رأيت كيف تباح حرية الإضاءة في جميع الشواطئ ولا تقيد إلا في الإسكندرية وبور سعيد؟ وهل كان ذلك إلا لأن هذين البلدين هما أجمل ما تملك فوق شواطئ البحر المحيط؟

وطني! لهذا اليوم ما بعده، وسوف تلقاني وألقاك، وإن أرجف المرجفون بأن لا لقاء بعد اليوم المخُوف.

وطني! إن لم أحمل السيف في حمايتك فقد حملتُ قلمي في الدفاع عنك، والقلمُ أبقى من السيف، وفضلُك في الدنيا هو فضل القلم قبل فضل السيف، وقد أقسم الله بالقلم لا بالسيف، فعِش إلى الأبد حجة العالم وبرهان الزمان.

وطني! أنت تذكر أنه ما استطاع أمير ولا وزير أن يأجرني في العصبية لك، لأنك وطني وحدي، ولأني لا أسمح لأحد بأن يسبقني في الوصول إلى مواقع هواك.

وطني! وطني! إن عشتُ لك فسأحمل رايتك في المشرقين والمغربين، وسأكون سفيرك في كل أرض يصل إلى أسماع أهلها قلمي، فإن مت قبل أن أدرك في خدمتك ما أريد فسأكون برغم الحوادث بطل الوطنية والإخلاص.

وسلامُ الله على أبرار الشهداء!

ألفاظ صحيحة قلت في بعض المناسبات إني سريع الإنشاء، فظن كثير من الناس أن هذه السرعة قد تعطّل العناية بالأسلوب، وقد تفوّت الفرصة في تخيُّر الألفاظ الصحاح.

وأقول إن السرعة في الكتابة لا ترجع إلى التحرر من قيود الألفاظ والأساليب، وإنما السرعة في الكتابة ملكة من الملكات النفسية يُكسب منها ما يُكسب، ويُوهب منها ما يوهب، وقد ترجع إلى ما يتصف به الفكر في بعض الأحيان من القوة والمضاء. . . فإن رأى أحد القراء في مقالاتي أو مؤلفاتي كلمات أنكرها النقاد فليعرف جيداً أن وجه الصواب لم يغب عني، وإنما أثبت تلك الكلمات وأنا أعرف ما وُجه إليها من التجريح والتزييف، لأني أدرك من أحوالها ما لم يدرك أولئك الناقدون الفضلاء. وإليكم بعض الشواهد:

تلطّف كاتب كبير فأوصى أحد الأصدقاء أن يبلغني أني أخطأت في استعمال كلمة انسجام بمعنى وأقول إنها وردت بهذا المعنى في رسائل إخوان الصفاء.

وأنكر أديب آخر أن أجمع صناعة على صنائع، وأقول إنه جمع صحيح وله نظائر مثل رسالة ورسائل وبضاعة وبضائع.

وأخطأ المتحذلقون بوزارة المعارف حين غيروا اسم (مدرسة الفنون والصنائع) ليصيروها (مدرسة الفنون والصناعات)، ولو نظروا لعرفوا أن الناس يقولون: (فلان رجل صنايعي) بالنسبة إلى الجمع وهو صحيح، ولو كان في أولئك المتحذلقين من ساير كتب العرب في أبواب الاقتصاد لعرف أن العرب في مؤلفاتهم لا يجمعون صناعة إلا على صنائع. والقول بأن (صنائع) ليس إلا جمع صنيعة لا يخلو من التحكم البغيض.

وأنكروا أن ترد (النسائم) في كلامي جمعاً للنسيم، وأقول إنها وردت كذلك في نثر الشريف الرضي. وأنا راض بأن أخطئ مع الشريف!

وأنكروا أن أقول المساهمة بمعنى المقاسمة، وقد طربت أشد الطرب حين وجدت لها شاهداً في نثر الشريف، ثم عجبت كل العجب من غفلة بعض النقاد حين رأيت الزمخشري نص عليها في الأساس فقال: وتساهموا الشيء، تقاسموه، ثم أنشد:

تساهم ثوباها ففي الدرع رأدةٌ ... وفي المِرطلفّاوان ردقهما عبْلُ

وأنكروا أن أقول المرير بمعنى المر، وقد استأنست بقول الشريف:

وما كل أيام الشباب مريرةٌ ... ولا كل أيام الشباب عِذابُ ثم عجبت أيضاً من غفلة بعض النقاد حين رأيت الزمخشري ينص عليها في الأساس فيقول: وشيء مُرٌّ ومَرِير ومُمِرّ، ثم أنشد:

إني إذا حذّرتني حَذُورُ ... حُلْوٌ على حلاوتي مَرِيرُ

وأنكر الشاعر حسن بك حمدي أن يقول الأستاذ العقاد (البديه) في مكان (البديهة) أو البديهي، وأقول إن المعاجم نصت على البديهة لغرض واضح هو القول بوجود المؤنث، وكذلك الحال في (الهناء) وهي كلمة يمحوها أساتذة اللغة العربية كل يوم من دفاتر التلاميذ بحجة أن القاموس المحيط لم يذكر غير (الهناءة) وهم ينسون أن النص على المؤنث مقصود. . . والشريف الرضي يقول:

وما أوفتْ على العشرين سني ... وقد أوفى على الدنيا عزيمي

والعزيم مذكّر العزيمة وإن لم تنص عليه المعاجم.

فإن قيل إن كلمة الشريف هي (غريمي) بالغين المعجمة فأنا أجيب بأن ذلك تحريف لا يخفى على أهل الذوق. وأنكر قوم أن أجمع بحثاً على أبحاث فأقول في صدر كتاب (الموازنة بين الشعراء) إنه (أبحاث في أصول النقد وأسرار البيان) وأقول إن البحث يُجمع على أبحاث كما يُجمع على بُحوث، وقد نص على ذلك بعض اللغويين.

إلى المنصورة، إلى المنصورة

بعد ساعة واحدة من الشروع في كتابة هذه السطور آخذ طريقي إلى المنصورة وطن الشعر والخيال، فهل تلقاني المنصورة بالضم والعناق وهي كناس الحُور العين؟

ما أذكر أبداً أن المنصورة داينت قلبي بشيء، فما سر ذلك؟ ما سر ذلك وما كنت أغلف القلب ولا أصم الفؤاد؟

يرجع السر إلى أني قضيتُ دهري مُثقلاً بفوادح الأعباء فما دخلتُ بلداً شرقياً أو غربياً إلا وفوق كاهلي واجب مفروض وما ظهرت بمظهر المتلهي والمتفرج إلا لأكايد خصومي فأزعم أني أعاقر من صهباء الحياة ما يُعاقرون.

فإن كنت زرت المنصورة قبل اليوم مرة أو مرتين أو مرات فما كان ذلك إلا تأدية لواجب أسأل عنه مرة أو مرتين أو مرات، لأن قلبي يحدثني في كل وقت بأني مضطهد، وبأن خصومي يسرهم أن يعلموا ولو من طريق الوهم أني قصرت في أحد الواجبات. . . وإذا كان الدكتور طه حسين لم ينس كلمة جافية سمعها من أبيه منذ أكثر من أربعين سنة فأنا لم أنس أن أحد الرؤساء بوزارة المعارف واجهني بالكلمة الآتية:

(في كل موسم لك كتاب جديد، ولك في أكثر الجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية مقالات وبحوث، فمتى تشتغل لنا؟)

وكذلك كان الأمر في زيارة المنصورة فلم أدخلها إلا مُثقلاً بواجب تأبى فَداحتُه أن أتلفت إلى ما في رياض المنصورة من غرائب الأزهار والرياحين.

إلى المنصورة، إلى المنصورة.

ولكن كيف؟

كان في مقدوري أن أسير إليها على نفقة الدولة لتأدية بعض الواجبات هناك، ولكني رأيت أن تكون الزيارة على جيبي الخاصّ ليعرف القلب أن له حقوقاً تُذال من أجلها نفائس الأحوال.

وما حق القلب هناك؟ أيكون هو الشوق إلى الصديق أحمد حسن الزيات الذي اتهمه أحد كتاب جريدة الهدف بالفزع إلى المنصورة خوفاً من المعاطب؟

هو ذلك، مع إضافة واجب بسيط سأؤديه للدولة بالمجان.

ولكن هل يخف الزيات لاستقبالي بالمنصورة النجلاء؟

سألقاه مشغولاً بتصحيح تجارب (الرسالة) وسيدعوني إلى معاونته على تصحيح تلك التجارب، وسيرى حُضوري فرصة ترفع بها عن عينيه متاعب الإجهاد.

فإن كان في بلاد المشرق أو بلاد المغرب من يحسُد أدباء مصر على ما وصلوا إليه من نعمة السيطرة الأدبية فليذكر أننا وصلنا إلى تلك النعمة بجهادٍ شاق لم نقدم له من ناضج الوقود غير أقباس العزائم وألفاف القلوب، ونحن مع ذلك نؤمن بأننا لم نصنع غير حفر الأساس، فمتى نرى بأعيننا طلائع الجيل الجديد؟

ومتى نطمئن إلى أن كتّاب اللغة العربية لا يُعدّون بالعشرات وإنما يعدون بالمئات والألوف؟ متى؟ متى؟ الجواب عند أبناء اللغة العربية وهم يزيدون على مائة مليون.

وقد رجعتُ من المنصورة بعافية، لأني لم أبت فيها غير ليلة واحدة، فلم يتسع الوقت لعقابيل الوجد حتى تجرّب حظها في القدرة على تجريح قلب تكسّرت فيه النصال على النصال.

لم ألق أحداً في انتظاري على محطة المنصورة، فأين الزيات؟ وهل يشق عليه أن يُغبر قدميه بخطوات قصار لاستقبال صديق قضى في الطريق ثلاث ساعات، وإن مرت كومضة البرق في صحبة الأستاذ عبد العزيز صقر شاهين؟

وأتلفتُ فأرى الأستاذ محمود البشبيشي، الصديق العزيز الذي لم أر منه غير كرم الأخوّة وصدق الوداد، ثم أنظر فأرى الأستاذ عبد اللطيف علي، وهو مدرس فاضل قد مكنه التنقل من التعرف إلى ملامح البلاد المصرية.

هذه القهوة المنشودة، وتلك الكافورة الغيناء، وذلك الأستاذ محمود زناتي، فأين الزيات؟

لقد ذهب الشقيُّ إلى (رأس البر) وخلاّني، فهل أعود إلى القاهرة قبل أن أنفض عن ثيابي غبار الطريق؟

وما هي إلا لحظة حتى طاب المجلس وحلا الحديث، وأقبل المنصوريون فأحاطوني بوداد يذكّر بوداد أهل بغداد، حتى كدت أتوهم أني بين الرُّصافة والجسر، أو فوق الجزرة في مواجهة كلواذ. على ليلتي بالجزرة أطيب التحية، وأزكى السلام!

وأنظر في الساعة من ثانية إلى ثانية ومن دقيقة إلى دقيقة لأرى كيف أفرّ إلى دار تعودت المضي إليها بلا دليل غير وحي القلب، ولكن شيطانين منصوريين يصدّان عن سبيل القلب ويأبيان إلا مرافقتي حيثما توجهت، ونعوذ بالله من كيد الشياطين.

فإن كان حظي في تقبيل تلك الجدران قد ضاع فحسبي من العزاء أن أطمئن إلى أن هواي لم يزل من السر المصون.

أنا في المنصورة في صحبة القمر والنيل والنسيم، وفي ضيافة الأستاذ محمود زناتي وبرفقة جماعة من أفاضل الأدباء والمدرسين، فإن كان في الدنيا من يصدّق أن الحديث الجذّاب قد يكون أطيب الطيبات وقد يُنسى القلب لواعج هواه فليعرف أن سهرتنا كانت من تلك الطيبات العِذاب. ألم أسهر حتى يبلل الندى ثيابي على نحو ما كان يصنع معي في سهرات بيروت؟

ثم أستيقظ على صفير القطار، وهو يزفر زفرة الشوق إلى القاهرة فأهب لأداء بعض الواجبات، ثم أتجه إلى القاهرة قبل أن تصل الشمس إلى كبد السماء.

فإن بدا للزيات أن يعضّ بنان الندم على ضياع حظه من لقائي بالمنصورة فليفعل، فقد كانت معي أطايب من الحديث لا تذاع إلا هناك، وكان في نيتي أن أدله على أشياء وأشياء من أسرار المنصورة الفيحاء، وكان وكان، ولكنه قليل الحظ من الطيبات.

كان الزيات يهدد ويهدد: كان يقول إن زيارة المنصورة قد تكفّ شر المنصوريين في التزيد على (ليلى المريضة في العراق).

وذلك والله هو السر في زيارة المنصورة بعد موسم الصيد: صيد الأسماك.

أما بعد فللمنصورة حقوق تعرفها القلوب، فإن قضى الدهر بألا أبيت فيها غير ليلة واحدة فقديماً صنع الدهر ما صنع في حرمان أرباب القلوب.

رباه! متى تعود أيامي؟

متى أرجع إلى تدوين الملاحة في البلاد التي يسقيها النيلُ الوفيُّ الأمين؟

متى يتسع الوقت لدرس ما في مرابع الوطن الغالي من غرائب السحر والفُتُون؟

ما هَلّ بلدٌ في وجه القطار إلا وثب القلب، فما في وادينا بلدٌ خَلَت أرباضه من آثار الحروب بين العيون والقلوب، حتى كدت أومن بأن كل بلدٍ في مصر هو صورة من صور سنتريس أو بغداد أو باريس.

وطني! أنا أحبك، أنا أحبك.

ولو أنني أستغفر الله كلما ... ذكرتك لم تُكتَبْ عليّ ذُنوبُ

زكي مبارك