مجلة الرسالة/العدد 376/من الأدب الفرنسي
مجلة الرسالة/العدد 376/من الأدب الفرنسي
قصائد وأقاصيص
لصاحب الرسالة
بقلم الأستاذ (عابر سبيل)
تفضل المحرر الأدبي بجريدة الدستور فكتب هذه الكلمة الكريمة:
لم يكد ينقطع الحديث بعد عن كتاب (وحي الرسالة) الذي قدمه لقراء العربية الأديب الكبير الأستاذ أحمد حسن الزيات، حتى طلع علينا قلمه الزاخر بفيض جديد من أدبه الرفيع في كتابه الجديد (من الأدب الفرنسي)، وهو مجموعة من فرائد الأدب الفرنسي لأمراء الشعر والنثر في فرنسا الخالدة: (لامرتين، وهوجو، وشاتوبريان، وجي دي موباسان). نقلها الأستاذ من مكانها في قمة الأدب الفرنسي إلى نظيره في قمة الأدب العربي، بأسلوب عربي لا حاجة به إلى التقريظ والإشادة، ولا حاجة لصاحبه إلى كلمة ثناء بعد إذ شهدت كل آثاره الأدبية موضوعة ومعربة، منذ أن عرب (آلام فرتر) إلى اليوم، بأنه يختص في عالم البيان بطريقة لا يشركه فيها كاتب، وطابع لا أثر فيه للتكلف والاجتهاد، وإنما هو طبع أدبي مستوعب لأسرار البلاغة العربية، وذوق موهوب في صياغة الجملة العربية من نثار لفظي متخير بحيث لا تند كلمة في المعنى عن أختها، ولا ينحرف جرسها عن الموسيقى المنسابة في سائر الجمل والتراكيب، وبحيث لا يصدم سمعك نبو في الجرس، ولا يرهق لسانك جسوء في المخرج، ولا يتعب يدك بحث في القاموس عن معنى نافر غريب لكلمة وحشية جافية. وتتضافر كل هذه القوى البيانية لإبراز معنى من المعاني يتلبس بها جميعاً تلبس العطر النافج لأكمام الزهرة الندية، من أية ناحية تلمستها يدهك منها العبير المشبوب. ومعاني (الزيات) في أغلب موضوعاته ومترجماته تهدف دائماً إلى نور الحق والخير، وجمال الحب والرحمة، وسحر الآلام الإنسانية الرفيعة التي تتموج بها قلوب الشعراء والعشاق والبائسين من بني الأرض. ومن يقرأ طرفاً من شجن (رفائيل) وحيرة (فرتر) في معرباته لهاتين القصتين العالميتين، ويجري وراء قلم الزيات في فصوله المتعاقبة منذ أنشأ (الرسالة) وأشرف على تحريرها إلى اليوم يدرك مدى هذه الحقيقة في أدبه سواء في ذلك الموضوع والمعرب. ويكفي أيضاً لإدراكها أن تطالع فصول الكاتب الجديد وتقف على عظمة اتجاه المعرب في اختيار الموضوعات الإنسانية الرائعة التي عالجها الشعراء والكتاب الفرنسيون الذين عرب لهم؛ فالذي يطالع منها قصيدة (الشاعر المحتضر) للامرتين يتمنى من أعماق روحه أن لو كان هو ذلك الشاعر الفاني الذي يودع الدنيا وعلى قيثاره آخر نغم من أنغام الحب والجمال، وعلى قمة عظة السخرية الهائلة بالمجد الذي يفنى العالم جيلاً بعد جيل في سبيله، وما هو إلا لفظة جوفاء مجرودة من كل هذه المعاني الزائفة التي خلعها عليه الإنسان. وقصيدة (المستقبل التي وجهها فيكتور هوجو إلى نابليون عقيب اندحاره في (واترلو) حافلة بأخلد المعاني الإنسانية التي تتفجر بها قلوب الأحرار من الشعراء حيال الطغيان البشري الذي يجره المغترون بالبطولة والعنفوان، المتحكمون في رقاب العالم إشباعاً لشهواتهم وأنانيتهم. . . إلى آخر ما في هذه النفحة الجديدة التي يشاء القدر أن تطلع على الناس في وقت نرى فيه فرنسا مهد الشعر والفن والجمال والحرية أصبحت ميداناً لأكبر صراع في تاريخ البشرية بين الحرية والاستعباد، وفي لحظة يعتكر فيها ضباب الطغيان على أعظم منار في العصر الحديث للفنون والحضارة.
فلا أقل من أن تؤول ظهور هذا القبس الأدبي في ظلام المحن تحية صامتة لفرنسا وصوتاً جديداً يذكر الشرق بفضلها على الأدب الإنساني كله وعلى الأدب العربي بوجه خاص. . . نسأل الله هداية كتابنا إلى مثل هذا المجهود الأدبي العظيم الذي يضم به الزيات يداً جديدة من أياديه الخالدة على الثقافة المصرية والأدب العربي الحديث.
(عابر سبيل)